سابين عويس – النهار
لا شيء يعلو فوق صوت الانتخابات، هي خلاصة اليومين الماضيين التي أطلقت صفارة الاستحقاق النيابي المرتقب في الخامس عشر من أيار المقبل، عبر اطلاق الكتل السياسية الكبرى حملاتها الانتخابية واعلان مرشحيها على مسافة اقل من شهرين من موعد الاستحقاق.
لم تغب حال الانكار والفجوة بين احلام اللاهثين وراء المقاعد النيابي والواقع الجهنمي الذي يعيش فيه ناخبونهم. خلت الحملات من أي برامج جدية وواقعية ومسؤولة ترتقي الى حجم الازمة الكارثية التي يرزح تحت ثقلها اللبنانيون، وأطلت حملات التهجم ونبش الماضي والشعارات الشعبوية التي لا تشبع جوعا مهددا أن يتفاقم تحت وطأة الاخطار التي تهدد الامن الغذائي العالمي، ولبنان مصنف بين الدول الاكثر هشاشة وضعفاً في المنطقة الى جانب سوريا واليمن.
لا يخلو تقرير دولي صادر عن المنظمات الاممية كمنظمة الزراعة والاغذية او البنك الدولي او صندوق النقد الدولي من التحذيرات الشديد اللهجة حيال الاخطار المحدقة بالعالم على مستوى الامن الغذائي نتيجة المخاوف المتنامية من الارتدادات المرتقبة لتحول الحرب الروسية على اوكرانيا الى حرب استنزاف قد تمتد لأشهر طويلة. وقد بدا واضحاً من القرار الروسي قبل ايام منع تصدير الحبوب ولا سيما القمح والسكر الابيض حتى نهاية آب المقبل، ومثلها فعلت اوكرانيا التي اعلنت قبل ايام عن حظر تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد التي تعتبر ضرورية لإمدادات الغذاء العالمي.
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استغل لقاءه بنائبة الامين العام للأمم المتحدة امينة محمد لمطالبة الهيئة الاممية بـدعم لبنان في ملف الأمن الغذائي، وفق مخطط الامم المتحدة لمواجهة تداعيات الحرب في اوكرانيا على الدول كافة وخصوصا دول المنطقة بما فيها لبنان. كما طلب من الامم المتحدة دعم لبنان لمواجهة التحديات المتعددة الناتجة عن وجود النازحين السوريين في لبنان.
وهذا يعني ان لبنان لن يكون في منأى عن هذه الازمة في ظل غياب أي جهوزية او قدرة على توفير مخزون استراتيجي من القمح والحبوب بفعل الدمار الذي لحق باهراءات المرفأ وبعد انفجاره.
وعلم في هذا السياق، ان البنك الدولي دعا اصحاب المطاحن والافران والمعنيين بهذا الملف الى اجتماع يعقد عصر غد الخميس للبحث في السبل الآيلة الى مواجهة اي تداعيات مرتقبة للأزمة على الامن الغذائي في لبنان. وفهم ان البنك الدولي سيبحث أليات تمويل ممكنة في ما لو عجز المصرف المركزي عن فتح الاعتمادات للاستيراد، كما هي اليوم الحال التي يعاني منها التجار والمستوردون. ذلك ان المركزي يفتح الاعتمادات بـ”القطارة”. ويخشى هؤلاء ان يتعذر عليهم الاستيراد والبيع بالسعر المدعوم على 1500 ليرة، مما قد يؤدي الى رفع تدريجي للدعم بفعل الامر الواقع، تماماً كما حصل في موضوع الادوية.
وفي هذا السياق، يشير احد المستوردين الى ان ثمة باخرة محملة بـ11 الف طن من القمح وصلت الى مرفأ طرابلس، ولكن لن يكون بالامكان بدء تفريغها قبل فتح الاعتمادات لها.
لا ينفك وزير الاقتصاد والتجارة امين سلام يطمئن الى ان لا داعي للخوف وان المخزون المتوافر يكفي لشهر او لشهر ونصف او لشهرين. لا يمكن الثبات في الواقع على المدة التي تتفاوت بين تصريح وآخر علماً انها تزيد بمرور الوقت ولا تنقص. اذ كان سلام اعلن في مؤتمر صحافي في الخامس والعشرين من شباط الفائت ان الكميات المتوافرة تكفي حاجة السوق لشهر، ما لبث ان رفع هذه المدة الى شهر ونصف ثم الى شهرين.
ليس واضحاً حتى الآن متى بدأ سريان هذه المهلة والى متى سيصمد المخزون، علماً ان المشكلة الحقيقية لا تكمن في عدم استيراد القمح الذي يقول سلام انه تلقى تجاوباً من دول مثل اميركا او الهند او كازاخستان بتوفيره للبنان، كما لا تكمن في تخزينه وهو قال ايضاً انه لقي استعداداً تركياً ومصرياً للتخزين، بل المشكلة في فتح الاعتمادات وتأمين السيولة الدولارية للدفع، في ظل توقعات بارتفاعات كبيرة للأسعار عالمياً بفعل استمرار الازمة في اوكرانيا.
وهاجس الامن الغذائي لا يسقط الهواجس الاخرى المتصلة بالتداعيات المتنامية للحرب الروسية على اوكرانيا، واهمها الارتفاعات غير المسبوقة في اسعار النفط التي تنعكس ارتفاعات مماثلة في السوق المحلية، مع كل ما ترتبه من زيادات في الاسعار لا يمكن للمواطنين تحملها في ظل التدهور المخيف في القدرة الشرائية لليرة.
وهنا يُطرح السؤال الملح هل السلطة القيمة على الامن الغذائي والمعيشي والحياتي للبنانيين قادرة على تحمل مسؤولياتها على مسافة اسابيع من موعد الانتخابات النيابية التي تشغل اهل السلطة عن الاهتمام بأولويات الناس؟
حتماً ليس الجواب بالايجاب في ظل التخبط في اتخاذ القرارات ورسم خطط طوارىء تواكب الازمة، وهي ليست ازمة محلية تضاف الى سلسلة الازمات التي يتخبط فيها لبنان منذ نحو 3 اعوام، بل هي ازمة عالمية، قد لا تتمكن السلطة من حجز مكان لها في طابور الانتظار الا لشحذ الدعم والمساعدة كما كانت وستبقى دائماً الحال مع الاسف!