عماد مرمل – الجمهورية
مع انّ الانهيار المالي والاقتصادي حوّلَ كل الدولة ركاماً وأحال اغلب مواطنيها الى فقراء صار أقصى طموحهم عدم التقهقر الى تحت خط الفقر، الا انّ هناك من لا يزال يبحث بين الانقاض عن وسيلة او فرصة لاقتناص أرباح غير مشروعة، مُفترضاً ان مرحلة انعدام الوزن الحالية تسمح بفعل اي شيء من دون محاسبة، خصوصا ان هناك انطباعا سائدا بأنّ القضاء المعني بالمساءلة والمحاسبة عاجز او متقاعس، وبالتالي قليلاً ما يصل بالملفات الى نهايات سعيدة.
على رغم انّ «حزب الله» يعتبر ان سعيه الى مكافحة الفساد ورموزه اصطدم بتهاون بعض القضاة الذين لا يستكملون القضايا التي ترفع إليهم، غير انّ ذلك لم يمنعه من اللجوء إلى القضاء مرة أخرى في شبهة نهب أموال عامة، بعدما توافرت لديه عناصر وبراهين كافية للبناء عليها.
وضمن هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله المكلف من قبل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بمتابعة ملف مكافحة الفساد تقدّم قبل أيام بإخبار الى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم حول تجاوزات ترتكبها شركات الطيران في معرض تحصيلها رسم الخروج المترتّب على كل مسافر بالدولار وتسديدها حصة زهيدة جداً للدولة بالليرة، الأمر الذي يحرم الخزينة من مداخيل كبيرة تقدّر بـ8 ملايين دولار شهريا، اي ما يقارب 96 مليون دولار سنويا.
ماذا في تفاصيل هذه القضية؟
لمّا كانت المادة الثانية والستون من موازنة عام 2019 قد نصت على فرض رسم خروج على كل مسافر بطريق الجو او البحر، فإنّ فضل الله لفت في متن الإخبار الى ان شركات الطيران العاملة في لبنان تتقاضى رسم الخروج على تذاكر السفر بالدولار الأميركي (على اساس سعر 1500 ليرة) ثم تعيده الى خزينة الدولة بالعملة اللبنانية، مستفيدة بذلك من فرق اسعار صرف العملة الوطنية، موضحاً ان هذا الإجراء ادى الى إضاعة مئات ملايين الدولارات على الخزينة العامة.
ودعا فضل الله إلى التدقيق المالي في حسابات جميع شركات الطيران العاملة في لبنان ومحاسبتها في حال تبيّن اخلالها بالقوانين المرعية الاجراء، واستعادة الأموال المنهوبة.
وأرفق فضل الله الإخبار بجدول تفصيلي يبيّن قيمة الرسم المتوجب على كل مسافر، والمبلغ الذي كانت تتقاضاه الشركات بالدولار، والمبلغ المقتطع للدولة بالليرة اللبنانية مع معادلته بالدولار وفق سعر الصرف الفعلي (20 الف).
فضل الله
ويقول فضل الله لـ»الجمهورية» ان هذا الإخبار هو جزء من ملاحقتنا المستمرة لملفات الهدر والفساد، لافتا الى انّ المعبر الوحيد للبت في هذه الملفات يتمثل في القضاء لأنه هو الوحيد الذي يملك صلاحية التحقيق والمحاسبة. ويضيف: «بموازاة تتبّع ورصد هذه الملفات، نعمل أيضا عبر وضع اقتراحات القوانين على مكافحة الفساد والاحتكار، وكان واحدا من أهم الانجازات في هذا الإطار إقرار قانون المنافسة الذي تقدمت به كتلة الوفاء للمقاومة، وكذلك هناك اقتراح آخر تقدمنا به لتعديل صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان كي تتمكن من تأدية دورها في استعادة الأموال المنهوبة، وهذا الاقتراح ينتظر الإقرار عند الانتهاء من درسه في اللجان النيابية المختصة».
وعمّا اذا كان يمكن التعويل على القضاء المتهم بأنه بطيء ومسيّس في جزء كبير منه، يجيب: «من لديه طريق آخر غير القضاء لمحاسبة الفاسدين وسوقهم إلى السجن فليعلن عنه، فجميع من رفعوا شعار محاربة الفساد وخاضوا سجالات ووجهوا اتهامات لبعضهم البعض لم يتمكنوا من تقديم فاسد للمحاسبة ويقال لهم في النهاية مَن لديه دليل فليقدمه إلى القضاء، ونحن منذ البداية ذهبنا مباشرة إلى القضاء وأعلنّا أننا سنكافح الفساد عبر مؤسسات الدولة وفي مقدمها القضاء».
وكشف فضل الله أنه «عندما وجدنا انّ هناك تباطؤاً رفعنا شكوى الى التفتيش القضائي ضد كل قاض لا يزال لديه أي ملف عالق، وهذه المسألة ستكون قيد المتابعة الحثيثة من قبلنا». ويضيف: «نحن نعرف جيدا واقع القضاء المُثقل بمشكلات عدة، وهو يحتاج إلى عملية اصلاحية شاملة من خلال قانون استقلالية القضاء الذي تناقشه كتلة الوفاء بفعالية ومسؤولية في اللجان النيابية».
ويشدد فضل الله على ان «حزب الله» لم يكتف برفع ملفات موثقة إلى القضاء لمكافحة الفساد، بل اعتمد الى جانب ذلك خطوات أخرى، منها: العمل على التشريعات التي تقفل الأبواب في وجه الفساد والهدر، العمل الرقابي على الحكومة في الإنفاق، وضع ملفات الفساد في عهدة المجلس النيابي لممارسة دوره الرقابي على وزارة العدل حيث عرضنا الملفات والعقبات القضائية في لجنة الادارة والعدل النيابية وجرت حينها متابعة مع وزيرة العدل السابقة عبر اللجنة المذكورة، وكذلك الركون الى محكمة الرأي العام عبر مؤتمرات صحافية وإطلالات اعلامية شرحنا فيها ما نملكه من أرقام ووقائع قدّمنا جزءا منها الى وسائل إعلام متنوعة، وليس آخراً تسليم شكوى الى وزير العدل الحالي ورئيس التفتيش القضائي حول تقصير القضاة.
ويؤكد فضل الله انه لن يكلّ ولن يمل في معركة محاربة الفساد على رغم العقبات التي تعترضنا أحيانا.
المدعي المالي
وبعد وصول إخبار فضل الله حول شركات الطيران الى المدعي العام المالي، يقول القاضي علي إبراهيم لـ»الجمهورية» انه باشر التحقيق فورا، موضحاً انه حدّد جلسة الثلاثاء المقبل للاستماع الى احد مسؤولي المطار، تمهيدا للاستماع لاحقاً الى ممثلي شركات الطيران.
ويشير ابراهيم الى انّ الوقائع التي يتضمنها ملف الإخبار واضحة، مؤكداً ان التحقيق سيأخذ مجراه حتى كشف كل الحقائق والمتورطين، ومعرفة وفق أي معايير يُقبَض رسم الخروج واين يذهب الفارق في سعر الصرف.