كتبت عزة الحاج حسن – المدن : لا يكاد يمر أسبوع إلا وتضبط فيه الأجهزة الأمنية في مطار بيروت كميات من الأدوية المدعومة، قبل تهريبها إلى مصر أو العراق أو ليبيا ودول أخرى. منذ أشهر وأزمة شح الأدوية في لبنان تتفاقم، وعمليات الدهم والتوقيفات مستمرة. لكننا لم نشهد توقيف أي من تجار الأدوية أو مستورديها أو مخزنيها أو حتى من الصيادلة. أليست تلك الأدوية المُراد تهريبها من المطار خارجة من أحد المستودعات أو بعلم أحد المستوردين أو الصيادلة؟
غالباً ما يستند الحديث عن أزمة شح الأدوية ومسبباتها إلى ذريعة تهافت المواطنين على الشراء، الأمر الذي بات يثير الشكوك حول مروّجي هذه الذريعة، لتغطية الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انقطاع عشرات الأصناف من الأدوية، ألا وهي التهريب والتخزين. والسؤال، لماذا يجري تهريب الأدوية من لبنان إلى دول محدّدة كمصر والعراق على وجه الخصوص؟
وجهات التهريب والأصناف
أحبطت الأجهزة الأمنية في المطار مؤخراً العديد من عمليات تهريب الأدوية من لبنان إلى مصر والعراق. اختلفت الأساليب بين إخفائها داخل مكبّر للصوت، أو تعبئتها في علب الدخان، أو حتى توضيبها داخل بريد دبلوماسي عائد لإحدى السفارات، وغير ذلك من الأساليب.. لكن تبقى الأصناف متشابهة ووجهات التهريب محدّدة.
غالباً ما تحتوي كميات الأدوية المهرّبة على مسكنات وأدوية قلب وضغط كالـPanadol، وSolpadeine وColchicine وSabril وLasix وCentrum وغيرها. ويتّجه مهرّبوها إلى مصر والعراق. أما السبب فيعود لكون أسعار أصناف الأدوية الأجنبية أو العلامات الأجنبية (Brand) مرتفعة في هذه الدول. وليست بمتناول مواطنيها، باستثناء الميسورين من المرضى أو الأغنياء.
وعندما يتم تهريب كمية من الأدوية المدعومة في لبنان على سعر 1515 ليرة للدولار، وبيعها في مصر أو العراق بأسعار مضاعفة، حينها تتضح أسباب التهريب. ما ينسف ذريعة إحداث المرضى أزمة فقدان الأدوية من الصيدليات لتهافتهم على شرائها.
الأسعار بين لبنان ومصر والعراق
وبعد استطلاع “المدن” من مصادرها أسعار بعض أصناف الأدوية الأجنبية في مصر والعراق، لاسيما منها الأصناف المهرّبة، تبيّن أن أسعارها تبلغ أضعاف ما هي عليه في لبنان. بمعنى أن مهرّبيها أو من يقف وراء تهريبها يحقّقون أرباحاً طائلة على حساب حرمان المرضى من أدويتهم.
في العراق يبلغ سعر علبة الـPanadol على سبيل المثال 1.25 دولار وLasix 1.25دولار و0.8 دولار ثمن Solpadeine كذلك ثمن Colchicine وخمس دولارات ثمن Centrum، علماً أن سعر الـpanadol يبلغ في لبنان نحو 4000 ليرة أي نحو 0.5 دولار، وفق سعر صرف السوق السوداء، في حين تبلغ سعر العلبة المباعة في العراق 1.25 دولار أي أكثر من ضعفي سعرها في لبنان.
أما علبة الـCentrum فيبلغ سعرها في لبنان نحو 7000 ليرة أي أقل من دولار واحد، في حين سيبلغ سعرها في العراق 5 دولارات أي 5 أضعاف سعرها في لبنان، ما يمكن أن يحقق أرباحاً إضافية لمهرّبي الأدوية إلى العراق.
أما في مصر فيبلغ سعر علبة الـPanadol نحو 1.7 دولار. أما باقي الأصناف المذكورة أعلاه فتتراوح أسعارها بين 13.5 دولار و17 دولار. لكنها حالياً غير متوفرة في كثير من صيدليات العاصمة القاهرة. ما يعني أن كل علبة دواء مهرّبة إلى مصر يمكن أن تحقّق أرباحاً أضعاف سعرها في لبنان.
تهريب منظّم
لا شك أن الصناعة الدوائية في مصر قوية وهي تغطي أكثر 80 في المئة من الإستهلاك المحلي، وتُباع بأسعار زهيدة لكن الفئات الإجتماعية الميسورة تفضل الإنتاج الأجنبي وتطلب الدواء الـBrand، فيلجأ التجار إلى تهريبه وبيعه بأسعار مضاعفة، لأن استيراده مكلف جداً لجهة الضرائب والرسوم المفروضة عليه. وهو ما يفسّر وجهة الأدوية المهرّبة من لبنان، وفق ما يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور عاصم عراجي، في حديثه إلى “المدن”. كذلك الأمر يحصل في اتجاه سوريا، حيث تنشط حركة تهريب الأدوية. لكن من دون ضبط تلك العمليات لتوافر معابر غير شرعية، يقول عراجي.
وإذ يستبعد عراجي أن تتم عمليات تهريب أدوية من دون أن تكون مؤمنة من مستوردين وأصحاب مستودعات وربما صيادلة، يؤكد “أن أزمة فقدان الدواء تتعدى من دون شك عملية تهافت المرضى على الشراء. لا بل إنها عمليات تهريب منظمة وتخزين واحتكار متعمّد ومن المرجح أن مافيات تقف وراءها”.