الأحد, سبتمبر 22

الحرب الروسية الأوكرانية ترخي بثقلها على الأسعار العالمية… تحدّيات جديدة قد تُرهق كاهل لبنان المُنهك

أرخت الحرب الروسية-الأوكرانية بثقلها على أسعار السلع والمواد الخام، من الطاقة إلى القمح والمعادن المختلفة التي ارتفعت أسعارها العالمية إلى أعلى المستويات منذ عدّة سنوات، إذ عطلت العقوبات الغربية الشحنات الجوّية والبحرية للسلع التي تنتجها وتصدّرها روسيا.

في الواقع، ارتفعت أسعار خام برنت بأكثر من 50% لتخترق حاجز الـ140 دولاراً للبرميل وذلك للمرة الأولى منذ عام 2008، قبل أن تعاود تراجعها بعض الشيء إلى حدود 120 دولاراً للبرميل بفعل تحرير جزء من مخزونات بعض الدول الكبرى لتهدئة السوق. وقد تفاعلت الأسواق مع اضطرابات الإمدادات الناجمة عن الحرب الروسية واحتمال فرض حظر على النفط والغاز الطبيعي الروسي، حيث تجنّب المشترون والشاحنون على نحو متزايد إمدادات النفط الروسية. في موازاة ذلك، سجّلت أسعار الغاز البريطانية والأوروبية والأميركية مستويات قياسية مع الفوضى القائمة في أسواق الطاقة، إذ ارتفعت أسعار الغاز الأوروبي من حوالي 1,000 دولار لكل ألف متر مكعّب في كانون الثاني الفائت لتلامس اليوم عتبة الـ4,000 دولار لكل ألف متر مكعّب، ما يهدّد بتفاقم أزمة تكلفة الإنتاج والنقل والتدفئة، مع الإشارة هنا إلى أن روسيا تعدّ ثاني أكبر منتج للخام في العالم وهي مزود رئيسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا، حيث توفر حوالي 35٪ من إمدادات أوروبا بالغاز. كذلك تمتلك روسيا أكبر احتياطي غاز في العالم، وهي تستحوذ على ما نسبته 20% من الاحتياطيات العالمية من الغاز، وهي ثاني أكبر منتج للغاز بعد الولايات المتحدة الأميركية مع ما نسبته 17% من إجمالي إنتاج الغاز العالمي. وتعدّ روسيا ثالث أكبر منتج للنفط مع ما نسبته 12% من الإنتاج العالمي، وهي تستحوذ على ما نسبته 6% من احتياطيات النفط حول العالم، لتحتل بذلك المركز السادس عالمياً.

في المقابل، ارتفعت أسعار المواد الخام من القمح إلى المعادن المختلفة إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، إذ تعدّ روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدّري القمح في العالم، الذي ارتفعت أسعاره إلى الذروة منذ 14 عاماً، بعد أن ارتفعت بما يقارب 60٪ منذ الحرب الروسية، لتلامس عتبة 12.94 دولاراً للبوشل (كل بوشل يساوي حوالي 27 كيلوغراماً). في الواقع، تستحوذ روسيا وأوكرانيا معاً على ما يقارب 25٪ من صادرات القمح العالمية، وحوالي 20٪ من صادرات الذرة و80٪ من صادرات زيت دوار الشمس. وتعدّ روسيا أيضاً مورداً رئيسياً لمجموعة كبيرة من السلع، بما في ذلك الألومنيوم والنحاس والنيكل والبلاديوم. فقد سجل الألمنيوم مستويات قياسية، بينما كان النحاس، حيث توفر البلاد 3.5٪ من الإمدادات العالمية، يقترب أيضاً من أعلى المستويات القياسية على الإطلاق. هذا وارتفعت أسعار الذهب متجاوزة عتبة الـ2,000 دولار للأونصة ومتطلعةً نحو أفضل مكاسب لها منذ أيار 2021.

ماذا عن لبنان؟

يشير مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو الى أن “من الطبيعي أن يتأثر لبنان، الدولة المستوردة للنفط ولمعظم احتياجاته، سلباً بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على مستوى الأمن الغذائي والنفطي والمعيشي، ولا سيما على صعيد التبادل التجاري وارتفاع فاتورة الاستيراد الناجمة عن تضخم أسعار السلع من القمح إلى الطاقة، فضلاً عن الطلب الإضافي المستجد على الدولار وتالياً على احتياطيات مصرف لبنان الخارجية وسعر الصرف. فعلى صعيد التبادل التجاري، يشير قانصو إلى أن “حجم واردات لبنان من روسيا وأوكرانيا بلغ 792 مليون دولار في عام 2020، أي ما نسبته 7% من إجمالي وارداته (520 مليون دولار من روسيا و272 مليون دولار من أوكرانيا). في التفاصيل، استورد لبنان ما قيمته 355 مليون دولار من الحبوب في عام 2020، 46% من واردات الحبوب يتأتّى من روسيا وأوكرانيا، مع الإشارة إلى أن 40% من واردات الحبوب تشمل القمح الذي تصل قيمة واردات لبنان منه إلى 148 مليون دولار سنوياً، 96% من واردات القمح يتأتّى من روسيا (23 مليون دولار) وأوكرانيا (119 مليون دولار). يضاف إلى ذلك أن 60% من واردات لبنان من الشحوم الحيوانية والنباتية والزيوب يأتي من روسيا وأوكرانيا، بمجموع يصل إلى 72 مليون دولار من أصل 127 مليون دولار سنوياً. بالتوازي، يستورد لبنان نحو 187 مليون دولار من الحديد والفولاذ، ربعها يأتي من روسيا وأوكرانيا، فيما 7% من استيراد الحيوانات الحيّة يأتي من أوكرانيا، ما يعني أن حجم الاستيراد من البلدين مهمّ نسبياً وهو ما يرخي بثقله على قدرة لبنان على تأمين احتياجاته الأساسية من سلع وزيوت وحبوب وقمح، وهو العاجز عن تخزين القمح والحبوب تحديداً بعد تدمير صوامع مرفأ بيروت من جرّاء انفجار الرابع من آب. وبالتالي فإن فتح اعتمادات جديدة لاستيراده من دول أخرى، مثل أميركا والأرجنتين والهند وبلغاريا وفرنسا ورومانيا، ستترتّب عليه أعباء مالية من كلفة شحن تضاف إلى ارتفاع مؤشرات الأسعار عالمياً”.

أما التأثير المباشر للحرب الروسية-الأوكرانية، فيتمحور وفق ما يقول قانصو حول “مؤشر التضخم العالمي المستورد والآخذ في الارتفاع بنسب مهمّة، خصوصاً على صعيد أسعار السلع الأساسية مثل القمح والألمنيوم والحديد والنحاس والذهب وغيرها من السلع الأخرى، من جهة، وعلى صعيد أسعار النفط من جهة أخرى. وهنا بيت القصيد، ولا سيما أن ارتفاعات أسعار النفط المتتالية، ستكون لها انعكاسات هامّة على الاقتصاد الوطني، وستؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار البنزين والمازوت والمشتقات النفطية الأخرى عموماً، وبالتالي على كلفة النقل والإنتاج وفاتورة المولدات، ما سيرهق كاهل المواطنين ويرفع من نسب الفقر. يجدر الذكر هنا أن سعر طن المازوت قد ارتفع بنسبة 40% في غضون أيام فيما سعر صفيحة البنزين قد يلامس عتبة الـ500 ألف في وقت قريب”.

تجدر الإشارة إلى أن تسليم البنزين اليومي قد ارتفع من 7 ملايين ليتر الى 8,5 ملايين ليتر خلال شهر شباط، وفي ظل غياب البدائل للنقل الخاص والمولدات، فإن الطلب على المحروقات هذا العام سيبقى مرتفعاً نسبياً، وسيراوح بين 1.5 و2 مليون طن للبنزين وبين 4.1 و4.5 ملايين طن للمازوت، وذلك في ضوء زيادة بدل النقل لدى العمال الموظفين في القطاعين العام الى 65 ألف ليرة يومياً، وهذا ما أدّى إلى توفير تمويل لشراء البنزين، بينما في مقابل زيادة بدل النقل ألزمت الدولة والمؤسسات الخاصة بالحضور اليومي الى المؤسسات.

ومع اعتماد لبنان شبه الكلي على الاستيراد وارتفاع أسعار السلع عالمياً، فإن ذلك سيؤدي بطبيعة الحال برأي قانصو إلى “مزيد من الطلب على الدولار، وهو ما يشكل عبئاً ثقيلاً على الإجراءات التي يحاول المركزي اتخاذها للمحافظة على الاستقرار في سعر الصرف من خلال التعميم 161، ما يعني المزيد من الاستنزاف في احتياطياته الخارجية التي تراجعت بحوالي 900 مليون دولار منذ بداية العام، منها 292 مليون خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر شباط، لتصل إلى 11.9 مليار دولار حتى نهاية شهر شباط. وبالتالي فإن التحدي الجديد يتعلق بقدرة المركزي على الاستمرار في تأمين الدولار للجميع وبدون سقوف من خلال التعميم 161، وتالياً ما جرى في الأيام الأخيرة لناحية رفع سعر منصة صيرفة دليل على أن المركزي يبدو متجهاً نحو فرملة تدخله في عملية تثبيت سعر الصرف عند حدود 20 ألف ليرة للدولار”.

 

النهار

Leave A Reply