أدّى وزير الطاقة قسطه للعلا باعداده خطة مستقبلية للكهرباء، ومضى يبحث عن تمويل آني كـ»دفعة على الحساب». اللامنطق نفسه ينسحب على طريقة تسيير هذا المرفق المهم مع الوزارة الحالية، لكن مع فارقين جوهريين: يتمثل الأول بافلاس الدولة المترافق مع عجز هائل في الموازنة، واستحالة تأمين تمويل طارئ سواء من الداخل أو الخارج. فيما يتلخص الثاني بـ»موت» مؤسسة الكهرباء وعجز التمويل، وإن توفر، على إحداث فرق يذكر.
تعتزم وزارة الطاقة والمياه، بحسب مصادر متابعة «التقدم من مجلس الوزارء اليوم، بطلب مبلغ مالي بالدولار الأميركي النقدي لصالح مؤسسة كهرباء لبنان. وذلك من أجل تأمين الحد الأدنى من سلامة الاستثمار في قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع. ولا سيما للأشهر القليلة المقبلة، بانتظار تبلور صيغة قرض البنك الدولي لاستجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر.
السلفة هي الهدف
الطريقة الوحيدة للحصول على التمويل المطلوب، هي: إعطاء المؤسسة سلفة خزينة بالمبلغ المحدد سلفاً، بـ5250 مليار ليرة، على أن يحوله مصرف لبنان إلى الدولار الأميركي على سعر صيرفة، فتحصل المؤسسة على ما يقارب 256 مليون دولار تكفي لشراء بعض قطع الغيار والتجهيزات، وتسديد المتأخرات لصالح شركات مقدمي الخدمات للاستمرار في عملية التوزيع. ومن المستبعد أن يُخصص أي جزء لزيادة الانتاج، ذلك أن المبلغ أجمع لا يكفي لشراء الفيول لمدة شهر.
«الهمروجة» المفبركة في ما خص الخطة، وإطلاق الوعود بتعيين الهيئة الناظمة، وبناء المعامل، وتأمين الكهرباء بعد عدد من السنوات… لا تتعدى كونها مناورة، لا شيء فيها قابلاً للتحقيق»، برأي المدير العام السابق للإستثمار والصيانة في وزارة الطاقة د. غسان بيضون. و»كل الهدف منها هو الحصول على سلفة الخزينة المطلوبة».
موافقة الحكومة على خطة الكهرباء، ورّطتها من وجهة نظر بيضون بـ»طلب وزير الطاقة التمويل المرحلي، لتحضير المعامل». لكن «طريق» هذا الطلب معبدة بالمطبات. فالمبلغ المرصود للكهرباء أُخرج من إطار مشروع موازنة 2022، حين اعتزمت الحكومة إرساله إلى مجلس النواب من خارج مشروع الموازنة. وعليه فان أي سلفة أو مساعدة يجب أن تمر بمجلس النواب أولاً، و»من المستحيل أن تعطى السلفة للكهرباء بمرسوم»، بحسب بيضون، «لان ما يعطى لكهرباء لبنان من أموال لا تنطبق عليه شروط السلف. فمن شروط الأخيرة أن تعاد أولاً، وأن يكون المستلف قادراً على رد المبلغ بعد أن يدرجه في موازنته. وهذا ما لم يحصل تاريخياً».
التمويل شبه مستحيل
سلفات الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان لغاية 2018 بلغت ما يقارب 5571 ألف مليار ليرة (3.7 مليارات دولار)، بحسب تقرير صادر عن ديوان المحاسب في معرض تدقيقه حسابات الدولة عن الأعوام ما بين 1995 و 2018، تشكل ما نسبته 69.7 في المئة من مجمل السلفات المعطاة في هذه الفترة. وقد حصلت مؤسسة كهرباء لبنان في عام 2018 وحده، على سلفة بقيمة 2712 مليار ليرة (1.8 مليار دولار) لم يرد منها، أو من المبالغ المستلفة سابقاً أي ليرة.
المفارقة أن أكثرية السلف التي أعطيت في تلك الفترة، ولا سيما في الفترات التي شهدت فيها العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب فتوراً، وصل حد القطيعة مع بعض الحكومات، كانت أشبه بالمساهمات. ومع الأسف فان مثل هذه المساهمات «ممكن أن تتكرر اليوم في ظل حالة الفوضى والجنون التي يمر بها البلد»، من وجهة نظر بيضون. «مع العلم أن هذه العطاءات تجمع كل المخالفات، فهي غير قانونية، وترهق موازنة الدولة، وتُظهر الاخيرة بمظهر المتعافي نظراً لاعطائها من خارج الموازنة من دون نص تشريعي، فيما تكون نسب العجز فيها فلكية».
مع هذا يبقى السؤال: إن سلمنا جدلاً باستطاعة الدولة تأمين المبلغ بالليرة اللبنانية، فكيف من الممكن أن يصار إلى تحويلها للدولار؟ فالمصرف المركزي قبل اشتداد الحملات عليه رفض مطلع العام 2021 إعطاء أي دعم لمؤسسة كهرباء لبنان. وقد ابتدع آلية بالغة التعقيد لاعطاء جزء بسيط من مبلغ 200 مليون دولار المطلوب لشراء قطع الغيار، وتأمين بعض المستلزمات، والتسديد لمقدمي الخدمات ودفع مستحقات الشركة المشغلة لمعملي دير عمار والزهراني (برايم ساوث) المقدرة بـ80 مليون دولار عن العامين 2020 و2021. أما اليوم فقد أوقف المصرف المركزي 90 في المئة من الدعم، والاحتياطي المتبقي قد يكون أصبح سالباً مع التوسع باعطاء الدولار خلال الفترة الماضية بنتيجة التعميم 161. وعليه فانه حتى لو قبل باعطاء المبلغ فان الامكانيات أصبحت محدودة جداً ومن الصعب تلبية هذا الطلب».
تبديد ما تبقى من حقوق
«الهم لم يكن ولا مرة تأمين الكهرباء للمواطنين. لو كان كذلك، لما كنا أنفقنا نحو 50 مليار دولار بين سلف، ومساهمات، وخسائر وفوائد من دون أن نلمح الكهرباء. والخطير أن الأمر نفسه يتكرر اليوم، فالمسؤولون عن القطاع لا يهمهم إن بقي احتياطيات بالعملات الصعبة تشكل آخر حقوق المودعين أو بيع ثروة الذهب أو غيره»، يقول عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب عماد واكيم. «فكل همهم تمرير الأشهر المتبقية من عمر العهد بأقل خسائر ممكنة على الصعيد المعنوي. ونحن من موقعنا في التكتل كنا وما زلنا ضد أي سلفات من أموال المودعين وحقوقهم تهدر على الصفقات والسمسرات والوعود الفارغة من أجل تأمين ساعة أو ساعتين من الكهرباء. مع العلم أنه كان بالامكان بمبلغ لا يتخطى 3 مليارات دولار أن نؤمن الكهرباء 24/24 ونبيع الفائض للدول المجاورة، ولكن هذا ما لم ولن يحدث نتيجة أخذ القطاع رهينة المصالح الشخصية الضيقة».
إذا أردنا الإنطلاق من الزاوية القانونية يظهر أنه من المستحيل قبول السلفة أو أي مساعدة مالية لمؤسسة كهرباء لبنان. وإذا أنطلقنا من فرضية الفوضى فان الإمكانيات لتلبية هذا السيناريو أصبحت ضئيلة، فلا الخزينة تحوي على الأموال ولا خزائن مصرف لبنان تحوي على الدولارات.