غسان ريفي – سفير الشمال
لا تشبه الذكرى الـ 17 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري سابقاتها التي كانت تشهد حشودا جماهيرية، ورسائل سياسية، وشد عصب إنتخابي، ومصالحات بين مكونات 14 آذار، بل هي اليوم أشبه بمأتم حقيقي وكأن الشهيد الحريري سقط للتوّ، مع تأكيد الرئيس سعد الحريري الذي وفى بوعده وعاد الى بيروت المؤكد، قاطعا الشك باليقين حول تعليق العمل السياسي مع تياره الأزرق، وعدم الترشح للانتخابات ورفض ترشيح أي من النواب الراغبين بالترشح بإسم تيار المستقبل أو تحت شعارات نهج الرئيس رفيق الحريري أو الوفاء للرئيس سعد الحريري.
بدا الرئيس الحريري متمسكا الى أبعد الحدود بموقفه، الأمر الذي شكل صدمة لكل من كان يمني النفس في أن يتراجع عنه أو أن يخفف من القيود التي يفرضها، حيث عبّر عما يشبه اليأس الكامل من أوضاع البلد، ورأى أن لا جدوى من الترشح أو الوصول الى الندوة البرلمانية في ظل هذا الانهيار، تاركا لنفسه وقتا للتأمل وإنتظار تبدل الظروف محليا وإقليميا ليبني على الشيء مقتضاه.
اللافت، أن الرئيس الحريري تناغم مع الرئيس نجيب ميقاتي ومفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان والرئيس فؤاد السنيورة في عدم الدعوة الى مقاطعة الانتخابات، حيث ترك الخيار للمرشحين والناخبين الزرق في أن يتخذوا القرار الذي يرونه مناسبا شرط عدم إستخدام تيار المستقبل الذي يبدو بأن الحريري قرر إعطاءه إجازة مفتوحة لا أحد يعلم متى تنتهي.
بالتزامن، لم يف الابن البكر للرئيس الشهيد رفيق الحريري الشيخ بهاء الحريري بالوعد الذي قطعه على نفسه لجهة عودته الى بيروت، بل أعلن قبل أيام أنه لن يعود في الوقت الحالي بحجة التهديد الأمني وعدم وثوقه من إمكانية تأمين الحماية الكاملة له.
يروي كثيرون على علاقة ببهاء الحريري أنه مزاجي وهو لطالما إتخذ قرارات وتراجع عنها، ولطالما فتح باب المساعدات لبعض الأطراف ثم أوقفها من دون أي تبرير، ولطالما “أوصل الناس لمنتصف البئر وقطع الحبل بهم”.
لم يُقنع بهاء أحدا بالأسباب التي تحول دون عودته الى بيروت، خصوصا أن لبنان يشهد زيارات متتالية لرؤساء دول ومسؤولين عرب وأجانب إضافة الى تواجد كل قياداته الذين يمارسون الحكم ويتنقلون بشكل يومي بحمايات توفر لهم أمنهم الخاص، علما أن كلامه بأن “حياته ستكون مهددة في لبنان” فيه الكثير من الاساءة الى الأجهزة الأمنية والعسكرية التي لا تقصر في هذا المجال.
تشير بعض المصادر الى أن كلام بهاء الحريري عن تهديد أمني له فيه الكثير من المبالغة وعدم الواقعية، خصوصا أنه لم يشغل بعد أي منصب سياسي، بل هو ما يزال مجرد فكرة إنتخابية مطروحة بعد 17 سنة من الغياب، وبالتالي فإن إستهدافه أمنيا لا يبدل في المعادلات ضمن الواقع اللبناني، ولا يؤثر على مسار الحياة السياسية، ما يضع كلامه في خانة المراوغة الهادفة الى عدم عودته.
تقول مصادر مواكبة: أن أكثر من شركة إحصاء موثوقة أكدت أن بهاء الحريري لم يتمكن من بناء أرضية شعبية له، ولم ينجح في إقناع جمهور رفيق الحريري وكذلك مناصري تيار المستقبل الذين يستعدون لمواجهته بضراوة، كما لم يحصل على دعم عائلته الصغيرة التي تؤكد إلتزامها بسعد الحريري، وأيضا لم يحظ بالغطاء الديني، فلذلك قرر عدم العودة ومتابعة المشهد الانتخابي من بعيد، فهل يتخلى بهاء عن مشروعه أو يؤجله كما فعل أكثر من مرة؟، أم أنه سيتعاطى بالسياسة عن بعد أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟، أو قد يعتمد على ضخ المال لشراء الأصوات لمرشحيه متناسيا مقولة أن “بعيدا عن العين بعيدا عن القلب”؟