الإثنين, نوفمبر 25
Banner

السلطة “تمتطي” إتفاقاً بلا إمضاء و”تُرحّل” الإصلاحات

خالد أبو شقرا – نداء الوطن

بقدر ما لاقت الكوة التي أعادت بعثة صندوق النقد الدولي فتحها في جدار الأزمة السميك من تهليل رسمي، بقدر ما أثارت من تساؤلات آنية ومستقبلية. فـ”الصندوق” الذي بقي مقفلاً طيلة 17 جولة من المفاوضات الجدية المرتكزة على “برنامج إصلاحي” في العام 2020، فتح على اتفاق مبدئي مع “ترويكا” الدولة قبل أيام على الانتخابات النيابية. فما كان من السلطة العاجزة عن إحداث خرق إيجابي واحد، إلا تلقف جرعة حسن النية للاستمرار في تقطيع الوقت وبيع الأوهام الشعبوية.

تنقسم الشروط المسبقة التي على لبنان تنفيذها في إطار “الإتفاق الموقع على مستوى الموظفين” إلى شقين رئيسيين:

الأول، مجمد ويتطلب بعضه إعداد مشاريع قوانين على صعيد السلطة التنفيذية وإقرارها في البرلمان. ويضم: إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الإتفاق مع الدائنين، الشروع في تقييم مدعوم خارجياً لأكبر 14 مصرفاً على حدة، تعديل قانون السرّية المصرفية ليتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد وإزالة العوائق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي وكشف الجرائم المالية والتحقيق فيها واسترداد الأصول، موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة الأجل لإعادة هيكلة المالية العامة والديون، توحيد سعر الصرف والتدقيق في أصول المركزي الخارجية.

الثاني، يُعمل عليه بعكس الشروط التي يتضمنها الاتفاق:

– فالصندوق يطلب إقرار موازنة 2022 بنسبة عجز لا تتجاوز 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. في حين أن العجز سيتجاوز هذه النسبة بأشواط، في حال اخذت الموازنة بسلف الكهرباء التي يعمل على إقرارها، والديون المترتبة على الضمان الاجتماعي، واليوروبوندز، ونفقات المجالس والصناديق، وسوء تقدير الايرادات.

– يشترط الصندوق تمويل عجز الميزانية من الخارج، وإلغاء ممارسة تمويل البنك المركزي. وهذا ما نقضته الحكومة من خلال إقرارها في جلسة 30 آذار (إبان وجود وفد الصندوق ) مشروع عقد الاستقراض بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان.

– يشترط الصندوق توحيد سعر الصرف وتهيئة الظروف للحد من التضخم، بما في ذلك الانتقال إلى نظام نقدي جديد. في حين أن “المركزي” يستمر في طباعة العملة لتمويل نفقات الدولة وليلرة السحوبات، وأدى آخر تعاميمه إلى خلق سعر صرف جديد على منصة صيرفة، أضيف على أسعار 1507.5 المعمول به بين المصارف ومصرف لبنان، وسعر 8000 ليرة بحسب التعميم 151 وسعر 12 ألف ليرة، بحسب التعميم 158.

– إعادة صياغة المؤسسات المملوكة للدولة، وخاصة في قطاع الطاقة، لتقديم خدمات عالية الجودة دون استنزاف الموارد العامة. قابله إقرار خطة للكهرباء بكلفة باهظة تتضمن حلولاً موَقتة على غرار كل الخطط التي سبقتها.

– الاعتراف بالخسائر مقدماً وتوزيعها، مع حماية صغار المودعين. وهو ما يتم العمل على نقيضه من خلال خطة تحيّد الدولة وتنقل عبء الازمة إلى المودعين ومن خلفهم كل المواطنين.

“تبييض وجه”

بغض النظر عن غياب الإرادة السياسية عند المنظومة لاقرار النقاط وبدء العمل على تنفيذها، فان الشروط الثمانية المسبقة التي يتضمنها الاتفاق تتطلب ما لا يقل عن عامين في حال توفرت الظروف الملائمة، ولم يعترضها أي عائق”، بحسب الخبير السابق في صندوق النقد الدولي ورئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية د. منير راشد. وهي للمفارقة نفس الشروط التي التزمت بتنفيذها حكومة الرئيس حسان دياب وفشلت، قبل أن تدخل مرحلة تصريف الأعمال في نهاية العام 2020. ففي الشكل تحاول السلطة الحالية التكبير من أهمية الاتفاق المنجز، فيما هو في الحقيقة مجرد إتفاق غير موقع من الصندوق، إنما من بعثته، وهو يعرف بحسب طريقة العمل الجديدة المعتمدة بـ face saving approach أو “تبييض وجه” باللغة المحكية. وذلك على عكس الطريقة الجازمة المعتمدة في السابق والتي لا يوجد فيها حل وسطي إتفاق أو لا اتفاق.

التوافق السياسي المستحيل

في الشق التنفيذي لا تكمن المشكلة في الموافقة العلنية على الإجراءات المسبقة الواجب اتخاذها، قبل توقيع الاتفاق النهائي، إنما في تأمين التوافق السياسي عليها في مجلس النواب. خصوصاً أنها غير مربوطة في مهلة زمنية محددة، ولا تحمل الخسارة إلى القطاع العام ناقة العبء على المودعين”، بحسب راشد. واللافت في هذه الورقة اقتصار الموافقة عليها من قبل رئيس الحكومة ونائبه من دون معرفة إن كانت عرضت على مجلس الوزراء مجتمعاً”.

خريطة طريق

إنطلاقاً من طبيعة الاتفاق وأطرافه يظهر جلياً أنه “خريطة طريق” مرتكزة على إعلان نوايا سياسية”، بحسب الخبير الاقتصادي د. بيار خوري. وهذا ما دل عليه ترحيب رئيس مجلس النواب على ما تم الاتفاق عليه بين بعثة الصندوق والرئاستين الاولى والثالثة، والاعراب عن نية بالدخول في ورشة تشريعية لانجاز المطلوب”. وإذا وضعنا الشروط النقدية المليئة بالأفخاخ التي تتعلق باعادة هيكلة القطاع المصرفي جانباً، فان أصعب ما سيواجه هذا الاتفاق سيكون التوصل إلى موازنة حقيقية لا تتضمن عجزاً فاضحاً، بحسب خوري. خصوصاً أن الموازنة المقدمة والتي تدرس من قبل لجنة المال والموازنة تعتمد أكثر من سعر صرف. وإذا اردنا تعديلها للانطلاق من سعر صرف موحد فعندها سنكون أمام موازنة مختلفة كلياً. أما في حال إقرارها كما هي على أسعار الصرف المتعددة فسيكون تمويلها من قبل مصرف لبنان حتمياً، وهذا ما يتعارض مع شروط الصندوق”.

بالنظر إلى الواقع يظهر جلياً عجز المنظومة عن إقرار الإجراءات الثمانية المسبقة الواجب اتخاذها قبل رفع الاتفاق إلى مستوى مجلس إدارة الصندوق قبل الانتخابات النيابية. أما بعدها فستفقد حكومة تصريف الاعمال القدرة على إعداد مشاريع القوانين المطلوبة لارسالها إلى البرلمان وسيدخل البلد إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية في تشرين الاول مرحلة جديدة من تضييع الوقت والمماحكات السياسية التي ستفشل أي مبادرة جدية لاقرار الشروط الاصلاحية.

Leave A Reply