كتبت صحيفة الديار تقول: دخلت البلاد في مرحلة العدّ العكسي لموعد الانتخابات النيابية التي يحرص الأفرقاء المتنافسون على اعتبارها محطة مفصلية للمرحلة المقبلة، لكن الوقائع والمعطيات لا تؤشر الى تغيير جوهري في التوازنات تحت قبة البرلمان الجديد في ظل هذه المعمعة من السباق بين اللوائح المتنافسة على مساحة الوطن والتي تتقاسمها القوى السياسية والحزبية وجماعات متفرقة من التيارات المنضوية تحت عنوان قوى ثورة 17 تشرين.
أمس شهدت مناطق عديدة مهرجانات شعبية لاعلان اللوائح وسط ارتفاع حمى الحملات الانتخابية والخطابات الشعبوية، بينما يبقى السؤال المطروح ماذا بعد الانتخابات وكيف سيخرج لبنان من الانهيار الذي يأكل الأخضر واليابس ويزيد من معاناة والام اللبنانيين تحت وطأة الازمة الاقتصادية والمالية والمعيشية المتفاقمة؟
ووسط هذا المشهد الضبابي والقاتم، برزت تطورات ومستجدات على صعيد الجهود المبذولة لوضع البلاد على سكة الخروج من الانهيار الكبير، لكنها ما زالت حمّالة اوجه، وتتأرجح بين التشاؤم والتفاؤل بانتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة لا سيما بعد الاستحقاق الانتخابي.
وتعوّل مصادر أهل الحكم على هذه التطورات المستجدة ومنها: توقيع الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي وما يليه من خطوات متتالية قبل وبعد الانتخابات، وزيارة قداسة البابا المنتظرة في حزيران المقبل وما تحمله من دلالات، وعودة سفراء دول الخليج الى لبنان عشية الانتخابات وتوازيا مع توقيع الاتفاق مع صندوق النقد.
ميقاتي مرتاح للتوقيع مع صندوق النقد
وفي هذا السياق، نقلت مصادر مطلعة لـ «الديار» ارتياح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد انجاز وتوقيع الاتفاق المبدئي مع الصندوق، مشيرة الى انه سعى بقوة الى تحقيق هذا الأمر بعد جولة وفد الصندوق الاخيرة بالتفاهم مع الرئيسين عون وبري.
واضافت ان رئيس الحكومة يبدي ارتياحه هذا، مشددا على وفائه وحكومته بتحقيق أمرين اساسيين التزم بهما وهما: اجراء الانتخابات في موعدها، والاتفاق مع صندوق النقد على الاصلاحات المالية والاقتصادية التي من شأنها ان تخرج لبنان من الهوّة التي يتخبط فيها.
عودة السفير السعودي
والى جانب ذلك، فان عودة السفراء الخليجيين واعادة تطبيع العلاقات مع دول الخليج تعتبرهما مصادر الرئيس ميقاتي خــطوة مهــمة تواكب هذا التطور الحاصل، وتساهم في اعادة لبنان بشكل افضل الى دائرة الاهتمام العربي الذي من شأنه ان يساهم في مرحلة النهوض المنشودة.
لكن مصادر أخرى تعتقد ان عودة السفير السعودي مرتبطة ايضا بمحاولة «شدشدة» وضع حلفاء المملكة عشية الاستحقاق الانتخابي، لافتة الى ان الرياض ساعدت قبل عودة السفير وليد بخاري امس الى بيروت في تشجيع ودعم تشكيل اللوائح المشتركة لحلفائها، وهي ستسعى في الوقت المتبقي الى رفع نسبة الناخبين والمقترعين السنّة لهذه اللوائح في الدوائر ذات الاغلبية السنيّة.
ماذا بعد توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد؟
كشفت مصادر الرئيس ميقاتي لـ «الديار» امس عن توافق بينه وبين الرئيس بري على ورشة حكومية نيابية في الاسابيع القليلة التي تسبق الاستحقاق الانتخابي لاقرار بعض القوانين التي تندرج في اطار الخطة الاصلاحية المالية والاقتصادية المتفق على اطارها مع صندوق النقد.
وقالت ان مجلس الوزراء سيبدأ اعتباراً من جلسته الاسبوع المقبل مناقشة بعض مشاريع القوانين في هذا الصدد، والتي ستتابع في جلسات لاحقة.
واشارت المصادر الى انه سيجري التركيز على مشاريع القوانين الاساسية لحظة التعافي الاقتصادي والمالي، سعيا لاقرار ما يمكن اقراره قبل الاستحقاق الانتخابي ومرحلة دخول الحكومة في تصريف الاعمال.
وحرصت ايضا على القول انه من الصعب تحديد فترة او مواعيد محددة لتحقيق او اقرار كل هذه القوانين، مشيرة الى ان الحكومة بدأت هذا العمل منذ فترة غير قصيرة واستطاعت اقرار موازنة العام 2022 التي تدرسها حاليا لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي، كما احالت منذ ايام مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي تأمل ان يقره المجلس في أقرب وقت، وهذا القانون أحد الشروط التي طرحها صندوق النقد.
جلسة للكابيتال كونترول
وعلمت «الديار» في هذا المجال ان الرئيس بري الذي احال مشروع القانون الى اللجان المشتركة لدرسه، يعتزم الدعوة الى عقد جلسة تشريعية عامة في النصف الثاني من هذا الشهر بين 19 و22 نيسان، لمناقشة واقرار عدد من مشاريع واقتراحات القوانين ومن بينها قانون الكابيتال كونترول.
وتقول مصادر نيابية ان الاجواء تؤشر الى ان اللجان النيابية المشتركة المتوقع ان تبدأ درس هذا القانون الاسبوع المقبل ستجري تعديلات اضافية عليه، لا سيما ما يتعلق بتحسين ضمانات تأمين الودائع واعادتها للمودعين.
وتشير الى ان نواب الثنائي امل وحزب الله الذي تحفظ وزراؤه عن بعض بنود مشروع القانون في مجلس الوزراء، سيركزون على اجراء بعض التعديلات التي تصبّ في اطار تأمين حقوق المودعين وتحسين شروط السحوبات.
وقال مصدر مقرب من الرئيس ميقاتي ان رئيس الحكومة سيكثف وتيرة العمل لتحقيق اكبر قدر من الانجاز والتقدم في شأن تسريع مسار الاتفاق النهائي مع الصندوق، ولا يستبعد ان يقوم بزيارة الى واشنطن لتحقيق هذا الانجاز مع الصندوق.
باريس لزيادة وتيرة العمل
من جهة اخرى، كشف مصدر سياسي مطلع لـ «الديار» امس ان باريس ستزيد من وتيرة جهودها في الاسابيع المقبلة لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد ، باعتبار ان هذا الاستحقاق يشكل محطة مهمة للانطلاق الى المرحلة المقبلة. وتعمل وفق برنامج تحرك ناشط على صعيد توفير المزيد من الدعم للبنان بعد انجاز الاصلاحات.
وردا على سؤال حول ما تردد عن مبادرة سياسية فرنسية بعد الانتخابات، قال المصدر «لم يجر الحديث بعد عن مبادرة سياسية محددة، لكن فرنسا مستمرة في ما بدأته منذ اطلاق مبادرتها تجاه لبنان بعد انفجار المرفأ وزيارتي رئيسها ماكرون واجتماعاته مع المسؤولين والقيادات والقوى السياسية والمدنية. ولا يستبعد ان ترعى مبادرة سياسية جديدة بعد الانتخابات».
وأشار الى ان باريس اضطلعت بدور مهم في الاونة الاخيرة في وضع اعادة تطبيع العلاقة بين لبنان ودول الخليج على السكة والتي تترجم اليوم بعودة السفيرين السعودي والكويتي الى بيروت.
ولفت ايضا الى تقاطع بين فرنسا والفاتيكان على زيادة وتيرة العمل لمساعدة لبنان من اجل الخروج من أزمته، وان زيارة قداسة البابا في حزيران المقبل تندرج في هذا الاطار وتعكس اهتمام الكرسي الرسولي بشكل شخصي في مساعدة ودعم لبنان واللبنانيين.
وتنظر الاوساط المسؤولة الى هذه الزيارة على انها ستكون محطة مهمة، خصوصا بعد الاستحقاق الانتخابي وقطع الخطوات المتعلقة بخطة النهوض ومساعدات صندوق النقد شوطاً كبيراً في مسيرة الخروج من الانهيار.
الانتخابات حاصلة
على صعيد آخر، ومع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، ما يزال هناك من يطرح علامات استفهام حول تأمين كل المستلزمات والخطوات لتحقيق الانتخابات في موعدها، وآخرها الحديث عن عدم وجود تمويل للانتخابات في بلاد الاغتراب وعدم اكتمال بعض الامور اللوجستية لانجاز هذه العملية في لبنان.
وقد حرصت مصادر الرئيس ميقاتي على التأكيد أمس لـ «الديار» ان «الانتخابات حاصلة في موعدها ولا شيء سيعيقها. فالاعتمادات مؤمنة للانتخابات للمقيمين والمغتربين، وان ما يحكى ويشاع هو مجرد تسريبات في غير محلها وهي غير صحيحة، خصوصا ان كل الترتيبات اللوجستية والادارية تجري في سياقها لتكون ناجزة قبل موعد الانتخابات».
مصادر ميقاتي والتشكيلات الدبلوماسية
وتقول مصادر حكومية ان الرئيس ميقاتي توافق مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب منذ بداية طرح التشكيلات الديبلوماسية، وبهدف حسن سير المرفق العام وهو وزارة الخارجية، على معيارين اساسيين لمقاربة هذا الملف مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، وهما: ملء الشواغر على مستوى رئيس بعثة في عشر سفارات لبنانية، واجراء تشكيلات جزئية تشمل اعادة كل السفراء الذين تجاوزت مدة وجودهم في الخارج عشر سنوات، على ان يحل مكانهم السفراء الموجودون في الادارة المركزية.
أما في موضوع «تصنيفات السفراء»، فقد حدد رئيس الحكومة معياراً واحداً، وهو تصنيف كل شخص مستحق ويستوفي الشروط والتراتبية، وفق الاقدمية، على أن يطبق هذا المبدأ لدى المرشحين للتصنيف من كل الطوائف.
نصرالله يستضيف باسيل وفرنجية
وفي الشأن السياسي، استضاف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أول من أمس رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى مائدة الافطار الرمضاني في حضور عدد من القيادات المعنية.
وقال بيان للحزب «ان اللقاء كان فرصة مناسبة للتداول في العلاقات الثنائية والاوضاع السياسية في لبنان والمنطقة».
وتكتمت المصادر المعنية عن اجواء هذا اللقاء، لكن مصادر مطلعة رأت انه يساهم في تخفيف حدة التوتر بين باسيل وفرنجية عشية الانتخابات، لا سيما انهما يتنافسان في اكثر من دائرة، خصوصا في دائرة البترون – الكورة – زغرتا وبشري.
ووصفت الاجواء المتوقعة بين الطرفين في الاونة الاخيرة بانها زادت احتقاناً، خصوصاً مع وجود مرشح للمردة في البترون.
ولفتت الى ان اللقاء بطبيعة الحال تناول الوضع السياسي بصورة عامة واجواء الانتخابات النيابية، لكنه لم يتطرق الى الاستحقاق الرئاسي، كما حاولت بعض الجهات ترويجه.
ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، ارتفعت حمى الحملات والخطاب السياسي والشعبوي لدى الاطراف المتنافسة. وشن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، في المهرجان الذي اقامه التيار أمس لاعلان لوائحه ومرشحيه، هجوماً عنيفاً على خصومه آملاً بالاحتفاظ بالكتلة النيابية المسيحية الكبرى في مجلس النواب.
وركز هجومه على «القوات اللبنانية» ورئيسها دون ان يسميه، فقال «المال السياسي مشروع تدمير لمجتمعنا ولوطننا، وعم يقوده مجرم حرب عم يغتال وطن بالمال الغريب! معركتنا مع وكيل هالمال».
وأضاف: «معركتنا مع الحاملين كذبة الاحتلال الايراني للبنان، وعم يخوفو الناس بالانتشار انو يلي عم يصوتولنا عم يصوت لحزب الله وبياكل عقوبات».
هجوم عنيف لباسيل على خصومه
وقال «ما تخافو واسألوهم: ما كان في احتلال ايراني لما تحالفو مع حزب الله سنة 2005 بالتحالف الرباعي والسداسي؟ … بدنا نحاسب يلي فتحنالن باب المسامحة وعملنا معهم مصالحة على أساس نكون فريق واحد داعم للعهد، انتخبو الرئيس ليفشلوه ويسقطوه ويتباهو بهالشي».
وغمز من قناة أطراف اخرى شريكة معه في بعض اللوائح في تلميح لحركة «أمل» قائلاً: هودي، حتى ولو فرضت ظروف الانتخابات وجودهم معنا باللائحة، بيبقو مجرد حاصل لا لهم فضل ولا لهم تفضيلي واكيد ما إلهم محل معنا».
وجدد الحملة على حاكم مصرف لبنان كاشفاً عن الاستمرار في المحاولة لاقالته وقال «نحنا فينا نعمل تدقيق جنائي وبلشناه بالمركزي مع الفاريز، وفينا نشيل حاكم المركزي مهما حميوه، ورح نشيلو… نحنا بدنا وفينا وقدرنا».
وهاجم المرشحين والخصوم في الجبل والشمال، وقال «بدنا نحاسب يلي معتبر ورثة، هول الاقطاعيين الصغار لما بيكونو معنا بيضربو بسيفنا وبياكلو من خبزنا، ولما بيقوى ضغط المؤامرة من السفارة بيصيرو يشتمونا ويقبضو مصاري على ضهرنا وبيجيبو SPONSOR ليسقطونا».
جنبلاط وعدوان:
هجوم على الحزب والتيار
وفي المقابل، ركز رئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط هجومه على التيار الوطني الحر دون أن يسميه خلال مهرجان اعلان لائحة «الشراكة والارادة» في دائرة الشوف – عاليه أمس التي تجمع تحالف الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والوطنيين الاحرار.
وقال: «نجدد ايماننا بالوطن والمصالحة وعلاقات لبنان مع الدول العربية، ومعركتنا معركة عدالة وكرامة وحقوق الناس التي سرقتها «جماعة ما خلونا»، ولا يجب ان نستسلم بل ان نواجه بارادة واعية».
وأضاف: «لا ننتظر الانتخابات كي نحدد موقفنا ورؤيتنا للبنان، ومواقفنا واضحة من كل الملفات. حتى القضاء المستقل والاصلاحات في الكهرباء والبيئة والصحة بتشجيع الانتاج والحفاظ على بلدنا كمركز متقدم للطبابة والتعليم. وسنواجه بقوة خلال الانتخابات وسنضغط للوصول الى الاصلاحات واتمام خطة التعافي مع صندوق النقد الدولي».
وهاجم نائب رئيس القوات اللبنانية النائب جورج عدوان حزب الله والتيار الوطني الحر، وقال «نحن امام خيارين لا ثالث لهما، اما دولة ذات سيادة تفرض وجودها او دولة قرارها لدى محور الممانعة الذي لا علاقة له بلبنان».
واضاف: «بفضل المصالحة التاريخية في الجبل ينعم أهله اليوم بالعيش المشترك، ومهما حاول البعض بممارساتهم غير المقبولة تعكير صفوه فانهم لن يتمكنوا من ذلك».
ورأى «ان وطننا يعيش أزمة وجودية وشعبه مهدد بأبسط مقومات الحياة بسبب سيطرة فريق على الدولة وقرارها».
الجميل
وفي مهرجان اطلاق الحملة الانتخابية للائحة «على متن التغيير» من المتن الشمالي رأى رئيس حزب الكتائب سامي الجميل «ان الانتخابات المقبلة استفتاء بين منهجين: نهج الشعارات والتسويات والاستسلام والمصالح الضيّقة والكذب على الناس ونهجنا نهج الصمود والوضوح في الرؤية والصمود والكفاءة».
وقال «ان الوقت حان لوضع نقطة على السطر، ونتعهد بمواجهة رفع يد حزب الله على لبنان وتطوير النظام السياسي بدءاً باللامركزية».