كتب خالد ابوشقرا- نداء الوطن :أصاب إنفجار المرفأ أسس الهيئات الإقتصادية بخلل، وأظهر إنشقاقاً بين صفوفها المتراصة. فعلى خلفية الدفاع عن حقوق المتضررين المؤمّنين تعاظم الخلاف بين الهيئات الاقتصادية من جهة، التي اتفقت بمعظمها على مسك الملف واستقدام شركة أجنبية للتوسط في تحصيل تعويضات المؤمّنين وتأمين حقوقهم. وشركات التأمين من الجهة الأخرى التي تعيد أسباب الهجمة المفاجئة عليها إلى “غاية في نفس يعقوب” أبعد ما تكون عن تحصيل حقوق المضمونين.
بدأت الهيئات الإقتصادية بعد نحو أسبوعين من إنفجار المرفأ بمناقشة شركات التأمين بشأن تغطية الأضرار بشكل حبي. حينها اعتبر رئيسها الوزير السابق محمد شقير في لقاء مع رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان إيلي طربية، ان “جمعية شركات الضمان تعتبر ركناً أساسياً من أركان الهيئات الاقتصادية، وقد أبدت كل تجاوب وانفتاح للإجابة على كل التساؤلات”. لتعود الأمور من بعدها لأخذ مسار تصعيدي وصل إلى حد إتهام شقير الجمعية بمحاولة تغطية “السموات بالقبوات”، وبانّ “الهيئات – ما عدا جمعية شركات الضمان التي تغيبت – اتّخذت قراراً بالإجماع بدعم وتبنّي مبادرة غرفة بيروت وجبل لبنان لتحصيل حقوق المتضرّرين مِن شركات التأمين كاملة”. وتمّ إطلاق إتفاقية تعاون مع شركة إستشارية إيطالية لتلعب دور الوسيط بين المضمونين والشركات الضامنة.
شركات التأمين لن تعترف بأي طرف جديد
بغض النظر عن طريقة عمل هذه الشركة وكلفتها ومن سيتحملها فهي “لن تكون ذات نفع. وستعقّد الأمور أكثر”، برأي طربية. “وقد أعلنت شركات التأمين مجتمعة أنها لن تتعامل معها من منطلق أنها شركة غير مرخصة للعمل في لبنان. وإذا كان لها ممثل قانوني فلا وجود لممثل تقني رسمي. كما انه من الجهة الأخرى لا يوجد أي خلاف بين الشركات والمضمونين. ونحن لا نتهرب من التعويض عن الأضرار وقد دفعنا لغاية الآن بوالص استشفاء وحوادث ووفاة ناتجة عن إنفجار المرفأ بقيمة 10 ملايين دولار. وكل ما نطلبه هو صدور تقرير رسمي يحدد أسباب الإنفجار كي نرفعه إلى شركات إعادة التأمين ليبدأ من بعدها دفع بقية الاموال”. ويسأل طربية: “من سيمثل الشركة في المحاكم ويكون شاهدها في حال وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ فالشركة ليست مرخصة من وزارة الإقتصاد واسمها غير مدرج في السجل التجاري، وليست مسجلة كفرع لشركة اجنبية. وهي في جميع الحالات لم تأت إلا عندما وقع الضرر. فلماذا لم تكن موجودة سابقاً؟ وبحسب طربية فانه “لا علاقة لشركات التأمين بها ولا الجمعية استقدمتها ولا شركات إعادة التأمين طالبت بها. وان دخولها كطرف خامس يضاف إلى الخبير وشركات التأمين وإعادة التأمين والمضمون، سيطيل فترة التفاوض”.
الشركة “الحَكَم”
بحسب المعلومات فان الشركة الايطالية ستلعب دور الحكم أو الموجه بالنسبة للمؤمنين الذين يواجهون مشاكل قانونية مع شركاتهم فقط، وذلك من بعد صدور التقرير النهائي لسبب الإنفجار وبدء عملية التعويضات. ولن يكون لها أي دور قبل ذلك. وهي لم تكن لتستدعى لولا وجود عدة معطيات تتمثل في: – إنتهاء فترة خدمة رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان. – عدم تقديم شركات التأمين أجوبة شافية عن الأسئلة والاستفسارات التي تتعلق بكيفية دفع التعويضات، إن كانت بـ الفريش دولار ام بالشيكات. وكم يبلغ حجم العقود التي تخلفت الشركات اللبنانية عن إعادة تأمينها في الخارج. – وجود مخاوف عند الكثير من المؤمّنين سواء كانوا مؤسسات تجارية او سياحية أو أفراداً، من أن تتهرب بعض شركات التأمين من دفع البوالص أو احتسابها بطريقة غير عادلة، خصوصاً ان هناك عشرات الشركات – نحو 60 شركة- تعمل في لبنان، قلة منها مصنفة فئة (أ). وبالتالي إذا كانت هناك شكوك عند أحد المضمونين فبامكانه أخذ مشورة خبراء الشركة مجاناً. وذلك من دون أن يكون للشركة أي علاقة بالتفاوض أو التنسيق أو المرافعة مع شركات التأمين بشكل مباشر. حيث سيقتصر عملها في إبداء المشورة والنصح بالنسبة للمؤمن في بادئ الأمر.
جوهر الخلاف
إتفاق الجانبين على أن العمل الفعلي يبدأ عند صدور القرار النهائي والرسمي بأسباب الإنفجار، لا يعني غياب الخلافات. ففي حين يقدّر البعض الخسائر المؤمّنة بأكثر من 3 مليارات دولار، يعتبر طربية ان “مجمل الأضرار التي نتوقعها بكل فروع التأمين تقدر بحوالى 1250 مليون دولار بما فيها التأمين البحري، أي الأمور المادية المؤمنة في المرفأ. 10 في المئة فقط من العقود تعود إلى المساكن المتضررة”. وبرأيه، فإن هذا التقدير يعتبر كشفاً عمومياً. ولم يتم الغوص بعد في تفاصيل عقود التأمين وما إذا كانت بوالص هذه المباني تغطي سبب الانفجار. وعندما يحين موعد الدفع سيتم التأكد من شروط البوالص وما إذا كان سبب الانفجار مستثنى من البوليصة أم مغطى.
أما عن كيفية تسديد المبالغ وبأي عملة (كاش دولار، أو شيكات) فيقول طربية: “إننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة وهي رهن بطريقة دفع شركات إعادة التأمين في الخارج بعد إعلان النتائج الرسمية ورفع التقارير. وكل ما يحكى عن بوالص غير معاد تأمينها بقيمة 500 مليون دولار غير صحيح، بشهادة تقرير “لجنة مراقبة هيئات الضمان” الذي صدر منذ يومين، ويُظهر ان 50 في المئة من “الحوادث” أعيد تأمينها من ضمن اتفاقيات إعادة التأمين، و50 في المئة المتبقية معاد تأمينها من خارج إتفاقيات إعادة التأمين مع معيدي تأمين أجانب.
البدلات السنوية لمعيدي التأمين
مصادر شركات التأمين تردّ اللغط الحاصل على “عدم قيامها باعادة تأمين البوالص مع الشركات العالمية” إلى عدم تسديدها بدلاتها السنوية عن الأعوام 2019 و2020 بسبب احتجاز المصارف لأموالها، واستمرار تقاضيها بدلات بوالص التأمين على 1500 ليرة. إلا ان هذا لا يعني “غياب التغطية”. فشركات إعادة التأمين لم تلغِ الاتفاقيات بسبب العلاقة الجيدة معها وقد جددت العقود على أمل الحصول على اموالها. وبحسب طربية فان “إنفجار المرفأ شكل فرصة لها لحسم مستحقاتها على شركات التأمين اللبنانية، قبل تسديد كلفة الحوادث. إلا ان مجمل هذه المبالغ لن تتعدى برأيه “الـ 200 مليون دولار ستتحملها شركات التأمين من حساباتها في المصارف ولن تحمّل إلى الزبائن. وبالتالي فان القسم الأكبر من قيمة البوالص المؤمنة سيدفع من الأموال التي تأتي من الخارج أي “دولارات طازجة”، والباقي عبر شيكات مصرفية من حسابات شركات التأمين. إذا كان “الفقار يولّد النقار” فان إستهتار الدولة وعجزها الفاضح عن تحديد أسباب الإنفجار وإصدار التقرير النهائي لغاية الآن، أدى إلى شرخ في الهيئات ووضع كل المواقف في دائرة الاتهام. والأهم انه فوت على آلاف المضمونين فرصة الحصول على حقوقهم واستئناف حياتهم بشكل طبيعي. هذا إذا سلمنا جدلاً أن الحادث عرضيّ ولم ينتج عن عمل إرهابي!