تُقفل الترشيحات إلى الانتخابات النيابية اليوم، وتبدأ مهلة تقديم اللوائح، لكن هل تفتح نتائج هذه الانتخابات أبواب الأمل في الخروج من الجحيم، أم تقفل علينا أبوابه لنحترق بنيرانه؟
إذا قرأتَ شعارات المرشحين، من أحزاب وتيارات و«تغييريين»، يخيّل إليك انّ الطريق الى الجنّة مفتوح بجرافاتهم ومعبّد بسجاداتهم الحمر، بعدما غسل الجناة أيديهم من دماء هذا الشعب المسحوق.
كل الأحزاب التي شاركت في السلطة في السنوات العشر الأخيرة شاركت في موازنات الهدر والمحاصصة، وإغراق الدولة ومؤسساتها بموظفين محظيين، ولفّت سلسلة الرتب والرواتب حول أعناق القضاة والضباط والاساتذة والمتعاقدين وسائر الموظفين والمواطنين، ليتسارع الانهيار ويخسر اللبنانيون قوتهم وجنى أعمارهم.
كل الأحزاب التي شاركت في السلطة تتحمّل بنسبٍ متفاوتة مسؤولية الانهيار والانحدار نحو الجحيم، مهما حاولت الإنكار وإلصاق التهمة بغيرها من القوى السياسية، ومهما تسلّحت بولاء محازبيها المطلق.
تجربة الأحزاب في إدارة البلاد سقطت، وإعادة الرهان على التجديد لها هو إعادة الرهان على السياسات الخاطئة التي لن تؤدي سوى إلى مزيدٍ من المناكفات والنكايات والأنانيات، وهدر الوقت والفرص وتضييع الإصلاحات المطلوبة وقهر المواطنين.
لا يكفي أن ينسحب حزب أو نائب من السلطة سنة او سنتين لكي ينأى بنفسه عن مسؤولية المشاركة في قرارات المحاصصة والهدر والانهيار وقانون الانتخاب العجيب الغريب.
من يضمن أن تحقّق الوعود والشعارات الإنتخابية، المكرَّرة، أهدافها اليوم، بعدما سبق للأحزاب والتيارات أن وعدتنا بشعارات مماثلة وببناء الدولة الحديثة بالأمس، لكن سرعان ما اكتشفت انّ خياراتها في التسويات وفي قانون الانتخاب فشلت فشلاً ذريعاً، وسلّمت البلد الى محور طالما والته أو اتهمته بالدويلة داخل الدولة، وحذّرت من سلاحه وغاياته وارتباطاته الخارجية.
«أوعا خيك»، هذا الشعار الذي طُربت له آذاننا، أين اصبح اليوم، وأين أصبحنا؟
ترفعون شعار السيادة، والشعب يُقهر في أبسط أمور حياته… لا نجحتم في الدفاع عن السيادة، ولا في الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، ولا في تأمين لقمة العيش الكريمة للمواطن الذي يُذَلّ على أبواب المصارف ويُنهب في المضاربة على الليرة ويرتجف من البرد والصقيع بلا كهرباء ولا دواء للمحتاج.
هذا لا يعني أن ليس في الأحزاب شرفاء وشفافون ومناضلون، ولكن ما هي قدرتهم على محاسبة زعيمهم إذا أخطأ في الحساب والتقدير، وما هي مساحة الديمقراطية في الممارسة الحزبية أصلاً، وهل هناك نظام داخلي وآلية انتخابية حقيقية يسمحان بتداول السلطة في قيادة الحزب في لبنان، أو أنّ رئيس الحزب معصوم عن الخطأ ويحق له أن يتربّع في مركز القيادة إلى الأبد، وكأنّه عرين الاسد؟
لا بدّ، عشية الانتخابات، من مراجعة عميقة لسياسات الأحزاب ووعودها ونتائج هذه السياسات، من تفاهمات وتسويات وصفقات فوق الطاولة وتحتها. ولا بدّ من الرهان على أسماء نجحت في سيرتها ومسيرتها، وعلى وجوه شابة ديناميكية تؤمن بإعادة بناء الدولة المتينة على أسس حديثة وليس على شعارات غرائزية تفّرق ولا تجمع بين اللبنانيين، على وجوه تخدم الناس وتقف إلى جانبهم وتدافع عن حقوقهم وكراماتهم بالأفعال لا بالأقوال.
آفات الكذب والإنكار والشتائم، وبريق الشعارات واليافطات، لن تُطعم جائعاً ولن تطبّب مريضاً ولن تعيد المال المسلوب إلى أصحابه، ولن تحيي عظام الاقتصاد وهي رميم.
أما المتسلقون على أوجاع الناس تحت رايات التغيير والثورة والمجتمعات المدنية، فلهم كلام لاحقاً