جاء في صحيفة “الديار ” :
اضرمت النار في لبنان من كل حدب وصوب بعد الخضة المصرفية واعلان المصارف اضرابا تحذيريا ليتدهور الوضع الداخلي اكثر مما هو عليه، فضلا عن اعادة استدعاء حاكم مصرف لبنان الاثنين المقبل للتحقيق وسط مفاوضات بين الحكومة اللبنانية من جهة وصندوق النقد الدولي من جهة اخرى. فلماذا اختارت جهات لبنانية احراق البلد وصب الزيت على النار في توقيت مريب قد يؤدي الى مزيد من الفوضى والاهتراء المؤسساتي؟
من جانبه، تدارك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خطورة الوضع، ودعا لعقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم لبحث موضوع المصارف وتداعياتها على المودعين وعلى استقرار البلد، بعد ان سجل سعر صرف الدولار ارتفاعا في السوق السوداء جراء التطورات القضائية الاخيرة. وأفادت المعلومات ان الرئيس نجيب ميقاتي قال ان توقيف حاكم مصرف لبنان يعني استقالتي من الحكومة.
وتزامنا مع ذلك، عقد اجتماع ثلاثي في قصر بعبدا بين الرؤساء عون ميقاتي وبري بحثوا خلاله رسالة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين للبنان الرسمي بشأن ترسيم الحدود البحرية بما انه يجب على الدولة الرد على الرسالة. وهنا بعد خروجه من الاجتماع قال الرئيس ميقاتي: «لقد انحلت». وفي هذا الاطار، أوضحت أوساط وزارية رفيعة المستوى للديار ان كلام ميقاتي يعني ان الجانب اللبناني يدرس الردود على رسالة هوكشتاين في ضوء أراء المستشارين التقنيين في ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة واقتراح استكمال الجهود من الجانب الاميركي في هذا الملف. واعتبرت هذه الاوساط ان قول ميقاتي «لقد انحلت» يعني بكلمات اخرى ان هناك افقا مفتوحا على احتمالات الحل.
والامر الايجابي في الاجتماع الثلاثي الذي حصل امس هو انه أدى الى رؤية موحدة حول ملف ترسيم الحدود البحرية بين الرؤساء الثلاثة، مشددة على ان اتفاقية الاطار هي الجواب الشافي لرسالة اموس هوكشتاين الذي لا غنى عن دور وساطته في هذا الموضوع.
في المقابل، رأت مصادر مطلعة ان الرئيس عون يريد ترسيم الحدود لناحية استراتيجية حيث يفتح علاقات مع الولايات الاميركية، الا ان هذه المفاوضات مرتبطة بمفاوضات فيينا. ذلك ان الرئيس عون بمقدار ما هو بحاجة الى علاقة ثابتة مع حزب الله بمقدار ما هو ايضا بحاجة لعلاقة جيدة مع واشنطن من اجل ايصال النائب جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية.
استجرار الغاز المصري: الابتزاز الاميركي متواصل
في غضون ذلك، ينتظر الضوء الاخضر الاميركي لاستجرار الغاز المصري والطاقة الاردنية على حد قول وزير الطاقة وليد فياض فيما رايات حمراء ترفع امام الدولة اللبنانية في ملف ترسيم الحدود البحرية للقبول بالشروط الاميركية حيث لم يعد خافيا على احد الابتزاز الاميركي في ملف الطاقة. ذلك ان الامر لا ينتظر ضوءا اخضر، بل هو ابعد بكثير من ذلك. واصبح جليا انه مرتبط بموقف لبنان من ترسيم الحدود او بالاحرى بحجم التنازلات اللبنانية التي تسعى واشنطن لحث لبنان على تقديمها لجانب العدو الاسرائيلي. وبمقدار ما يكون موقف لبنان قريبا من التوجه الاميركي بمقدار ما سيسهل استجرار الغاز المصري الى لبنان.
التحقيق مع وليام نون
تزامنا مع ذلك، اعتصم اهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ومعهم مجموعة من الثوار امام مديرية امن الدولة في الدكوانة، في ظل التحقيق مع وليام نون وبيتر بو صعب منددين باستدعائهم ومعتبرين ان القانون يطبق على اناس فيما يعفي الوزراء من المثول امام القضاء، مع انه صدرت ضدهم مذكرات توقيف بعد التحقيقات في انفجار 4 آب 2020.
الانتخابات النيابية لن تفرز اغلبية واضحة على غرار المجلس النيابي الحالي
الى ذلك، قالت اوساط سياسية للديار ان الانتخابات النيابية اذا حصلت لن تفرز اغلبية واضحة اللون حيث لن يتمكن اي فريق سواء فريق ما يسمى 8 اذار او ما بقي من 14 اذار، فضلا عن المجتمع المدني، من انتزاع اكثرية الثلثين. وعليه، ستبقى الامور ضمن اطار التوازنات الدقيقة، علما انه بعد الاستحقاق النيابي سيبرز الاستحقاق الرئاسي. ومن هنا، ما دام اي فريق لا يملك بيده الثلثين، فهذا الامر سيفرز تسوية تؤدي الى انتخاب رئيس الجمهورية. ذلك ان التسويات دائما تأتي برؤساء الجمهورية في لبنان، وعلى سبيل المثال الرئيس السابق ميشال سليمان الذي اتى بتسوية، وكذلك الحال مع الرئيس عون. وانطلاقا من هذه المعطيات، من سيقوم بتسوية مع حزب الله؟ فالرئيس سعد الحريري معتكف سياسيا وقد ابرم عدة تسويات، اولها حكومة تمام سلام واتفاق الدوحة وانتخاب ميشال سليمان وايضا ميشال عون. اما اليوم فرئيس تيار المستقبل سعد الحريري خارج اللعبة السياسية اللبنانية، والرئيس فؤاد السنيورة لن يبرم اي اتفاق مع حزب الله. وبالتالي رأت هذه الاوساط السياسية ان بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، لبنان ذاهب الى فراغ خطر لا يشبه الفراغ الذي سبق انتخاب عون ،لانه يحصل على وقع انهيار مالي ومؤسساتي وحصار دولي وغضب شعبي. فهل لبنان مقبل على مؤتمر دولي؟ او من هو الفريق الداخلي الذي سيبرم تسوية، وان كانت جزئية، لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية؟
النائب عبدالله: المطلوب اعادة الهدوء للقضاء مع توزيع عادل للخسائر بين الدولة والمصارف
من جهته، قال النائب بلال عبدالله الذي ينتمي الى الحزب التقدمي الاشتراكي للديار ان المطلوب اعادة الهدوء للقضاء ومحاسبة كل مسؤول عن ودائع الناس بدءا من القرارات الحكومية وممارسات المصارف ومصرف لبنان حيث ان الدولة هي التي صرفت طوال السنين الماضية مع عجز موازنة دائم، فضلا عن ان مصرف لبنان تمادى في تسهيل هذه الامور للدولة والمصارف التي أغرتها الفوائد المرتفعة والتي لا تزال تحقق ارباحا على سندات الخزينة التابعة لها. اما عن القضاء، فرأى عبدالله ان الجميع يثق ان القضاء هو المرجع الوحيد لجلاء الحقيقة، ولكن يجب ان يكون في اطار سياسي عام وعادل يرتكز على القانون والصلاحيات وليس الاستنسابية في الملفات. وكشف ان هذا الامر مستمر بعد وقف التشكيلات التي طرحها مجلس القضاء الاعلى والتباين الحاصل في هذا المجلس، اضافة الى التباين بين القضاء المالي وقضاء النيابات العامة والقضاء التمييزي، وجزء من هذا الانقسام رأيناه في تحقيق ملف المرفأ. ووصف النائب بلال عبدالله ما يحصل مؤخرا انه جزء من واقع اليم يعيشه الجسم القضائي في لبنان.
واستطرد بالقول :هل المطلوب اليوم الغاء كل نظام مصرفي؟ من ناحيتنا كحزب تقدمي اشتراكي لا نحبذ الرأسمالية المتوحشة بسبب ضعف جهاز المحاسبة والرقابة ولكن في الوقت ذاته لا نريد ان تضيع ودائع الناس مع اقفال المصارف تعسفا، بل نريد ان تحصل الناس على اموالها وحقوقها. وبمعنى اخر، المصرف اذا اقفل يكون الحمل عليه تم تخفيضه في حين يكون المودعون قد خسروا أموالهم، وهذا ليس بحل بل يدخل البلد في المجهول، ولذلك مطلوب خطة تعاف مالية واقتصادية عادلة بحيث توزع الخسائر بشكل عادل على المصارف وعلى الدولة.
القوات اللبنانية: العهد يريد فوضى اجتماعية لتطيير الانتخابات النيابية
بدورها، اكدت مصادر القوات اللبنانية للديار ان لا احد يشكك في مسؤولية المصارف ومصرف لبنان في ما آلت اليه الاحوال النقدية والمالية للمودعين اللبنانيين، انما الازمة المالية لا يجوز ان تختصر بالمصارف وبالحاكم رياض سلامة بل يجب وضعها ضمن التراتبية الاتية: اولا عزل لبنان عن الخارج، وثانيا الخسائر الفادحة التي يتحملها العهد والتيار الوطني الحر خلال 11 سنة في وزارة الطاقة التي هدرت المليارات حيث بلغ الهدر قرابة 40 مليار دولار حتى وصلنا الى العتمة الشاملة بدلا من ان تصل الكهرباء 24/24، فضلا عن الفراغ الذي دخلت فيه البلاد ابان الحكومات من اجل توزير النائب جبران باسيل والرئاسة لسنتين ونصف. واضف الى ذلك، الحكومات في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي دخلت في فراغ طويل بهدف تحقيق مطالبه الشخصانية البعيدة عن الموضوعية في كيفية تشكيل حكومات تتمكن من اخراج لبنان من ازمته. ومن يتحمل هذه المسؤولية هو الرئيس عون الذي رفض قانون آلية التعيينات وقانون استقلالية القضاء، وبالتالي هذا الفريق ساهم في ايصال البلاد الى الحالة التي هي عليه اليوم.
واضافت المصادر القواتية انه من الواضح ان العهد والتيار الوطني الحر بدأا عملية توتير ممنهجة منذ فترة من خلال محاولة توقيف اللواء عماد عثمان واستمرت عن كلام تطيير انتخابات المغتربين، ومن ثم تواصلت في الحديث عن الميغاسنتر حتى وصلت اليوم الى مسألة المصارف من اجل اثارة القلق في المجتمع. واشارت عندما تقفل المصارف ابوابها سيزيد الضغط الشعبي وعندئذ نذهب الى فوضى اجتماعية تؤجل بنتيجتها الانتخابات النيابية المرتقبة في 15 ايار. وعليه، يتعامل العهد والتيار الوطني الحر ضمن حدين. الحد الادنى انه يخوض معركته الانتخابية على اساس انه فريق اصلاحي وحربه على المصارف من اجل ايهام الناس وحرف انظارها عن ان المأساة التي تعيشها حصلت في عهد الرئيس ميشال عون بالقول ان المشكلة هي مع المصارف وانه يعتمد اسلوبا مغايرا. اما الحد الاقصى بالنسبة للمصادر القواتية فالعهد والتيار الوطني الحر يعملان على تطيير الانتخابات النيابية عبر توتير الحياة السياسية اللبنانية.