رنى سعرتي – الجمهورية
منذ اللحظة الاولى لانتشار خبر الإنفراج في العلاقات اللبنانية- الخليجية، اتجهت أنظار الاقتصاديين الى المفاعيل الإيجابية التي قد يؤدي اليها هذا الإنفراج. وهناك مرحلة من الانتظار لمعرفة مدى عمق هذه “العودة” وإذا ما كانت ستتواكب وإجراءات لإعادة تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين لبنان والسوق الخليجي.
مع تفجّر الخلاف بين لبنان والسعودية في تشرين الاول الماضي على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي بشأن حرب اليمن، مما فاقم التوترات السابقة في العلاقة والناتجة من مسلسل تهريب المخدرات من لبنان إلى بعض دول الخليج، جاء بيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي اعلن فيه التزام حكومته بإعادة العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي إلى طبيعتها، ليعيد بصيص الأمل للقطاع الخاص اللبناني، خصوصًا بعد مواكبة وزارتي الخارجية السعودية والكويتية، البيان، بآخر ترحيبي، يأمل باستعادة لبنان دوره ومكانته عربيًا ودوليًا.
توازي التداعيات الاقتصادية الإيجابية التي قد تنتج من ترميم العلاقات اللبنانية- الخليجية، التداعيات السياسية، في حال تبلور الالتزام اللبناني والخليجي أكثر، وتُرجم بإجراءات جدّية وفعلية. خصوصًا انّ الأزمة بين لبنان ودول الخليج، أدّت الى خسارة الصادرات اللبنانية السوق السعودية (219 مليون دولار سنويًا)، البحرينية (14.8 مليون دولار سنويًا)، والكويتية (74.2 مليون دولار سنويًا)، وشكّلت هذه الخسارة ضربة قاسية للقطاعات الإنتاجية، لا سيما الزراعية والصناعية، التي خسرت ملايين الدولارات، كانت البلاد، ولا تزال، بحاجة ماسّة لكلّ دولار منها لدعم سيولتها الشحيحة من العملة الأجنبية. واكب أيضًا حظر الواردات من لبنان الى السعودية والبحرين والكويت، توقيف شركات الشحن والبريد خط لبنان – السعودية ولبنان – البحرين، بالإضافة الى وقف منح تأشيرات الدخول للبنانيين الى الكويت التي أوقفت أيضاً جميع طلبات الجمعيات الخيرية الراغبة في إجراء تحويلات مالية إلى بيروت، حين أضافت وزارة الخارجية الكويتية، لبنان إلى قائمة الدول التي جُمّدت تحويل التبرعات إليها.
في المقابل، كانت الاستثمارات السعودية في لبنان، خصوصاً في قطاعات السياحة والفنادق ووسائل الإعلام، رغم تراجعها بشكل لافت في السنوات الماضية، تشكّل جزءًا من الناتج المحلي اللبناني، وبالتالي قد يكون القرار الخليجي بعودة العلاقات مع لبنان الى طبيعتها، مصدرًا لدعم لبنان في أزمته الحالية ورفده بمساعدات مالية، ولو من خارج القنوات الرسمية، على غرار الصندوق السيادي السعودي- الفرنسي الذي تقرّر في الاجتماع الذي عُقد بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، ان يبدأ في وقت قريب عمله، بعدما تبرّعت المملكة بـ36 مليون دولار عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، على ان تُصرف المساعدات للمؤسسات الإنسانية غير الرسمية.
يبقى السؤال، هل يجب أن يأمل القطاع الخاص اللبناني باستعادة علاقاته الاقتصادية مع دول الخليج؟
يعتبر رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية- الخليجية ايلي رزق في هذا الإطار، انّه لا يزال من المبكر الحديث عن عودة طبيعية للعلاقات، رغم انّ البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية السعودية يدعو الى التفاؤل “وهو أوّل خطوة في رحلة الألف ميل”. وقال لـ”الجمهورية”، انّ الموضوع اليوم لا يتعلق بخروج السعودية او الخليج من لبنان، بل خروج لبنان من السعودية والخليج ومحوره العربي، “وبالتالي فإنّ الكرة اليوم في ملعب القوى السياسية اللبنانية، وعلى الحكومة اللبنانية ان تستمر وتمضي قدمًا في تنفيذ القرارات التي تثبت وتؤكّد على بسط لبنان وحكومته سلطتها الشرعية، أقلّه على المرافئ البرية والبحرية والجوية الشرعية لضبط حدودها، علمًا انّه ليس خفيًا على أحد انّ كافة الدول تعاني من وجود مرافئ غير شرعية. معتبرًا انّ هذه الخطوة تهدف إلى منع تحويل لبنان إلى ممرّ او معبر لتهريب الممنوعات الى دول الخليج.
أشار رزق، الى انّ الخطوة الثانية تتمثل بقيام الحكومة اللبنانية على التأكيد، بالفعل وليس القول، انّ محور لبنان عربي وينتمي الى جامعة الدول العربية ويتمتع بأرقى العلاقات مع أشقائه الخليجيين والسعوديين والعرب، وهو يمتنع عن ان يكون منبرًا إعلاميًا للتهجّم على قادة تلك الدول.
وشدّد رزق على انّ الهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص اللبناني لا يريد ان يناصب العداء لأي دولة شقيقة او صديقة، “ولا ندعو الى التهجّم على إيران لمصلحة السعودية والخليج، كما لا ندعو للتهجّم على الخليج لمصلحة إيران. نحن بإمكاننا التعامل مع كل الدول باستثناء اسرائيل، لكن نحن حريصون على ان لا يكون لبنان مقرًّا لإقامة مؤتمرات ومنتديات تدعو الى زعزعة أمن دول مجلس التعاون الخليجي.
وحول إمكانية البدء باستعادة جزء من الخسائر التي مُني بها القطاع الخاص اللبناني نتيجة الأزمة اللبنانية- السعودية، اكّد رزق انّ الطريق ما زال طويلًا “وعلى الحكومة ان تبدأ أوّلًا باتخاذ خطوات تنفيذية على ارض الواقع، بهدف العودة إلى حجم الصادرات السابقة بين لبنان ودول الخليج، والذي يفوق المليار دولار، حيث تشكّل الصادرات إلى دول مجلس التعاون الخليجي 60 في المئة من إجمالي الصادرات اللبنانية، في وقت نحن بأمسّ الحاجة الى أموال تلك الصادرات”.