في شهر يناير الماضي أعلنت شركة مايكروسوفت أنها تخطط لشراء شركة “أكتيفيجن بليزارد” إحدى أكبر مطوري ألعاب الفيديو في العالم، والمصنعة للعبة “كول إف ديوتي” الشهيرة ولعبة “واركرافت” و”كاندي كراش ساغا”.
الصفقة التي تبلغ قيمتها 68.7 مليار دولار- إن تمت- ستجعل من شركة مايكروسوفت ثالث أكبر شركة ألعاب فيديو من حيث الإيرادات، وذلك بعد شركتي تنسنت وسوني، وستسمح الصفقة لمايكروسوفت بنيل مزيد من النفوذ في مجال كيفية صناعة ألعاب الفيديو وتوزيعها.
شركة مايكروسوفت تبلغ قيمتها السوقية، وفقا لأحدث التقديرات 2.3 تريليون دولار، ولا شك أن ذلك ساعدها على خوض غمار عملية استحواذ بقيمة 68.7 مليار دولار، وتثير الصفقة جدلا بشأن إمكانية موافقة الجهات التنظيمية عليها، إذ لا يعد ذلك مضمونا وسط الحديث الدولي المتزايد عن مخاطر تنامي الاحتكارات التكنولوجية، خاصة أن الصفقة تعد أكبر عملية استحواذ في تاريخ صناعة ألعاب الفيديو.
وفي الواقع، فإن مايكروسوفت نجت إلى حد كبير من الانتقادات الخاصة بممارسة شركات التكنولوجيا العملاقة للاحتكار، بخلاف شركات مثل أبل وميتا “فيسبوك سابقا” وأمازون.
وخلال الأعوام الماضية كانت الشركة تبني قوتها بثبات في عالم ألعاب الفيديو، ففي 2021 استحوذت على شركة “زينماكس ميديا”، ما منحها السيطرة على شركات تابعة لـ”زينماكس ميديا”، إضافة إلى نحو 23 استوديو ألعاب.
كما قامت مايكروسوفت ببناء علامتها التجارية الخاصة في مجال أجهزة التحكم في تلك الألعاب والمعروفة باسم “إكس بوكس”، وقد أعلنت الشركة أخيرا أن خدمة الاشتراك في لعبة “إكس بوكس” قد بلغت 25 مليون مشترك منذ إطلاقها في 2017.
وفي الواقع، فإن الصفقة المعلن عنها تأتي في لحظة تراجع لشركة “أكتيفيجن بليزارد”، إذ أدت مزاعم بالتحرش الجنسي بالموظفات وسوء السلوك إلى انخفاض أسهم الشركة بأكثر من 37 في المائة، بعد أن وصلت إلى معدلات قياسية العام الماضي.
وفي هذا السياق، قال لـ”الاقتصادية” المهندس بير اتكونس، الخبير في مجال تطوير ألعاب الفيديو، “اليوم تعد ألعاب الفيديو الفئة الأكثر ديناميكية في مجال الترفيه عبر جميع المنصات، وستلعب دورا رئيسا في تطوير منصات ميتافيرس، وتظهر الصفقة أن مايكروسوفت لديها رهان كبير على عوالم الإنترنت الافتراضية، حيث يمكن للناس العمل واللعب والتواصل الاجتماعي”.
ويستدرك اتكونس قائلا: “قد لا يبدو الاندماج في صناعة ألعاب الفيديو خطيرا مثل احتكار سوق التجزئة في سلع استراتيجية، لكن قوة مايكروسوفت المتزايدة في صناعة الألعاب، التي تقدر بمليارات الدولارات، يمكن أن تقلل من رغبة الشركة في العمل مع أطراف أو شركات أخرى، وسيكون من الصعب على منتجي الألعاب المستقلين دخول السوق، وهذا يضعف إلى حد كبير القدرة التنافسية في الأسواق”.
لكنه يعتقد أن شركة مايكروسوفت لديها ثقة كبيرة بأنه ستعقد تلك الصفقة، وستتغلب على العقبات التنظيمية، لأن هناك غرامة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، إذ فشلت الصفقة، ما يشير إلى ثقة مجلس إدارة مايكروسوفت بالفوز بعملية الاستحواذ.
من المؤكد أن ألعاب الفيديو باتت نشاطا تجاريا كبيرا وسريع النمو في الأعوام الأخيرة حتى قبل جائحة كورونا، إلا أن عمليات الإغلاق عززت من جاذبية تلك الألعاب، سواء للمتمرسين عليها بإتاحة مزيد من الوقت لهم للعب، أو للمبتدئين للتغلب على ملل البقاء في المنزل لساعات طويلة، وقد نمت إيرادات صناعة ألعاب الفيديو خلال 2020 بنحو 23 في المائة لتصل إلى ما يقارب 180 مليار دولار.
ولفهم طبيعة الصراع الدائر حاليا في السوق، فإنه بمجرد إعلان شركة مايكروسوفت عن تلك الصفقة، وعلى الرغم من أنها لم تتم بعد ولا يزال أمامها الكثير من التحديات وعدم إتمامها قبل 2023، أدى الإعلان إلى تراجع قيمة سهم منافسها شركة سوني اليابانية 13 في المائة، وخسرتها نحو 14 مليار دولار أي نحو 9 في المائة من إجمالي قيمتها، وتطلب الأمر بضعة أيام لتتعافى أسهم سوني بعد إعلانها عن صفقة لشراء شركة تطوير الألعاب “بانجي” بقيمة 3.7 مليار دولار.
من جانبها، ذكرت لـ”الاقتصادية” تريسي دوريس، الباحثة في مجال الذكاء الصناعي، “في العشرية السابقة كانت ألعاب الفيديو تشكل ثمن الإيرادات في شركة سوني، التي كانت تعتمد على أجهزة التلفزيون ومشغلات الموسيقى المحمولة، اليوم ألعاب الفيديو وخدمات الشبكة تعد أكبر قطاعات سوني، وتمثل حاليا ما يقرب من ثلث الإيرادات والأرباح التشغيلية، ومن ثم فالمنافسة مع مايكروسوفت شرسة للغاية، لأنها تحدد مستقبل الشركتين في صناعة ألعاب الفيديو”.
وتضيف “سوني ترفض حتى الآن الإفصاح عن استراتيجيتها في مجال ألعاب الفيديو بعد إعلان مايكروسوفت عن صفقتها، لكن يلاحظ أن طرح سوني بلاي استشين 5 للبيع في نوفمبر 2020 تزامن تقريبا مع إطلاق مايكروسوفت لأحدث أجهزتها من إكس بوكس، فالمنافسة ممتدة منذ عقدين من الزمان بين الشركتين، ومنذ سبتمبر الماضي حتى الآن باعت سوني 13.4 مليون وحدة من بلاي استشين 5 وكان من الممكن أن يكون هذا الرقم أعلى إذا لم يكن هناك نقص في أشباه الموصلات”.
لكن الخبير الاستثماري جاك سمبسون يرى، أن القضية المتعلقة بالمنافسة بين مايكروسوفت وسوني أكثر تعقيدا من ذلك.
ويقول لـ”الاقتصادية” إن “الأرباح في تلك الصناعة تتحقق في الجزء الأكبر منها جراء المحتوى الحصري، بمعنى أن يكون لديك ألعاب غير متوافرة لدى منافسيك، ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة منافسة محتدمة بين سوني ومايكروسوفت، فقد تم تصنيف ألعاب من قبيل “كول إف ديوتي” الخاصة بشركة “أكتيفيجن بليزارد”، الذي بيع منها 400 مليون لعبة منذ 2003 من بين أفضل عشر ألعاب مبيعا لدى بلاي استشين من سوني”.
وأضاف “إذا استحوذت شركة مايكروسوفت على شركة أكتيفيجن بليزارد فإنها قد تمنع بلاي استشين من الوصول إلى كول إف ديوتي، وعلى الرغم من أن رئيس ألعاب الفيديو في مايكروسوفت غرد على توتير متعهدا لشركة سوني بأن اللعبة ستكون متاحة في بلاي استشين، إلا أنه لا يوجد ضمانات رسمية بشأن حدوث ذلك بعد إتمام عملية الاستحواذ، أو بشأن ألعاب الفيديو الأخرى”.
على المستوى العالمي يتوقع أن تصل إيرادات صناعة ألعاب الفيديو إلى 198 مليار دولار 2024، والجزء الأكبر من هذا النمو سيكون من ألعاب الهاتف المحمول، وتكشف صفقة مايكروسوفت والصفقة، التي أعلنتها شركة سوني، إضافة إلى صفقة شركة “تي تي دبليو أو” للاستحواذ على شركة زينجا لألعاب الفيديو، التي تبلغ قيمتها 11 مليار دولار، أن السوق ستشهد صراعا شرسا وعمليات استحواذ ضخمة خلال الفترة المقبلة، ما يفتح الطريق لدخول لاعبين كبار مثل شركة أبل، التي على الرغم من أنها لا تصنع ألعاب فيديو شهيرة أو تنتج وحدات للتحكم مثل بلاي استشين وإكس بوكس، فإنها حققت العام الماضي أرباحا تشغيلية من الألعاب بلغت قيمتها 8.5 مليار دولار من خلال سوقها الرقمية.
بدوره، قال لـ”الاقتصادية”، الخبير الاقتصادي آر. دي دان، إن “المنافسة تبدو محتدمة بين مايكروسوفت وسوني، لكن سوق ألعاب الفيديو بمنزلة منجم ذهب حقيقي لعديد من الشركات ومن بينها شركة أبل فقد أنفق العملاء في العام المالي 2020 ما مجموعه 54 مليار دولار على ألعاب الأجهزة المحمولة من خلال “أبل ستور”، وكان 31 في المائة من هذه الأموال من الصين و26 في المائة من الولايات المتحدة، وبلغت حصة أبل من تلك المبيعات 13 مليار دولار أي 5 في المائة من إجمالي مبيعات الشركة والبالغة 275 مليار دولار”.
ويستدرك قائلا: “الأرباح في هذه السوق الجديدة خيالية، وهناك حرب باردة عنيفة بلا هوادة بين الكبار، وكما هو الحال في قطاعات أخرى من الاقتصاد الرقمي، فإنه لا أحد من الشركات العملاقة يمكنه المخاطرة بعدم المشاركة في تلك الحرب أو خسارتها”.
Follow Us: