راجانا حمية – الاخبار
لا مكان للأزمات ولا المرضى في حسابات شركات استيراد الدواء وأصحاب المستودعات، إذ تسقط كل الاعتبارات كلما شعر هؤلاء بأن بساط الربح قد يُسحب من تحتهم. فمنذ بداية الأزمة المالية وحتى اللحظة الراهنة، لا تزال تلك الشركات والمستودعات تمارس سطوتها عبر اتخاذها ـ منفردة ـ قرار ماذا تعطي من أدوية، ولمن، وعمن تحجبها، من دون أن يكون لأحد القدرة على مساءلتها.
واليوم، وفي عزّ حاجة المرضى إلى أدويتهم، يستمرّ هؤلاء في تحصين أنفسهم عبر اللجوء إلى «سياسة حمائية» تعفيهم من الخسائر المحتملة. ولئن كان تقنين تسليم أصنافٍ كثيرة من الأدوية للصيدليات لا يزال غالباً اليوم، إلا أن الشركات ابتكرت معها أساليب أخرى، بعضها استجدّ مع الأزمة، فيما البعض الآخر مستعاد، مع إجراء بعض التعديلات. وبغض النظر عما هو مستجد، تلجأ الشركات اليوم إلى استعادة أساليب قديمة وتحديثها، ومن بينها أسلوب التسويق لبعض أصناف الأدوية.
فقد بدأ بعض الصيادلة يلاحظون عودة «الماركتينغ». غير أنها عودة «ليست ميمونة»، على ما يقول أحد الصيادلة (الذي يرفض ذكر اسمه كما آخرين خوفاً من ردّ فعل الشركات)، حيث لم تعد خيارات الرفض متاحة، إذ يربط المستوردون وأصحاب المستودعات اليوم طلبات الصيدليات بالقبول الإلزامي لأدوية قد يكلّفهم رفضها الطلبية بأكملها. هكذا، يجد الصيادلة أنفسهم أمام ماركتينغ جديد قائم على الابتزاز: فإما قبول «الهدية» المكلفة أو «منع الدواء عنك»، على ما يقول صيدلي آخر.
هذا ما يواجهه الصيادلة اليوم مع عددٍ من الشركات. ولئن كانت الشركات قد لجأت لتلك الحيلة في بداية الأزمة، إلا أن الأمر لم يصل إلى حدّ إلغاء الطلبية، كما يحدث اليوم. وفي هذا السياق، يروي أحد الصيادلة أنه طلب قبل أسبوعٍ طلبية من إحدى الشركات تتضمن «مجموعة من الأدوية من ضمنها دواء profenid tablet وprofenid تحاميل ودوليبران…، فكان الردّ بأنه عليّ أن أطلب متمّماً غذائياً كي يمشي الطلب». لم يستطع هذا الأخير الرفض «بسبب الحاجة إلى تلك الأدوية، ولذلك فرض عليّ علبتين من هذا المتمّم رغم أني أكيد لن أنجح في تسويقه»، على ما يقول. ومن الجدير ذكره هنا أن الكمية التي يجبر الصيدلي على شرائها تتعلق بقيمة الطلبية، فكلما ازدادت أصناف الطلبية وكلفتها، زادت «سلّة الهدايا»، أي «أن فاتورة الثمانية ملايين قد يفرض عليها أربع علبٍ من المتمّم الغذائي، وهكذا».
أما من يرفض؟ فلا طلبيات. وهذا ما حدث مع صيدلي آخر حرم من طلبية «150 علبة دواء لمرضى الأعصاب لأنني رفضت تحمل كلفة دواء لعلاج التهاب اللوزتين والبالغ سعره 170 ألف ليرة». وكانت تلك مشقة كبيرة، خصوصاً أن هذا الصيدلي يشتري تلك الأدوية مرتين سنوياً بناء على إذن من وزارة الصحة. ولأن المستورد رفض تسليمه طلبيته، كان عليه البحث عن مصادر بديلة لتأمين علاجات زبائنه من المرضى، مع ما يعنيه ذلك من تأخير و»البدء من الصفر مع شركة أخرى».
قبل ذلك، كان الصيدلي نفسه قد واجه مع شركة أخرى الأزمة نفسها، حيث ألغي طلبه بسبب رفضه شراء دواء «لا يمكن تسويقه خصوصاً أن فترة صلاحيته تبلغ فقط 3 أشهر». وأكثر من ذلك، يشير عدد من الصيادلة إلى أن الشركات تعمد إلى تسليم الصيدليات أدوية بتواريخ صلاحية قريبة، وجزء منها تأتي «الهدايا». والسؤال هنا: ماذا يعني ذلك؟ فهل كانت تحتكرها الشركات في مستودعاتها وعندما اقتربت من نهاية صلاحيتها عمدت إلى توزيعها؟
أسوأ ما في الأمر أن هذه الأدوية التي تعمد اليوم الشركات لتسليمها إلى الصيدليات أو تجبرهم على شرائها بتلك التواريخ من الصلاحية، كانت تستردها سابقاً تمهيداً لإعادتها إلى الشركة الأم… لتلفها!
يحدث ذلك في الوقت الذي تصرف فيه الشركات «الطلبيات وفق ما ترتأيه، بالتقطير حبة أو حبتين من كل صنف»، يشير صيدلي آخر. فيما يربط آخرون، أخيراً، تسليم الطلبيات «ريثما تعدّل وزارة الصحة العامة مؤشر الأسعار»، إذ لا يزال حتى اليوم على أساس سعر عشرين ألفاً و800 ليرة لبنانية، و«هيدي ما بتوفي بالنسبة لهم، مع ارتفاع الدولار». أما الأنكى من ذلك، فهو توجه بعض الشركات لاستيفاء بدل الفواتير مباشرة عند التسليم، «وأحياناً قبل تسليم الطلبية»!