وليد حسين-المدن:
لا توصي منظمة الصحة العالمية في لبنان بالإقفال العام، كمبدأ عام، بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تطال الجميع. وترى أن لا حلول لمواجهة انتشار وباء كورونا أفضل من التزام المواطنين بالإرشادات، وارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي. ولبنان سيكون مثل غيره من الدول التي ستحصل على لقاح كورونا، بعدما تعتمد المنظمة أحد اللقاحات التي بات يعلن عنها تباعاً. وهذا ما شددت عليه ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان إيمان الشنقيطي لـ”المدن”.
كيف تقيّم منظمتكم الوضع الحالي في لبنان؟
“نعتقد أن الوضع في لبنان ليس سهلاً مثل باقي الدول. فعدد الإصابات يرتفع، وهناك انتقال مجتمعي للوباء. والحكومة اللبنانية قررت الإقفال العام. لكن، كما يبدو لنا، ليس هناك التزام كبير به. علماً أننا كمنظمة لا ندعو لإقفال البلد ووقف كل النشاطات الاقتصادية، وإنما ندعو إلى اتباع الإجراءات الوقائية. فالحل الجذري لمواجهة الوباء هو ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين بشكل مستمر. وهذا من شأنه وقف انتقال العدوى من شخص إلى آخر”.
ألا تخشون من انتقال عكسي للوباء من المدن إلى الأرياف في ظل الإقفال العام، وانتقال السكان من المدن إلى قراهم؟
“بالتأكيد نخشى من هذا الأمر، في حال لم يلتزم المواطنون في قراهم بالإرشادات الصحية، خصوصاً أننا نشهد انتقال مجتمعي للعدوى على نطاق واسع. بالتالي، عند انتقال المواطنين عليهم التزام بيوتهم وعدم التعامل مع الموضوع كفترة استجمام في القرى، وتنظيم المناسبات الاجتماعية والقيام بزيارات للأهل والأقراب”.
ماذا لو فشل الإقفال العام في تحقيق الهدف المنشود. هل من إجراءات أو توصيات أو خطوات أخرى؟
“وزير الصحة طلب إقفالاً عاماً لستة أسابيع. فالدول التي تقفل أسبوعاً أو أقل، لم تنجح في الحد من ارتفاع عدد الإصابات. لكن تم التوافق على إقفال لمدة أسبوعين. ولنفترض أن جميع المواطنين التزموا ببيوتهم وخففنا من عدد الإصابات. هذا لا يكفي، لأن الإقفال مهما كانت مدته يجب أن يترافق مع خطة لإعادة فتح البلد. فعودة الحياة إلى طبيعتها وعدم التزام الإرشادات الصحية والتباعد الاجتماعي، بعد الإقفال، تعني الفشل والعودة إلى المشكلة ذاتها. وهنا أشدد على أنه لا يوجد أي طريقة في العالم لمواجهة كورونا، غير الوعي المجتمعي. يجب أن يعي الجميع أن كورونا حقيقة وليس كذبة وانتشاره سريع. وفي لبنان الوباء منتشر مجتمعياً. لذا الالتزام بالإرشادات الصحية والوقائية هو الحل الوحيد لغاية اكتشاف لقاح ودواء فعال له”.
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية وانهيار مالي انعكسا على طريقة عيش اللبنانيين وانفاقهم حتى على التغذية، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر، ما قد يؤثر على صحتهم ليس في مواجهة كورونا فحسب، بل لجميع الأمراض. هل تنبهت منظمتكم لهذه المشكلة وما هي الإجراءات التي ستتخذ؟
“بتعاوننا مع وزارة الصحة، نراقب منذ مدة المعطيات الصحية في لبنان. لاحظنا أن المواطنين ما عادوا يلتزمون حتى بمواعيد تلقيح الأطفال. ويبدو أن الوضع الاقتصادي دفع بالأمهات إلى عدم زيارة العيادات الطبية إلا في حال مرض الطفل. وترافق هذا مع انخفاض معدل زيارة العيادة الطبية. لذا نتخوف من هذه الأمور، لأننا ننتقل من مواجهة كورونا إلى مواجهة أوبئة أخرى. مثلاً، نقوم حالياً بحملة تلقيح للحصبة، لكن الأمهات لا يأتون لتلقيح أولادهم، وهذا يؤدي إلى تقدم مرض الحصبة بين الأطفال”.
وأضافت: “مما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي يؤثر على معدلات التغذية. فلم يعد باستطاعة الأسر الحصول على أنواع أغذية تعتبر أساسية. وهذا يخفض المناعة عند الأطفال والكبار في السن، فيصبحون عاجزين عن مقاومة الأمراض بشكل عام. ويترافق هذا مع مشكلة انقطاع الأدوية وعدم قدرة الأسر على شراء غذائها المناسب. وهذا ينعكس على صحة اللبنانيين. لذا وفي ما يتعلق بمنظمتنا نعمل على رفع مستوى وجود الأدوية في البلد، ونركز على الأدوية الأساسية التي تنقذ حياة المرضى. ونعمل على توفيرها للأشخاص الأكثر حاجة. كما نعمل على تجهيز المستشفيات بأسرة عادية وللعناية الفائقة والمستلزمات الطبية، لمواجهة المشاكل الصحية التي تطرأ”.
تقولون إن لبنان سيحصل على اللقاح مثل باقي الدول. كيف سيتحقق هذا الأمر؟ وهل من موعد معين للحصول على اللقاح؟
“منظمة الصحة العالمية وبالتعاون مع “التحالف الدولي للقاحات” أسسا تحالفاً عالمياً تحت اسم كوفاكس، لجمع كل الأبحاث التي تحصل حول اللقاحات. وعندما تنتج أي شركة لقاحاً فعالاً يعتمده “التحالف”، سيتم توزيعه على الدول المشاركة بشكل عادل. ولبنان من الدول الموقعة على هذا “التحالف”، وسيحصل على لقاحات تغطي 20 في المئة من السكان، أسوة بباقي الدول. والحكومة اللبنانية سددت ثمن الدفعة الأولى من ثمن اللقاح، وتعمل على تأمين الدفعة الثانية”.
وأوضحت: “لقد أنشأت المنظمة هذا “التحالف” لسد التفاوت بين الدول الغنية والفقيرة، منعاً لوصول اللقاح إلى الدول المقتدرة، ولديها قدرات شرائية مرتفعة، ما يؤدى إلى احتكار للقاح ويحرم منه الدول الفقيرة. لذا يقوم “التحالف” على مبدأ العدالة والمساوة في الحصول على اللقاح”.
وبخصوص وصول اللقاح إلى لبنان قالت: “هناك أخبار سارة عن اللقاحات التي دخلت في المرحلة الثالثة من الاختبارات، وبدأت تظهر نتائج جيدة ومشجعة. ونتوقع أن يصل اللقاح إلى لبنان في غضون شهر شباط أو آذار. لكن سيصار إلى وضع أولويات لحصول اللبنانيين عليه. فاللقاح سيغطي 20 في المئة من السكان، وسيكون على رأس القائمة العاملين في القطاع الصحي، ويليهم الكبار في السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة”.
وشددت الشنقيطي على أن “تلقي هذه النسبة من السكان اللقاح لا يكفي لمواجهة الوباء، بل سيحد من نسبة الوفيات، خصوصاً أن هذه الفئات هي الأكثر عرضة للوفاة بكورونا. وهذه المعطيات تظهر جلياً في نشراتنا الدورية، ولاحظنا أن الفئة العمرية ما فوق الستين تشكل نحو 40 في المئة من نسب الوفيات”.
بخصوص المستشفيات، كيف تساعد منظمتكم لبنان؟
“منظمة الصحة العالمية تتعاون مع منظمات الأمم المتحدة لسدّ الثغرات وتأمين الملابس الواقية، ومستلزمات طبية وكميات من فحوص كورونا. لكننا بدأنا بتمويل مشروع توظيف موقت للممرضين والممرضات في المستشفيات الحكومية، لتزويدها بكادر طبي مؤهل لعلاج مرضى كورونا. ونحاول استهداف فئة الممرضين والممرضات الذين صرفوا من عملهم في المستشفيات الخاصة في الفترة السابقة. بالتالي، نعمل على إعادتهم إلى الخدمة في المستشفيات الحكومية التي تقدم الخدمات الصحية لمرضي كورونا، وتأمين مدخول شهري لهم كي نقيهم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تدفع ببعضهم إلى الهجرة. وإضافة إلى هذا المشروع نعمل على مشروع توأمة بين المستشفيات الجامعية الخاصة والمستشفيات الحكومية. ويقوم المشروع على تقديم الكادر الطبي من المستشفيات الخاصة خدمات في المستشفيات الحكومية، تشمل تقديم خدمات تتعلق بالمشورة ومراقبة الجودة وغيرها، وذلك بغية رفع مستوى العناية الصحية في المستشفيات العامة. فمشكلة لبنان التاريخية أن 80 في المئة من الخدمات الصحية تقدم في المستشفيات الخاصة و20 في المئة في المستشفيات الحكومية. لذا نعمل على تعزيز قدرة المستشفيات العامة لتستجيب للمتطلبات الصحية الحالية، وإشراك القطاع الخاص أكثر لأنه يمتلك إمكانات كبيرة لمواجهة الوباء. وحالياً، بات حوالى 40 في المئة من المرضى يتعالجون في المستشفيات الخاصة، بعدما كانت نسبتهم في السابق 30 في المئة”.
وتوضح الشنقيطي: “بكل الأحوال، عملنا مكمل لعمل وزارة الصحة، ولا نحل مكانهم. نقدم المساعدات حسب قدراتنا. نستطلع الثغرات الموجود في محاولة لسدها عندما تتسنى لنا الفرصة”.