الإثنين, نوفمبر 25
Banner

لروسيا حدود برية وبحرية مع لبنان

جوني منيّر – الجمهورية

ليس من المبالغة الاعتقاد بأنّ الحرب التي تشنّها روسيا على اوكرانيا تشكل نهاية حقبة نشأت إثر احداث 11 ايلول 2001، لا سيما بعد التطورات الهائلة التي اصابت المسرح العالمي إثر انهيار الاتحاد السوفياتي وزواله في نهاية العام 1991.

ومع وصول فلاديمير بوتين الى السلطة في العام 1999 كانت هيبة الدولة الروسية في الحضيض، وحضورها لم يعد موجوداً على المستوى العالمي. وشاع لبوتين قوله إنّ أعظمَ كارثة على الاطلاق حلّت في القرن العشرين هي انهيار الاتحاد السوفياتي. صحيح انّ السبب المباشر لإعلان روسيا الحرب على اوكرانيا يتعلق بسعيها للانضمام الى حلف الناتو، لكن الخلفية تطال المسار التاريخي السالف الذكر.

وجاء العام 2008 ليحمل نقطة التحول في العلاقات الاميركية – الروسية، ذلك انّ بوتين اعتبر «ثورة الورود» التي اندلعت في جورجيا بمثابة التحدي للنفوذ الروسي في القوقاز، ما أنتج احتلال روسيا لأستونيا الجنوبية وابخازيا.

ومنذ ذلك التاريخ، لطالما توقع الخبراء عودة الحرب الباردة بين روسيا والغرب في لحظة لا بد آتية.

مع بدء تآكل وحدة الاتحاد السوفياتي قيل ان الرئيس الاميركي يومها رونالد ريغان وعد آخر رئيس سوفياتي ميخائيل غورباتشوف بألا يتقدم حلف الناتو شرقاً باتجاه روسيا في حال اعلان زوال الاتحاد السوفياتي.

وتمسّكت موسكو دائماً بهذا الالتزام الاميركي في مقابل إنكار واشنطن له، خصوصا أن لا اساس خطياً له. ومنذ ازمة جورجيا عام 2008 والرئيس الروسي يرفع شكواه من محاولات اميركية مستمرة لتطويق بلاده. لذلك حصلت اتفاقية مينسك في العام 2014 لكن موسكو اشتكت من عدم الالتزام بها.

الواضح ان سعي اوكرانيا للانضمام الى حلف الناتو كان خطأ كبيراً، فبالتأكيد لن يحتمل «الدب» الروسي هذا النوع من «التحرش».

صحيح انّ اغراءات عدة قد تكون تلقتها اوكرانيا لضمها الى حلف الناتو، لكن هذا شيء والدخول في مواجهة اميركية – روسية شيء آخر.

وفي السابق ارتضت اوكرانيا التخلي عن مخزونها النووي لقاء معاهدة حماية لها لم تترجم على ارض الواقع. وبهذا المعنى فإن الغرب تخلى عن اوكرانيا ولم يؤمن لها الحماية الفعالية والمباشرة رغم دَفعه لها باتجاه حلف الناتو. وفي المقلب الآخر لم تمضِ الحملة العسكرية الروسية كما اشتهت موسكو. فالاوكرانيون يواجهون ببسالة خلف رئيس شجاع الآلة العسكرية الروسية الضخمة بشجاعة زيلنسكي تليق بقادة الاوطان، ولكن من الصعب الاعتقاد أن موسكو ستقبل بأقل من استسلام كييف بالكامل.

عاملان سلبيان تحاول موسكو تحاشيهما: الاول عدم الانزلاق في حرب الشوارع داخل المدن والاحياء وخصوصا في العاصمة كييف لتجنّب الكلفة المرتفعة للجنود. والثاني عدم ذهاب العقوبات الغربية بعيداً خصوصا في موضوع «السويفت» وموضوع رجال الاعمال والمتمولين الروس الكبار الموجودين خارج روسيا والذين يشكلون الطبقة اللصيقة بالرئيس الروسي، وبالتالي سيصبح هؤلاء عامل ضغط على بوتين خشية خسارة ثرواتهم.

اما موضوع العقوبات على المصارف فإنّ موسكو قد تكون تأمل بعدم وقف العمل «بالسويفت» بالكامل ما سيمنع تسديد ثمن الغاز الروسي الى اوروبا وبالتالي سيوقفه بالكامل، ما يعني أنّ العقوبات لا بد ان تستثني بعض المصارف، لإبقاء الحد الادنى من التواصل المالي.

المهم ان مأساة اوكرانيا لن يوقفها بوتين الا بعد السيطرة على كييف. وتعتقد اوساط مطلعة ان القيادة الروسية خطّطت خلال السنوات الماضية وربما منذ العام 2014 للمواجهة العسكرية الحاصلة الآن، فيومها وضعت موسكو اوكرانيا في خانة الدول المعادية.

ولا بد ان تكون موسكو قد نسجت علاقات مع كبار القادة العسكريين وهو ما يعطي الجواب حول دعوتها القيادة العسكرية لاستلام السلطة. لكن السؤال الاهم هو حول مستقبل اوروبا، والمعادلة السياسية التي سترسمها المعادلة العسكرية. أضف الى ذلك المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتأتية عن اجتياح اوكرانيا.

فعلى سبيل المثال، إن تقديرات وكالة المخابرات المركزية الاميركية تشير الى احتمال تدفق ما بين مليون الى خمسة ملايين نازح اوكراني الى اوروبا. المهم التسوية التي ستَلي وقف العمليات العسكرية والتي لا بد ان تشمل قيادة سياسية جديدة مع سياسة حياد، والاتفاق على مصير الولايتين اللتين استقلتا وفق ما نصت عليه اتفاقية مينسك، ومدى الاعتراف بهما عالمياً او انهما ستبقيان كما حال قبرص التركية.

لكن الاهم بالنسبة للبنانيين، هي ارتدادات ونتائج التطورات العسكرية الدائرة في اوكرانيا على الشرق الاوسط. ذلك انّ الجيش الروسي موجود في سوريا وبشكل فاعل وهو ما يؤثر على لبنان ولو بشكل غير مباشر. كما ان روسيا باتت تمسك بالشاطئ السوري، وبالتالي بات تأثيرها موجودا على خط الغاز الجاري البحث فيه. أضف الى ذلك العلاقات الروسية – الاسرائيلية الذهبية خلال المرحلة الماضية والتي يبدو انها لن تتأثر كثيرا مستقبلا رغم العتب الروسي على موقف اسرائيل من ازمة اوكرانيا. فإسرائيل التي اعتبرت نفسها دولة صغيرة لا قدرة لها على الاصطفاف خلف اي فريق رغم وجود مصالح مباشرة لها في البلدين، اصدرت موقفاً رسمياً كان أشبه بالعموميات رغم علاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة الاميركية. فلقد اعربت عن دعمها لوحدة اراضي اوكرانيا، ولكنها امتنعت عن ادانة بوتين أو حتى تسمية روسيا بالاسم.

اما لبنان فاتخذ منحىً آخر رغم اوضاعه الصعبة كان الاجدر به تضمين موقفه بعبارات عامة ودعوة لحقن الدماء لا الانزلاق في متاهات لا قدرة له عليها. صحيح ان السفير الروسي في لبنان اعلن أمس انّ علاقة بلاده بلبنان لن تتأثر بسبب بيان وزارة الخارجية، إلا أن القنوات الديبلوماسية تتحدث عن استياء روسي قد تظهر مفاعيله في وقت لاحق. واذا كانت العبارات التي اوردها السفير الروسي في لبنان غلب عليها الطابع والصياغة الديبلوماسية، الا ان وزارة الخارجية الروسية لم تقتنع بالتبريرات اللبنانية التي اعقبت صدور بيان وزارة الخارجية. فالتقرير الذي تلقّته موسكو من سفيرها من بيروت جاء مغايراً لما اورده وزير الخارجية عبدالله بو حبيب عن لقائه به. واورد السفير الروسي في برقيته الرسمية أن الوزير بو حبيب أبلغه بأنه سيذيع بياناً شديد اللهجة «لأن هنالك ضغوطا علينا». وعندما حاول السفير الروسي الاستيضاح عن مصدر هذه الضغوط، جاءه جواب مبهم من بو حبيب حين قال: من الجهات المعروفة.

رغم ذلك طلبت موسكو من سفيرها في بيروت اصدار موقفها، والذي يتضمن موقفاً يتجاوز ما حصل لكن هل فعلاً جرى طَي الصفحة؟

حيال البيان نعم، لكن موسكو ستعمل على تسديد الفاتورة يوماً ما، وقد لا يكون بعيدا جدا. فبعيداً عن التبريرات التي تلت، فإنّ للعاصمة الروسية قراءتها الخاصة. هي تعرف ان تشكيل الحكومة اللبنانية حصل على قاعدة تقاسم حصص حزبية وسياسية، وهي تدرك الكثير من خبايا تأليف الحكومة من خلال سعي بعض الاطراف لنيل مساعدتها ودعمها خلال مرحلة التشكيل.

ولذلك فهي تعرف ان تسمية وزير الخارجية جاءت من مكان معروف، وان بيانا بهذه الاهمية لا يمكن صياغته ببساطة لا بل انه لا بد ان يكون قد نال موافقة مسبقة وكاملة. ولهذا معناه السياسي وحساباته على كل المستويات. وتعرف القنوات الديبلوماسية الروسية جيدا بأنّ الرئيس نبيه بري و»حزب الله» ووليد جنبلاط وقفوا قولاً وفعلاً ضد البيان، الا ان هذه المصادر لا تضع رئيس الحكومة ولا رئيس الجمهورية ومعه رئيس التيار الوطني الحر في هذه الخانة.

وتذهب هذه الاوساط الى درجة أبعد حين تقول ان خطة بهذا الحجم، اذا صَح انها حصلت على مستوى موظفين، كانت تقتضي اتخاذ اجراءات علنية وحاسمة وهذا ما لم يحصل ليؤكد ان ما حصل كان يحظى بغطاء كامل ولأسباب معروفة.

ربما كانت الحكمة تقضي بعدم الدخول في مناكفات قاسية وعلى هذا المستوى لتجنيب لبنان فواتير سياسية لاحقة، خصوصاً ان روسيا اصبحت جارة لبنان منذ سنوات عدة وهي على الارجح ستبقى كذلك لعقود عدة، وهو ما يعني ان للبنان حدوداً برية وبحرية مشتركة مع روسيا ما يستوجِب اخذها بعين الاعتبار. ليس على قاعدة التبعية لها، ولكن ايضا ليس على قاعدة استفزازها مجاناً او لحسابات ضيقة.

Leave A Reply