السبت, نوفمبر 23
Banner

الكابيتال كونترول يُحوّل اقتصاد لبنان الحرّ إلى اقتصاد اشتراكي خلافا ‏للدستور

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : لا رغبة للسلطة السياسية في حلّ الأزمة اللبنانية، وهذا واضح من تقاعس السلطة عن اتخاذ أي إجراء ‏إنقاذي منذ بدء الأزمة في العام 2019. هذا القول ليس بتجنٍّ على السلطة، بل هو مبني على استنتاج من ‏أداء هذه السلطة على مدار الأشهر الممتدّة من آب العام 2019 إلى يومنا هذا. حياة اللبناني تحوّلت من ‏نعيم إلى جهنّم، حيث أصبحت الأسعار الملتهبة تأكل أجره الشهري في خلال عدة أيام! فبين فاتورة المولّد ‏التي أصبحت بملايين الليرات، وسعر صفيحة البنزين الذي وصل إلى نصف مليون ليرة، وأسعار ‏السوبرماركات التي تحرق المدخول مع عدّة ملايين شهريًا، والأقساط المدرسية التي بدأت بعض ‏المدارس تقبضها بالدولار الأميركي… وغيرها، أصبح المواطن اللبناني يعيش حياة شبيهة بمواطني الدول ‏الأكثر فقراً بالعالم، بعدما كان يعيش حياة شبيهة بدول أوروبا بسبب أداء سلطة سياسية فضّلت مصالحها ‏الخاصة على مصالح شعبها وحوّلت لبنان من سويسرا الشرق إلى زيمبابوي الشرق!‏

مجزرة الكابيتال كونترول

إنها النسخة رقم عشرة من مشروع قانون الكابيتال كونترول والتي من المفروض أن تدرسها لجنة المال ‏والموازنة بعد أن أقرّتها الحكومة اللبنانية في اجتماعها الأسبوع الماضي. هذه النسخة يمكن وصفها ‏باللعنة على الاقتصاد اللبناني، إذ ستحوّله إلى اقتصاد موجّه قريب من الاقتصادات الشيوعية! فمنع خروج ‏رؤوس الأموال بهذه الطريقة وعلى مدى عامين قابلين للتجديد، وفي غياب أي اتفاق مع صندوق النقد ‏الدولي ستقضي على أي أمل في دخول رؤوس أموال جديدة إلى لبنان وهو الذي بنى اقتصاده وقطاعه ‏المصرفي على توافد رؤوس الأموال منذ نكبة الـ 48 وحتى العام 2019! فالبداية كانت مع الفلسطينيين ‏بعد النكبة، إذ حوّلوا رؤوس أموالهم إلى لبنان، تلاها بعد ذلك تحويل البترو-دولار العربي إلى لبنان في ‏الستينات وتحاويل المغتربين اللبنانيين التي بدأت في أواخر الستينات، والأموال الخليجية في تسعينات ‏القرن الماضي وبعد عدوان تمّوز 2006… هذه التحاويل هي التي جعلت من لبنان ما كان عليه وجعلت ‏أهله يعيشون في نعيم وراحة توازي الدول المتطوّرة حيث كان يصنّف لبنان في أعلى مصاف الدول ذات ‏الدخل المتوسّط.‏

اليوم وبعد ثلاثين عاما على أداء سياسي واقتصادي مبني على المحاصصة والفساد، أصبح اللبناني في ‏خبر كان مع عدم قدرته على شراء المواد الأولية التي يحتاج اليها ليعيش بأدنى مستويات الحياة. ومع ‏قانون الكابيتال كونترول المطروح ومن دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيتحوّل لبنان إلى اقتصاد ‏اشتراكي – شيوعي مع قرصنة واضحة لأموال الناس القابعة في المصارف، والنتيجة الحتمية ستكون ‏صفر تحويلات إلى لبنان! الانكماش الذي سيحصل نتيجة هذا الأمر مرعب، وسيكون هناك مجاعة حتمية ‏مع اعتماد لبنان في المرحلة المقبلة على المساعدات الأممية ومساعدات بعض الدول لسدّ حاجاته من ‏الأكل والمحروقات والأدوية!‏

قانون الكابيتال كونترول له هدفان رئيسيان: الأول يتمثّل في أنه شرط أساسي لأي اتفاق مع صندوق النقد ‏الدولي حيث يريد هذا الأخير ضمان أن ما سيضخه في لبنان من أموال ستبقى في لبنان ولن تتحوّل إلى ‏حسابات في سويسرا وغيرها من البلدان، والثاني سحب الاستنسابية بحق المودعين من قبل المصارف ‏حيث تكون المساواة بين المودعين مضمونة قانونا.‏

في ما يخصّ الشق الأول أي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، هناك شبه تأكيد أن السلطة السياسية غير ‏راغبة (أو لا تريد) بإبرام أي اتفاق مع الصندوق نظرًا إلى ما في ذلك من التزامات غير قادرة (أو غير ‏راغبة) على تنفيذها، وعلى رأسها إصلاحات في قطاع الكهرباء، وبالتحديد تعيين الهيئة الناظمة. وبالتالي ‏فإن قانون الكابيتال كونترول سيطبق على مدّة سنتين قابلة للتجديد من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي ‏وستكون نتائجه كارثية على لبنان واللبنانيين!‏

في ما يخصّ الشق الثاني أي سحب الإستنسابية من قبل المصارف بحق المودعين، يكفي على الحكومة ‏أخذ قرار على هذا الصعيد نظرًا إلى أن الكابيتال كونترول مُطبّق على الأرض من قبل المصارف، ‏وبالتالي أي استفادة من إقراره في قانون؟ والأصعب في ذلك أن هذا الموضوع أصبح مادة تجاذب ‏انتخابية بين القوى السياسية التي تزايد في الإعلام لتجذب الأصوات الانتخابية في حين أن هذه القوى لا ‏تريد أو لا تستطيع القيام بما يلزم لإخراج لبنان من أزمته الحالية.‏

وبالتالي نستنتج أن إقرار قانون الكابيتال كونترول بصيغته الحالية ومن دون اتفاق مع صندوق النقد ‏الدولي، سيحوّل لبنان إلى زيمبابوي الشرق مع تفشّي الفقر والجريمة وكل ذلك بسبب صراع القوى ‏السياسية على المناصب.‏

الكابيتال كونترول القضائي

وكأن كل هذا لا يكفي لتأتي القرارات القضائية وتمنع تحويل الأموال إلى الخارج على أكبر 6 مصارف ‏في لبنان. وهذا ليس دفاعًا لا من قريب ولا بعيد عن المصارف، بل دفاع عن مصلحة المواطن حيث إن ‏مثل هذا الإجراء يؤدّي إلى ضرب الاستيراد ومصالح الناس التي تتألم في ظل أداء سياسي ظالم! هذا ‏الكابيتال كونترول القانوني هو إجراء مخالف للدستور على شاكلة الكابيتال كونترول القانوني الذي ينوي ‏المجلس النيابي إقراره، وحتى على الرغم من إبطاله من قبل القضاء نفسه، إلا أن حدوث مثل هذا القرار ‏يدل على اليد السياسية الطويلة التي تريد أن تعيث الخراب في لبنان.‏

المفاوضات مع صندوق النقد

الفريق الحكومي الذي يفاوض صندوق النقد الدولي قادر على التوصّل إلى اتفاق في مهلة أسبوع لا أكثر، ‏لكن العائق الأساسي يأتي من قبل القوى السياسية الممثّلة في الحكومة وفي المجلس النيابي والتي تختلق ‏في كل مرّة مادة خلافية لتطيير أي مشروع أو اقتراح إصلاحي.‏

مثلًا في ملف الكهرباء الذي كلّف خزينة الدولة أكثر من 45 مليار دولار أميركي ويشكّل المطلب ‏الإصلاحي الأول لصندوق النقد الدولي، ترفض بعض القوى السياسية تعيين هيئة ناظمة للقطاع وذلك ‏بسبب رغبة هذه القوى الإستمرار في وضع اليد على مرفق يُعتبر من الأكثر فسادًا وهدرًا للمال العام. ‏وللتذكير، فإن الهدف من الهيئة الناظمة في هذا القطاع أو أي قطاع اخر (مثل قطاع الإتصالات) تكمن ‏في رفع يد السياسيين عن القطاع وبالتالي لجم صلاحيات الوزير (الوزراء) الذي وقّع على سلفات الخزينة ‏إلى قطاع لا نعلم أي أهدر ما يوازي نصف الدين العام!‏

والمشكلة أبعد من ذلك، إذ ان السلفات التي مضى عليها الوزراء والحكومات المتعاقبة، كانت غير قابلة ‏للإسترداد نظريًا وعمليًا. نظريًا لأن بعض المسؤولين يقولون ان هذه الأموال التي أخذتها مؤسسة كهرباء ‏لبنان لم تكن سلفات بل كانت مساهمات من قبل الدولة، وبالتالي تُعفى المؤسسة من ردها إلى الخزينة ‏العامة. بالطبع هذا الأمر غير صحيح نظرًا إلى أن قوانين الموازنات المُقرّة على مر السنين لحظت بكل ‏وضوح عبارة “سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان” وبالتالي أي بدعة قانونية يقومون بختراعها، هدفها عدم ‏التدقيق في مصير هذه السلفات! أما عمليًا، فالكل يعلم أن مؤسسة فاشلة كمؤسسة كهرباء لبنان عاجزة كل ‏العجز عن سدّ هذه السلفات نظرًا إلى غياب أي إجراءات تصحيحية داخلها وذلك من تسعينات القرن ‏الماضي وحتى يومنا هذا.‏

وماذا نقول عن الإصلاحات في قطاع الإتصالات التي يعمد وزيرها إلى رفع التعرفة على اللبنانيين في ‏الأول من حزيران المقبل حيث سيتم ضرب الفاتورة بخمسة أضعاف وهو ما سيشكّل ضربة إضافية ‏للمواطن اللبناني القابع تحت ثقل العبء المعيشي. وبالنظر إلى الحجج التي يستخدمها الوزير أي ارتفاع ‏أسعار المحروقات وأسعار قطع الغيار التي تُسعّر بالدولار الأميركي، نرى أن هذه الحجج تُعدّ إدانة لقطاع ‏الإتصالات والقيمين عليه من ناحية أن مؤسسة مثل مؤسسة أوجيرو تدفع كل يوم 60 ألف دولار أميركي ‏لشراء المازوت لتشغيل محطاتها! ألم يخطر ببال هؤلاء القيمين أن يقوموا بمشاريع تغذية لهذه المحطات ‏من الطاقة الشمسية مثلاً؟

وماذا عن التهريب الذي يقوم به التجّار سواء إلى داخل أو خارج لبنان؟ هل تشابك المصالح القائم بينهم ‏وبين أصحاب النفوذ سيسمح بمنع هذا التهريب؟ الجواب بالطبع كلا نظرًا إلى أن القوى السياسية التي ‏تتغذى من الكهرباء والإتصالات والتهريب، لن تقطع باب رزقها بيدها!!‏

المواطن في مهبّ الريح

في هذا الوقت تستمر الأزمة الروسية – الأوكرانية بإلقاء تداعياتها على المواطن اللبناني عبر ارتفاع كبير ‏في أسعار النفط العالمية وأسعار السلع والمواد الغذائية. وتبقى أزمة القمح والزيوت هي الأكثر بروزًا مع ‏عجز فاضح من قبل المسؤولين عن تأمين حاجات لبنان من هذه المواد. ففي تصريح له، قال وزير ‏الإقتصاد والتجارة ان القمح متوافر لمدة ستة أشهر وهو ما كذبته الهيئات الإقتصادية في اليوم التالي حين ‏صرّحت أن مخزون القمح لا يكفي أكثر من عشرين يومًا! فمن يجب أن نصدّق؟ إذا إعتبرنا أن تصريح ‏الوزير هو الصحيح، هل يمكن للوزير أن يقول لنا أين يوجد هذا القمح؟ أين يتم تخزينه؟ مع العلم أن ‏مخزون المطاحن والأفران لا يكفي لتخزين أكثر من بضعة أسابيع؟

على كل الأحوال، المواطن اللبناني متروك لأمره وهو يواجه ما يواجهه من صعوبات وحده من دون أي ‏تحمّل للمسؤولية من قبل الدولة. فهل يُعقل أن كل التجار أصبحوا يطلبون الدفع بالكاش وفي الوقت نفسه ‏لا يستطيع المواطن سحب حاجاته من المصارف؟ كيف يمكن له دفع مستحقاته؟ بالفعل إنه الاستهتار ‏الكامل بالمواطن الذي ائتمن نخبة لتدير مصالحه، فها هي تهتم بمصالحها على حساب مصالحه وتُحمّل ‏مسؤولية هدر 104 مليار دولار دين عام لمصرف لبنان وحاكمه وتريد من المودعين دفع هذه الفاتورة!!‏

Leave A Reply