نبيل هيثم – الجمهورية
لو أراد المرء أن يعطي «المتسلّقين على ظهر الثورة» من أحزاب وأفراد وجماعات جرى «تفريخها» بعد ما سُمّيت انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، علامة من واحد الى عشرة، فلن يتردّد لحظة في أن يختار رقماً تحت الصفر!
ليس القصد من هذه الفرضية ان نحطّ من شأن أو قدر أحد، بل تسليط الضوء على حقيقة يدركها هؤلاء قبل غيرهم، بأنّ كل العناوين والألبسة الثورية التي لبسوها تسلّلاً من خلف أوجاع الناس، لم تخدع أي عاقل في أن يمنحهم شهادة حسن سلوك، أو براءة ذمّة عن ادوارهم في إشعال حريق الأزمة والتسبب بها، وعن محاصصاتهم التي لا يستطيعون ان ينكروها مهما نزّهوا أنفسهم، وأكلهم من جبنة السلطة أيام كانوا شركاء فيها على مدى سنين طويلة.
ما من شك انّ التحضيرات لانتخابات 15 ايار حامية الوطيس في كل الدوائر، وكل طرف يدفع ماكيناته الانتخابية في أعلى طاقتها، لتعبئة الجمهور، لما تعتبره يوم الانتخاب المصيري. ولكن، لو ألقينا نظرة بسيطة على الدوائر التي تعني «المتسلّقين»، تتبدّى امام الناظر اليها حلبة تصفية حسابات سياسية، مفتوحة على كل شيء، الناجي الوحيد فيها هو السلطة التي لعنوها وحرّضوا ضدّها، فيما المعركة محصورة بين هؤلاء، وبالسلاح الابيض لو قدّر لهم. فالشعارات التي رفعوها يوماً ونادت بالتغيير الشامل، نُحّيت جانباً، امام اسلحة دمار شامل مشهورة في ما بينهم في ما تبدو انّها معارك إلغاء لبعضهم البعض، وأما الهدف فليس التغيير وإنتاج السلطة البديلة الموعودة، بل تأمين حواصل تمنح أطراف هذه المعركة، وعلى أبعد تقدير، مقعداً او اثنين في مجلس النواب. هكذا تقزّمت الشعارات الكبرى من التغيير الشّامل، إلى الحصول على مقعد نيابي آمن.
دفع غرور هؤلاء، حتى لا نقول جهلهم بمزاج الناس على أرض الواقع، الى التعامل مع الدوائر الانتخابية وكأنّها مشاع مملوك لتلك الأحزاب او الأفراد او الجماعات التي لم تترك عنواناً استقلالياً او سيادياً الّا وطرحته. رفعوا شعار «كلن يعني كلن»، ثم عادوا هم انفسهم وخافوا من هذا الشعار وتبرأوا منه، وخصوصاً انّ الخيبة لم تتأخّر لتظهر على سطح المبالغات. فطروحاتهم التي لا يزالون يسوّقون لها في حملاتهم السياسية والدعائية وصولاتهم وجولاتهم الشعاراتية التي يأتونها بأصوات عالية ونبرات تكاد «تفقع» معها شرايين الرّقاب، لم تمكّن أياً من هؤلاء من ان يشكّل ولو لائحة واحدة قوية ومتماسكة ومنسجمة، ومضمونة ومطمئنة وموثوق بقدرتها على الفوز في أي من الدوائر. بل لوائح عبارة عن «تجميعة كيفما كان» من هنا وهناك، او بمعنى أدق «خلطة عجيبة غريبة»، بعض أعضائها مجرّد كمالة عدد، تستجدي حاصلاً يمتطيه حزبيّ إلى مجلس النوّاب. وهذا هو الحال في الاشرفية، وزحلة، والشوف وعاليه ودوائر كسروان وجبيل والشمال وبيروت، وصولًا الى دائرة المتن.
لا ينكر أحد أنّ لهؤلاء جمهورهم، ولكن ربما فاتهم أنّ لكل دائرة خصوصيّتها، ولكلّ دائرة مفاجآتها في 15 أيار، ولكل دائرة ناسها. فالناخب في كل هذه الدوائر صاحب التجربة التاريخية في الخيبات من هؤلاء ليس غبياً، ويرفض، بعدما جرّب المجرّب «أن يكون عقلو مخرّب».
وها هي دائرة المتن، التي تتحضّر لأن تقول كلمتها في الإستحقاق الانتخابي، شأنها شأن سائر الدوائر، أهلها يرون الصورة على حقيقتها، يسيئُهم ان تُقارب المتن كقالب جبنة حزبي يُقدّم على طاولة تقاسم يمحو تاريخها، ووفاءها لرجالاتها وبصماتهم الراسخة في خدمتهم لسنين طويلة.
قرار المتنيين انّهم لن يسقطوا في لعبة خداع لهم، يدّعي أطرافها انتصارات وهمية، ويتغطّون بشعارات شعريّة جاذبة ومدغدغة للمشاعر، فالحقيقة ساطعة أمامهم، وأمامها تهاوت كل الادّعاءات. وبالتالي أنّ من يزرع الادّعاءات سيحصد حتماً الخيبات. والناخبون المتنيون تاريخياً، يرفضون ان يُصوّروا وكأنّهم أغنام لبعض الأحزاب، يُساقون الى صناديق الاقتراع بدقة جرس، او بكذبة شعاراتية خادعة.
قرار المتنيين ان يذهبوا الى انتخابات أخلاقيّة، وصوتهم للأوفياء للمتن، وتلك صفة تاريخية تحلّوا بها. فلقد اعتادوا أن يقرأوا صفحة المتن على حقيقتها، وبحجمها، من دون توريم او تضخيم او نفخ وهمي لهذا الطرف او ذاك، وليس عبر تلك الصفحات الخادعة التي تحاول التذاكي على المتنيين وخداعهم بتقديم نفسها من وزن الفيل السياسي والانتخابي الذي لا يُقهر، وانّها وحدها تحمل الأمل والرجاء لهذه المنطقة، وانّها الترياق لمداواة السمّ الذي بُثَّ في جسم البلد!
للمتن خارطة طريق رسمها الرئيس ميشال المر، وسار على هديها لسنوات طويلة وعبر من خلالها إلى كل الوطن، كان متنياً أصيلاً، ورحل متنياً اصيلاً، وذكره مزروع في وجدان كل متني، وهذا ما لا يستطيع المبالغون او بالأحرى «النّاكرون» و«المرتزقون» و«الآكلون من الصّحن لحظة جوعهم»، ان يمحوه من الذاكرة، كما لا يستطيعون ان يمحوا وديعة الوفاء للمتنيين التي تركها أمانة «أبو الياس» في يدٍ أمينةٍ عليها، وقرّر الحفيد ميشال الياس المر ان يرفع مشعلها للحفاظ عليها وإكمال مسيرة الوفاء، بهمّة شبابيّة مخلصة لها.
ليس غريباً على هؤلاء الناكرين تحريك «غرفهم السوداء» وألسنة السّوء بلغة الشتائم خارج الطبيعة المتنية، والكذب ومحاولات التشويه والتجريح الشّخصي، واختلاق سيناريوهات وروايات وخرافات وشائعات وافتراءات. فإن دلّ ذلك على شيء فعلى ضعف وإرباك العقل السياسي العبثي الذي يحرّك هؤلاء، عقل نرجسي متأصلة فيه عقدة الوهم والأنا المقيتة، والميل الجنوني الى التحكّم والفوقيّة. وثبت للقاصي والدّاني انّه عقل مفلس اخلاقياً، ومفلس الصدقية، وذاكرته مثقوبة جاهلة او تتجاهل تاريخ هذه المنطقة.
الحكمة تقتضي عدم النزول إلى ساحة هؤلاء، فمهما اشتدت انفعالاتهم وعاصفتهم الهستيريّة، فإنّها ستعبر في النهاية، وفي 15 ايار سيذوب الثلج ويبان المرج، وسيقول المتنيون كلمتهم، وسيمارسون في اقتراعهم تدقيقاً جنائياً في تاريخ كل الطارئين على المتن، وبعض المتسلّقين على ظهور أحزاب تسعى لأن تبني لنفسها ولو مرقد عنزة في المتن. وسيعلنون بأصواتهم «معاً أقوى»، ولن نتخلّى عن تاريخ المتن الأبيض لمن هم تاريخهم أسود من المقامرين بالمتن والمولعين بلعبة التحكّم والإستئثار، والمأسورين بشعار خبيث: نحن وحدنا، وكل من هم غيرنا فليجرفهم الطوفان!