خضر حسان – المدن
كان من الطبيعي تصدُّر القمح لقائمة التساؤلات المرتبطة بما ستحمله الحرب في أوكرانيا على لبنان. فنحن نستورد نحو 80 بالمئة من حاجتنا للقمح من أوكرانيا، والباقي من روسيا ورومانيا ودول أخرى (راجع “المدن”). ومع تراجع احتمالات توريد القمح بسهولة من الدولتين السلافيّتين، تزداد مؤشرات ارتفاع أسعار الخبز واحتمال تقنين إنتاجه (راجع “المدن”).
مصادر أخرى
تُقلِّل وزارة الاقتصاد من تداعيات تغيير مصادر استيراد القمح. فهي “بصدد إيجاد مصادر أخرى للقمح مثل الهند”، وفق ما أكّده مدير مكتب الحبوب والشمندر السكري جريس برباري، الذي لفت النظر في حديث تلفزيوني، إلى أن المكتب “سينهي اليوم تحضير دفتر الشروط الذي يتضمن مواصفات القمح المناسب لإعداد الخبز العربي”.
بقرار بسيط يجري استبدال مصادر القمح، وكأنّ المسألة متعلّقة برفاهية اختيار الدولة التي نرغب في التعامل معها، من دون إقامة اعتبار للنوعية والكلفة والوقت. علماً برباري يسلّم بأن كلفة نقل القمح من أوكرانيا ورومانيا وروسيا، أقل. ما يعني أن نقل القمح من دول أخرى إلى لبنان، كلفته أعلى. فيما الدول المرشّحة هي الهند وكندا والولايات المتحدة والأرجنتين.. وهي دول بعيدة ستضاف كلفة نقل القمح منها، إلى فاتورة الاستيراد.
التمويل مؤمَّن
تغيير وجهة الاستيراد “يحتاج إلى أيام معدودة”، حسب برباري. ريثما يتم “وضع دفاتر الشروط، طرح المناقصة، وتبليغ مصرف لبنان”.
المصرف المركزي سيؤمّن دولارات الاستيراد. فالقمح ما زال مدعوماً. لكن استمرار الدعم مع تغيير كلفة الاستيراد، يعني صرف دولارات إضافية. وهذا أمر لا يؤسَف عليه طالما أن نتيجته النهائية هي عدم زيادة سعر ربطة الخبز على المواطنين. لكنه في الحسابات المالية، هو إنفاق إضافي يُسَجَّل على كل اللبنانيين الذين يدفعون ثمن تبديد الدولارات منذ اللحظة الأولى لبدء الدعم العشوائي.
ورغم وجود الدولارات لدى المركزي، إلاّ انه يقنّن في الإفراج عنها. وهي عقبة يواجهها المستوردون، وتنعكس على الأفران والمستهلكين. فالمركزي “يتأخّر في فتح الاعتمادات لمستوردي القمح منذ ما قبل الأزمة في أوكرانيا”، على حد تعبير نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم، الذي يشكّك خلال حديث لـ”المدن”، في إمكانية تسريع عملية إعداد الخطوات المطلوبة لتغيير وجهة استيراد القمح. فالأهم بالنسبة إليه هو “تسريع العملية. وهذا مرتبط بحاكم مصرف لبنان”.
حلُّ الأزمة لا ينقضي بوجود الدولارات لدى المركزي، بل بتحريكها لاستيراد القمح. علماً أن وتيرة الاستيراد بطيئة، نظراً لعدم وجود إهراءات لتخزين الكميات الكبيرة في حال استيرادها. فالمطاحن تتولى حالياً تخزين ما يمكنها استيعابه، وهي كميات تكفي السوق لمدة شهر. ولبنان يحتاج لنحو 50 ألف طن من القمح شهرياً، فيما استيراد كميات إضافية من دول أبعد، كالهند والأرجنتين، يُهدد استمرار إنتاج الخبز بالوتيرة والكميات الكافية لحين وصول الشحنات الجديدة وطحنها وتوزيعها على الأفران وإنتاج الخبز وإيصاله للمستهلكين. والإلتزام بالدورة المطلوبة لإنتاج الخبز، يستوجب استعجال إعطاء الموافقات المسبقة على الاستيراد وتأمين الأموال.
بالتوازي، فإن ارتفاع أسعار القمح عالمياً يزيد الطين بلّة. وهو ما تخوّف منه برباري في حديث سابق مع “المدن”، إذ أشار إلى أنه “لا خوف من نقص في مخزون القمح اللبناني. إنما الخوف من ارتفاع الأسعار العالمية وتأثيرها على لبنان الذي يعاني أزمة مالية ومعيشية”. ما يعني أن المركزي عليه لحظ زيادة كلفة النقل من جهة وحركة ارتفاع الأسعار عالمياً من جهة أخرى، وقدرته على استمرار توفير الدولارات المتبقية لديه من جهة ثالثة. وحينها، هل يسهل القول بأن دولارات استيراد القمح مؤمّنة من دون خوف؟
أكلاف الإنتاج
لا يدخل سعر القمح وحده ضمن أكلاف إنتاج الخبز. فالمازوت ركن أساسي في تحديد السعر النهائي لربطة الخبز. والمازوت يُسَعَّر بالدولار من دون دعم. وأسعاره عالمياً في ارتفاع مستمر على وقع اشتداد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. فسعر برميل النفط وصل إلى نحو 105 دولارات، والمطاحن والأفران لن تسكت عن هذا الارتفاع الذي يزيد كلفة الإنتاج والنقل عليها. وأصحابها لا يتركون مجالاً إلاّ وينفذون منه لزيادة الأسعار وتوتير السوق وتهديد لقمة عيش اللبنانيين، وابتزازهم وابتزاز الدولة بمعادلة إما رفع الأسعار أو انقطاع الخبز. والدولة دائماً ما ترضخ وتوافق وزارة الاقتصاد على زيادة الأسعار.
تراهن وزارة الاقتصاد على تسهيل حاكم المركزي دفع الدولار للاستيراد، وتفترض سهولة القفز فوق الوقت والمسافات. والأهم، أنها لا تلتفت لموقف الأفران والمطاحن. ويحصل كل ذلك في ظل افتقار الدولة لأماكن تخزين القمح، ما يعني توَقُّع المفاجآت كل شهر.
على أن إزالة كل العقبات، لا تمحو واقع أن ارتفاع كلفة النقل والإنتاج والأسعار العالمية، تستوجب حكماً رفع سعر ربطة الخبز. أما عدم ارتفاعها بفعل دعم مصرف لبنان، فلا يعدو كونه تجميل للأزمة التي ستنكشف فيما لو قرّر المركزي تقليص الدعم أو وقفه، أو قررت المطاحن والأفران فرض شروطهما في الأوقات الحرجة.