عزة الحاج حسن – المدن
بعد أقل من شهر على فوز شركة GMI في مناقصة تلزيم إدارة برنامج الاستشفاء في نقابة المهندسين للفترة الممتدة من 1/3/2022 إلى 28/2/2023 ضمناً، بعد معركة شرسة مع شركة Medgulf، تفجّرت “فضيحة” اختلاس في شركة Next care، وهي الشركة التي تُدير المحافظ الاستشفائية لشركات التأمين، ومنها GMI. بمعنى آخر الفضيجة التي جرى تفجيرها مؤخراً طالت الشركة الفائزة بعقد نقابة المهندسين. وهو العقد التأميني الأكبر على الإطلاق في تاريخ لبنان. فما صحة الحديث عن عملية اختلاس ضخمة في شركة Next care؟ وهل لشركة Medgulf علاقة بالأمر؟ وهل سيتحرّك القضاء؟
تفاصيل الفضيحة
الفضيحة التي تم الترويج لوقائعها المُفترضة عبر وثيقة مكتوبة، مجهولة المصدر (مستند مرفق)، ترتبط بالأموال المخصصة لتغطية نفقات استشفائية للاجئين السوريين من قبل منظمة شؤون اللاجئين UNHCR. وتكشف الوثيقة حسب ادعاء مروّجها، بالأسماء، عملية اختلاس قام بها مدير عام شركة nextcare جهاد فليحان وشركاء آخرون، مبلغًا ماليًا يقدّر بـ61 مليون دولار كانت UNHCR قد قامت بتحويله لدفع تكاليف طبابة السورييين في لبنان، منذ ثورة 17 تشرين وحتى اليوم. وتدّعي الوثيقة أن الأموال الفريش لا تصل إلى وجهتها، أي إلى المستشفيات التي قامت بأعمال الاستشفاء للاجئين السوريين. فقد تم استبدال الأموال الـ fresh بتحاويل للمستشفيات بالليرة اللبنانية محتسبة سعر صرف الدولار عند 1500 ليرة في الفترة الأولى، ثم باللولار (3900 ليرة ثم 8000 ليرة) لاحقاً، في حين يدخل فارق التسعيرتين في جيب جهاد فليحان وشركائه.
“لا دخان من دون نار”، هذه العبارة ردّدها أكثر من مصدر في شركات تأمين عاملة في لبنان، ومنهم من ألمح إلى وجود شبهات حول عدد من الأسماء الواردة في الوثيقة: “فضيحة”، لكن أياً من المصادر لم يؤكد أي من المخالفات الواردة بحق nextcare. وحدها فكرة المنافسة بين الشركات تقاطعت حولها الآراء، ومن المصادر من أشار إلى أكثر الشركات تضرراً من اتساع سوق nextcare في لبنان على حساب حجم سوقها، وهي شركة Medgulf.
بين المستشفيات والـ UNHCR
فضيحة nextcare ترتبط بشكل أساسي بطرفي عملية الاختلاس المُفترضة: المستشفيات الخاصة وUNHCR المفوضية العليا للاجئين، وهي الجهة التي تقوم بتغطية نفقات الاستشفاء للاجئين السوريين بدفع ملايين الدولارات النقدية (fresh) سنوياً. ولأن شركة nextcare تقوم سنوياً بتحويل المبالغ المستحقة من مفوضية اللاجئين بالدولار إلى المستشفيات مقابل طبابة اللاجئين السوريين، فذلك يعني أن الشكوى الأولى يجب أن تصدر عن المستشفيات التي لم تتقاضى الدولارات الفريش من الشركة.
غير أن المستشفيات لم يصدر عنها أي شكوى بهذا الإطار، وقد أكد نقيب المستشفيات سليمان هارون في حديث إلى “المدن” أن الشركة قدمت له مستندات تثبت سدادها تكلفة استشفاء النازحين السوريين بالدولار الفريش، موضحاً أنه لم يتلق أي شكوى من أي مستشفى بخصوص تكلفة استشفاء اللاجئين، متجاهلاً بالتالي الوثيقة المسربة عن فضيحة Nextcare.
أما موقف UNHCR، وهي الطرف الثاني المرتبط بعملية اختلاس مدير Nextcare حسب ادعاءات الوثيقة، فقد أوضحت المتحدثة الرسمية لدى مفوضية اللاجئين في لبنان UNHCR دلال حرب في حديث إلى “المدن” أن المفوضية تأخذ ادعاءات الاحتيال على محمل الجد وتتخذ جميع الإجراءات اللازمة، وفقًا لقواعدها وأحكامها الداخلية. وقالت:”عندما تتلقى المفوضية دعاوى احتيال، يتم إحالة هذه المطالبات على الفور إلى موظفي المفوضية والقنوات المناسبة، ونعمل على ضمان المبادئ الأساسية للخدمات التي تشمل المنافسة الفعالة وأفضل قيمة مقابل المال والشفافية والنزاهة، فالشفافية هي التزام أساسي للمفوضية”.
وأكدت حرب أن المفوضية تتبع نهج عدم التسامح المطلق مع الاحتيال، وأي عمل استغلالي قد يعيق المساعدة ويهدد سلامة اللاجئين واللبنانيين الذين هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة.
تحقيقات من دون قضية
بصرف النظر عن نفي الشركة المعنية كل ما ورد في الوثيقة، وبعيداً عن تزايد الشكوك حول ضلوع شركة منافسة بالفضيحة، يجدر بالجهات الرقابية والمختصة أن تفتح تحقيقاً بالأمر. ألا تُعد الوثيقة إخباراً؟ وهل ستحرّك القضاء للتحقق من صحتها أو فبركتها، لاسيما أنها تطال مئات الآلاف من اللاجئين؟
لا تخضع شركة nextcare لمراقبة لجنة مراقبة هيئات الضمان التابعة لوزارة الاقتصاد، وعليه لم تتحرّك اللجنة، ووفق ما أكد رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان بالإنابة إيلي معلوف في حديث إلى “المدن”، الملف بات في القضاء المالي، إذ أن الشركة حسب معلوف هي شركة إدارة مطالبات أو إدارة مخاطر تأمينية وليست شركة تأمين.
إذا بناء على تأكيد رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان من المُفترض أن تكون قضية nextcare في القضاء المالي، غير أن المفارقة أن النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم أكد بدوره لـ”المدن” أن ملف nextcare لم يصل إلى مكتبه.
وهذا يعني أن الملف لم يُحل إلى القضاء إنما اقتصر التدقيق به من قبل وزارة الاقتصاد وليس اللجنة، حسب مصدر في الوزارة، فالأخيرة تحرّكت في اتجاه التحقيق بالملف على أساس اعتبار ما تم الترويج له إخباراً، “لكنها لم تُحِل الملف إلى القضاء”، حسب المصدر.
تحقيقات في الكواليس
لا يمكن أن تمر قضية اختلاس كهذه من دون التدقيق بصحتها وصدقية مروّجيها، ولكن تجنّباً لأي لغط وحرصاً على سمعة الشركة وما يرتبط بها من منظمات ومؤسسات محلية ودولية، يتم العمل على التدقيق بالملف في الكواليس. حتى أن أكثر من جهة تسعى إلى التحقق من الوثيقة إما بتصديقها واتخاذ إجراءات على ضوئها، أو بنفيها بشكل قاطع. ويؤكد مصدر في قطاع التأمين في حديث إلى “المدن” أن المتهم بعملية الاختلاس جمال فليحان عاد من دبي إلى بيروت بعد انتشار الوثيقة والترويج لها، ورفع دعوى قدح وذم بحق كل من يثبته التحقيق.
وإذ يستنتج المصدر بأن مَن روج للفضيحة إما موظف أو إداري بشركة nextcare أو أنه متعاون مع أحد من الشركة، يلفت إلى أن المتضررين من الشركة كثر، وأكثرهم تضرراً من nextcare هي الشركة المنافسة لها أي Medgulf. فالشركة المذكورة، تعد المنافس الأول لشركة nextcare في مجمل السوق اللبنانية، خصوصاً بعد فض مناقصة المهندسين لصالح شركة GMI وهي شركة تأمين تتولى إدارة محفظتها الاستشفائية شركة Nextcare. بمعنى آخر تتولى شركة Nextcare العقد التأميني لنقابة المهندسين، وهو العقد الأكبر في تاريخ لبنان وتبلغ قيمته نحو 60 مليون دولار وهو يغطي آلاف المهندسين وعائلاتهم.
لا وقائع ثابتة حتى اللحظة تؤكد ضلوع شركة ميدغلف في عملية الترويج لفضيحة الاختلاس في nextcare. لكن شهادات أبناء القطاع في أكثر من شركة تأمين تشير بأصابع الإتهام إليها. فالشركة، أي ميدغلف، تضررت على مر السنوات من توسّع نطاق شركة nextcare على حساب حصتها السوقية حتى بلغت الأخيرة مرتبة الشركة الأولى في لبنان، بعد أن كانت الأولية من نصيب ميدغلف.
وتوّجت سباقها على الفوز بالمناقصات وإبرام العقود، في نقابة المهندسين، حيث دارت حرب شرسة بين الشركتين انتهت بفوز GMI/ Nextcare (شركة التأمين GMI وشركة الإدارة Nextcare) على الرغم من السعي الدؤوب من قبل شركة ميدغلف وممارستها الضغوط على النقابة لإبرام العقد معها.
من هنا يعتقد متابعو ملف التأمين أن “حرق” اسم مدير شركة Nextcare جهاد فليحان حالياً، بصرف النظر عما إذا ثبت تورطه بعملية الاختلاس أم لا، قد يعزّز حظوظ شركة ميدغلف بإبرام عقود جديدة، ومنها في نقابة المهندسين العام المقبل، وسائر النقابات، مع التأكيد على عدم ثبوت تورط ميدغلف بالوثيقة- الفضيحة.