عزة الحاج حسن – المدن
إذا كان من أمل بفكفكة قواعد الفساد في لبنان، ومحاسبة كل من خطط وتعاون وسهّل وساهم بالانهيار النقدي والمالي الحاصل اليوم، فهو بالمحاكم والقضاء الأجنبي. ليس لتفوقه بالشفافية والمحاسبة على القضاء اللبناني وحسب، بل أيضاً لتوسع نطاق الفساد لدى المنظومة السياسية والمصرفية وتورطها بعمليات خارج الأراضي اللبنانية، لاسيما في سويسرا، حيث تعدّدت الدعاوى والشكاوى على شخصيات ومؤسسات لبنانية تتقاطع جميعها عند اسم رياض سلامة حاكم مصرف لبنان.
بعد دعاوى أمام القضاء السويسري ورسائل لمنظمات دولية، نشهد على شكوى تقدمت بها المؤسسة السويسرية “المحاسبة الآن” Accountable Now (منصة عالمية تهدف إلى تعزيز المساءلة والشفافية) بالتعاون مع رابطة المودعين في لبنان وبالتحالف مع مجموعات، “بيروت مدينتي”، “لحقي”، “تقدم”، “لنا” و”الشعب يقاوم الفساد”، إلى هيئة الرقابة السويسرية على الأسواق المالية FINMA، للمطالبة بإجراء تحقيق معمق مع كل من بنك عودة-سويسرا، وبنك البحر المتوسط-سويسرا، وجولياس باير، فما هي التهم؟ وهل من احتمالات لكسر حلقة الفساد اللبنانية القائمة على تعاون وتحالف بين السلطتين السياسية والمصرفية؟
شكوى ضد مصارف في سويسرا
الشكوى تمحورت حول ممارسات بنك عودة-سويسرا، وبنك البحر المتوسط-سويسرا، وجولياس باير، فهذه البنوك الثلاثة قد تكون انتهكت موجباتها المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال لدى قيامها بمساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمقربين منه، عبر استقبال الأموال التي يبدو أنه حصل عليها بشكل غير مشروع ومن أعمال الفساد.
تستند الشكوى على احتمال أن تكون تلك البنوك قد تخطت الخطوط الحمراء الموضوعة من قبل مجموعة العمل المالي المختصة بمكافحة تبييض الأموال، وعلى محاولات حاكم البنك المركزي لإخفاء هويته، واستخدام شركات لإخفاء ملكية المستفيدين، واستخدام الوسطاء مقابل الممارسات التجارية العادية، وتحويل الأموال بين الحسابات أو المؤسسات المالية من دون أي مبرر تجاري، وتراكم عدد كبير من شركات الأوف شور والهياكل غير الشفافة.
بنك عودة
وقد أظهرت التحقيقات السويسرية أنه تم تحويل أكثر من 500 مليون دولار لصالح سلامة والمقربين منه عبر البنوك السويسرية. إضافة الى كل ذلك، يظهر أن كل من بنك عودة السويسري وجولياس باير استحوذ على أسهم مملوكة من سلامة في شركة خاصة، مقابل عدة ملايين من الدولارات دفعت لحاكم البنك المركزي حصرياً. ولا يبدو أن كلا البنكين قد صرحا بشكل صحيح في ميزانياتهما عن قيمة “استثماراتهما”. الأمر الذي يثير تساؤلات حول مبرر هذه المدفوعات.
بنك جولياس باير
وبناءً على التحقيقات التي أجراها المدعي العام السويسري تبين أن جولياس باير قد قام أيضاً بتحويل أكثر من 153 مليون دولار بموجب سندات خزينة تحت توقيع سلامة وحده، في انتهاك لجميع القوانين والأنظمة، الأمر الذي وصفه المدعي العام السويسري بأنه “معاملة تم تنظيمها بطريقة لا تسمح بمراجعتها أو محاسبتها”. وبأمر من سلامة ، تم تحويل مبلغ 153 مليون دولار في نهاية المطاف إلى بنك عودة سويسرا، على حساب مصرفي في لبنان، ولا يزال مصير هذه الصفقة مجهولاً، تحت غطاء السرية المصرفية.
بنك ميد
وقد لعب بنك ميد-سويسرا دوراً فيما يظهر أنه تبييض أموال ناتج عن فساد، وقد تمت الإشارة أيضاً إلى هذا المصرف مؤخراً في وثائق قضية “الكونغو Hold Up Leaks”، في أعقاب التحقيقات التي أجراها المدعي العام السويسري والتي أظهرت أنه تم إعادة تحويل حوالى 207 ملايين إلى “النفقات الشخصية “لشقيق سلامة جزئياً إلى حساب في بنك ميد.
كما وأن بنك البحر المتوسط (سويسرا) قد لعب دوراً نشطًا في حماية أموال عائدة لسياسيين لبنانيين عن طريق “الإيداع الائتماني”، بموجب هويات مستترة، من دون أخذ أية إجراءات لما يعرف بالعناية الواجبة لناحية المستفيدين.
Accountable Now: توسع بالتحقيق
وإذ دعت جميع تلك المجموعات، FINMA للتحقيق في الدور الذي تلعبه البنوك السويسرية، لا سيما بنك عودة سويسرا، جوليوس باير، وبنك ميد سويسرا، الذين يعتقد بأنهم تلقوا أموالاً متأتية عن ممارسات الفساد لسياسيين ومصرفيين لبنانيين، كما وساعدوهم في عملية تبييض الأموال هذه، في خرق واضح لموجباتهم في مكافحة تبييض الأموال، تذكّر المتحدثة باسم المؤسسة السويسرية “المحاسبة الآن” Accountable Now زينة واكيم في حديث إلى “المدن” أن مكتب المدعي العام السويسري طالب قبل أيام قليلة، بضرورة فرض أقصى غرامة مالية نص عليها قانون الأموال الخاص بعمليات غسل الأموال، ودعم جماعات أو منظمات إجرامية، بحق مصرف “كريدي سويس”، كما وسبق في شهر كانون الأول الماضي، أن أدين “بنك فالكون” الخاص -كيان سويسري لمجموعة مالية تسيطر عليها أبو ظبي- بارتكاب جرائم تبييض الأموال. في إشارة من واكيم إلى جدوى اللجوء للقضاء السويسري.
وتؤكد واكيم أن أعمال الفساد وتبييض الأموال المحتملة الخاصة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة تخضع بالفعل للتحقيق من قبل العديد من المدعين الأوروبيين، ومن المحتمل أن يتم توسيع التحقيقات قريباً لتشمل الشبكة المحيطة به التي ساعدته في ذلك.
رابطة المودعين: لن نستسلم
الشكوى الواردة والمقدمة أمام هيئة الرقابة السويسرية لم تكن وليدة اليوم، إنما أتت نتيجة العمل على قضية العصر، وهي سرقة أموال اللبنانيين منذ سنوات. ولأن السعي لكشف الحقيقة واسترداد الحقوق عبر القضاء اللبناني أمر بالغ الصعوبة والتعقيد، وليس مضمون النتائج، لجأت رابطة المودعين وسواها إلى القضاء الأجنبي. ويوضح أحد محامي رابطة المودعين فؤاد الدبس في حديث إلى “المدن”، أن اللجوء إلى القضاء الأجنبي جاء بسبب تعثر الوصول إلى الحقيقة عبر القضاء اللبناني لأسباب عديدة “لذلك تابعنا الأمر أمام القضاء الخارجي بموازاة استمرارنا بالسعي محلياً للوصول إلى فضح وملاحقة ومحاسبة الضالعين بجريمة العصر في لبنان من جهة، وتحصيل حقوق المودعين من جهة أخرى. إذ من غير المقبول أن تُسرق المليارات من جيوب ملايين اللبنانيين من دون محاسبة أي مرتكب” على ما يقول الدبس.
وإذا كان هناك بعض القضاة في لبنان ممن يقومون بواجباتهم تجاه هذه القضية، فإن غالبية الجهات والأجهزة الرقابية غائبة كلياً عن السمع، لاسيما لجنة الرقابة على المصارف ومجلس النواب، يقول الدبس. في المقابل، فإن آلية التحقيقات خارج لبنان لن تكون سهلة أو سريعة ومنها من يستمر سنوات عديدة، ويستلزم تكاليف كبيرة. لكن هل سنصل عبر القضاء الأجنبي إلى العدالة؟ مهما كانت الاجابة سيبقى الحال أفضل من استسلامنا، لن نهدأ عن ملاحقتهم بل سنسعى إلى تحقيق العدالة مهما بلغ ثمنها، سنسعى إلى فضح ومحاسبة كل من أدار البلد كما لو أنه شركة خاصة يملكها.