خضر حسان – المدن
الثابت في أزمة البنزين هي اشتراكها مع كل الأزمات في قاعدة واحدة، وهي حَجب المواد ثم تقنينها والتهويل بالتصعيد، وبعدها حلّ جزئي يمهّد للمطلب النهائي. وهو في هذه الحالة، دولرة الأسعار.
وهذه القاعدة يُعمَل بها منذ أكثر من سنة، وتصاعدت مع بداية العام الجاري، وصولاً إلى النقاش الجدّي حول بيع البنزين بالدولار. ولأن الأمور لم تُحسَم بعد، عادت الطوابير والغالونات إلى المحطات، رغم قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي صَدَرَ بهدف تهدئة الأزمة.
الدولار هو الحل
علّة الشركات المستوردة للنفط هي التحرّك المستمر لسعر الدولار بصورة تعجز معها عن تأمين السعر المناسب. فالبيع بالليرة يحمّل الشركات خسائر مزدوجة جرّاء تبديل الليرة بالدولار على سعر صيرفة، والارتفاع المتواصل للدولار في السوق يخفّض قيمة المبالغ المجباة والموضوعة في المصارف، تمهيداً لتحويلها دولارات بسعر المنصة.
حاولت الحكومة إيجاد مخرجٍ يطمئن الشركات ويدفعها للعودة عن قرارها بوقف تسليم البنزين للمحطات، فتجاوَبَ حاكم المصرف المركزي مع الحكومة وأصدر قراراً بتثبيت سعر الدولار المعتمد لاستيراد البنزين على 22200 ليرة، بغض النظر عن تقلّب سعر صيرفة.
السعر صالح لغاية مساء يوم الثلاثاء 29 آذار. ما يجعل الثبات عملية مرحلية مؤقّتة لا يُعرَف ما يليها. وبالنسبة للشركات المستوردة، التثبيت بهذه الطريقة غير مجدٍ على المدى الطويل، لأن الأزمة لم تُحَل فعلياً. والعلاج الشافي هو دولرة الأسعار.
الطوابير والغالونات
سلَّمَت الشركات البنزين للمحطات، فاصطفّت السيارات واختلف التجاوب معها بين محطات قنَّنَت التوزيع وأخرى لبَّت الطلب كاملاً. ولم تغب الغالونات عن المشهد، ما يعني تمهيد الطريق للسوق السوداء. ومع ذلك، قد تتباطأ قليلاً عملية افتتاح السوق لأن “تثبيت السعر من قِبَل الحاكم يعني تهدئة الأسعار وتأمين البنزين بانتظار صدور الجدول التالي لتركيب الأسعار. فالثبات يعطي ضمانة للمستوردين لصرف أموالهم وفق سعر محدد”، حسب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس، الذي أكّد لـ”المدن” أن الحل المطروح “جزئي، لكنه يساهم في خفض حدّة الأزمة”، وهذا ما شهده السوق يوم السبت، إذ سلّمت بعض الشركات البنزين رغم اعتبار اليوم يوم عطلة.
الآلية الجديدة ستثبّت سعر الدولار من جدول لآخر، ما يعني أن على الحاكم إصدار سعر جديد كل يومين تقريباً “على أن يتبع السعر تقلّبات أسعار النفط عالمياً، بالاضافة إلى سعر منصة صيرفة”. وعلى هذا النحو، سيراقب المواطن تحرّك أسهم بورصة البنزين بين الداخل والخارج لمعرفة ما سينتظره على المحطات.
أجَّلَت الحكومة ومصرف لبنان اشتباكاً كبيراً كان منتظراً منذ أيام، عماده الدولار، ويطال المستوردين ومصرف لبنان والمحطات وزبائنها. والتأجيل يُستَتبَع بإعطاء الحاكم جرعات تخدير متواصلة إلى ما بعد شهرين.
في أثناء ذلك، يستمر القلق بين أركان القطاع واللبنانيين على حدٍّ سواء، كلٌّ بحسب موقعه ومصلحته، ما ينعكس تقنيناً في الكميات التي تسلّمها الشركات للمحطات، التي بدورها ستقنّن البيع للزبائن، الذين سيسارعون للبحث عن البنزين بسياراتهم وغالوناتهم، من دون أفق للحل القريب.
علماً أن عدداً قليلاً من المحطات حاول تقاضي ثمن البنزين بالدولار، فيما تحرّكت القوى الأمنية في بعض المناطق لمنع تخزين الكميات، أو رفع أسعارها بما لا يتوافق مع جدول تركيب الأسعار.