كتبت الجمهورية: الحقيقة الوحيدة الساطعة على سطح المشهد الداخلي، هي أنّ الناس ملّت المبالغات التي تتراكم على باب الاستحقاق الانتخابي. والبارز سياسياً، انّ عودة السفراء الخليجيين إلى لبنان تنحى مساراً جديداً اكثر انفتاحاً، عمّا كان سائداً قبل القطيعة الديبلوماسيّة الخليجية مع لبنان.
وتجلّت مفاعيل العودة امس في زيارة هي الاولى من نوعها منذ فترة طويلة، قام بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وإعلانه من القصر الجمهوري في بعبدا عن «دعم المملكة للشعب اللبناني في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ فيها».
فقد استقبل الرئيس عون أمس السفير البخاري. وبحسب المعلومات الرسمية، فإنّ السفير السعودي نقل للرئيس عون التهاني لمناسبة حلول عيد الفصح المجيد، وتمّ عرض العلاقات اللبنانية – السعودية وضرورة تطويرها وتفعيلها في المجالات كافة، حيث اكّد السفير بخاري «دعم المملكة للشعب اللبناني في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ فيها»، ووضع السفير السعودي رئيس الجمهورية في آلية عمل الصندوق السعودي – الفرنسي المشترك المخصّص للدعم الإنساني وتحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان.
الكويتي في السرايا
في هذا الوقت، كان السفير الكويتي في لبنان عبد العال القناعي يزور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية، حيث جدّد ميقاتي «تأكيد متانة العلاقات بين لبنان والكويت، شاكراً دولة الكويت، أميراً وحكومةً على وقوفها الدائم الى جانب لبنان، ومساعيها وجهودها لعودة العلاقات اللبنانية- الخليجية الى صفائها وحيويتها».
وقال القناعي بعد الاجتماع، انّه تباحث مع الرئيس ميقاتي في العلاقات الثنائية والشؤون التي تهمّ البلدين الشقيقين، «وأعربتُ له عن تمنيات القيادة السياسية في الكويت ومعالي وزير الخارجية بأفضل العلاقات مع لبنان وبمستقبل مشرق، وإن شاء الله سنرى هذا البلد بحال أفضل ومستقبل أفضل، آملين بأن تزول هذه الضائقة والمشاكل التي يمرّ فيها البلد الشقيق».
ورداً على سؤال قال: «إنّ عودة العلاقات الديبلوماسية وعودة السفراء هي مؤشر إلى نجاح هذه المبادرة، وعلى أنّ الطرفين في لبنان الشقيق وفي الخليج قد توصلا الى إتفاق مشترك بأنّ التاريخ والمصير اللذين يجمعانهما هو أبدي وأعلى وأهم من كل شيء، وإن شاء الله يكون ما حدث غيمة عابرة، وستؤدي عودة السفراء إلى مزيد من التقارب والتعاون لما فيه مصلحة البلدين الشقيقين».
حنفية المبالغات
انتخابياً، صار الاستحقاق الانتخابي على بعد شهر بالتمام والكمال، فيما حنفيّة المبالغات مفتوحة على آخرها، تصبّ على رؤوس اللبنانيين ما لا يريدون ان يسمعوه من شعارات سياسية وحزبية مرّ عليها الزمن، جُرّبت في الماضي وكان فشلها موصوفاً، ومع ذلك يصرّ المبالغون من مواقعهم الرسمية والسياسية والحزبية على تكرار الاسطوانة ذاتها التي لم تنجح سوى في مراكمة الإخفاقات والتوتّرات وتعميق الانقسامات، وإحدى أسوأ نتائج هذا المنحى، تجلّت في حرب السنتين في 13 نيسان 1975، الذي مرّت ذكراها بالأمس، وما تلاها من حروب وتوترات دفّعت اللبنانيين أغلى الأثمان.
نار الحملات
المفجع في هذه الصورة، أنّ لا احد قد تعلّم من تلك التجارب المريرة، ولا أحد أجرى مراجعة نقدية حقيقية وصادقة ومسؤولة لأسباب سقوط البلد، بل انّ المؤسف هو التشبث بالماضي والإصرار على تغييب الكلمة الوطنية المسؤولة والجامعة للبنانيين. وهو ما يتبدّى في الخطاب المتوتر المتبادل على ضفتي الانقسام السياسي، ويمهّد احتدامه في الزمن الانتخابي الحالي الى ان يضع البلد خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات في 15 ايار، فوق نار الحملات التصعيدية، بين أطراف سياسية وحزبية، ثبت بما لا يقبل أدنى شك انّ طريق التغيير معها مستحيلة، وخصوصاً انّ أداءها السابق والحالي وبالتأكيد اللاحق، يتسمّ بالإفتقار الى الصدق، وبالإنكار لشراكتها الكاملة ولسنين طويلة، في سلطة إسقاط البلد، وانّها أوصلت بأخطائها الجسيمة والمستمرة، الوضع الداخلي سياسياً واقتصادياً ومالياً الى مستوى فضائحي آخذ في التزايد يوماً بعد بعد يوم.
مسرح مظلم
وعلى الرغم من ارتفاع هدير الحملات والشعارات والماكينات الانتخابية هو الطاغي على ما عداه ولا صوت يعلو فوقه، الّا أنّ صورة الوضع السياسي الداخلي تشبه المسرح المظلم، لا يعرف أحد ماذا يجري في لبنان فعلاً، وإلى أين تتّجه البلاد، وليس في يد أي من المعنيين بهذا الاستحقاق ما يجعله مطمئناً لمصير الانتخابات او متيقناً من انّها ستجري في موعدها ام لا، فالرؤية تحجبها غيوم داكنة تخفي المسار الذي سيسلكه هذا الاستحقاق في 15 ايار.
ماذا في المشهد؟
صورة التحضيرات تشهد عرضاً متواصلاً لإعلان ما تبقّى من لوائح انتخابية. وتظهر هذه الصورة وكأنّ كلّ الاطراف المعنية بالانتخابات تحضّر لها وكانّها حاصلة حتماً، وماضية في التعبئة والحشد الجماهيري لها لجذب النّاخبين الى صناديق الاقتراع في 15 ايار. واللافت في هذا السياق، انّ التعبئة لهذا الاستحقاق، والحزبية على وجه الخصوص، هي في مجملها تعبئة سياسيّة اكثر منها مرتبطة ببرامج إنقاذية للبنان تحاكي توق اللبنانيين إلى الخروج من ازمتهم.
الّا انّه رغم هذه التحضيرات، فإنّ مختلف الاوساط المعنية بالاستحقاق الانتخابي لا تعكس حقيقة ما في أعماق هذه الاوساط، التي تبدو جميعها، من دون استثناء أي منها، معلّقة على حبل طويل من علامات الاستفهام حول مصير الانتخابات. وإذا كانت المستويات الرسمية تقارب الاستحقاق بنَفس تفاؤلي حول إتمامه في موعده، الّا انّه في غياب الجزم الحاسم بذلك، تحافظ على نسبة عالية جداً من القلق، وهو ما اكّدته مصادر سياسية مسؤولة بقولها لـ«الجمهورية»: «انّ انتخابات 15 ايار مثبتة على الورق فقط، والمحسوم فقط هو انّ القلق على هذا الاستحقاق يكبر يوماً بعد يوم».
ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ هذا القلق، ليس محصوراً بالاطراف الداخلية، بل انّه متفاعل بشكل ملحوظ لدى المستويات الديبلوماسية، حيث انّ هذا الأمر خضع لنقاش ديبلوماسي تزايد في الفترة الأخيرة، أثير خلاله تشكيك بجدّية الأطراف اللبنانية بإجراء الانتخابات، وخصوصاً في ظل بروز اشارات غير مشجعة قرأتها المستويات الديبلوماسية في بروز بعض العراقيل اللوجستية التي طرأت فجأة في هذا التوقيت، لا نملك حتى الآن ما يؤكّد إن كانت متعمّدة ام لا، في ما بدا انّها اشارة مباشرة الى ما أثير في الايام الاخيرة حول العقدة القضائية، وما يتصل بالاساتذة وغير ذلك مما وصفت بـ«العراقيل».
ووفق المعلومات، فإنّ هذا التشكيك، أسرّ به سفراء غربيون لجهات اقتصادية وبعض رجال الاعمال، من زاوية التحذير من عواقب أي نوايا تعطيلية للانتخابات. ونقل احد اعضاء المجلس الاقتصادي الإجتماعي عن سفير دولة كبرى قوله ما حرفيّته: «إن صحّ ما يُشاع عن احتمال عدم إجراء الانتخابات في موعدها، فذلك يعني إدخال لبنان في لعبة مجهولة وإرباكات خطيرة تفاقم أزمته الى حدود غير معلومة».
وعلمت «الجمهورية»، انّ وزراء ونواباً ينتمون الى كتل نيابية مختلفة لاحقهم بعض السفراء بسؤال مباشر: هل ستجري الانتخابات؟ من دون ان يلقى هؤلاء السفراء جواباً قاطعاً.
وبحسب ما تكشف مصادر في لجنة الشؤون الخارجية النيابية لـ«الجمهورية»، فإنّ التواصل بين بعض أعضاء اللجنة وديبلوماسيين غربيين يعكس انّ السفارات لا تنظر بارتياح الى الاستحقاق الانتخابي تبعاً للغموض الذي يحيطه، وكذلك لما يتمّ تبادله بين بعض الاطراف السياسية في لبنان من اتهامات بالسعي الى تعطيل الانتخابات، ذلك انّ هذه الاتهامات تبدو مستندة الى امور مخفية تؤكّدها».
ووفق تأكيدات هؤلاء الديبلوماسيين لأعضاء اللجنة الخارجية، فإنّ «اتهام بعض السفارات، (في اشارة الى اتهام الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله للسّفارة الأميركية بالعمل على منع إجراء الإنتخابات)، لا يرقى الى الحقيقة، وخصوصاً انّ الموقف الاميركي من الانتخابات ثابت لناحية إجرائها، وترك اللبنانيين يقرّرون من يختارون من دون أي تدخّلات او ضغوط من أي جهة كانت. علماً انّ الولايات المتحدة، وكذلك فرنسا، وسائر المجتمع الدولي في حالة ترقّب للاستحقاق الانتخابي في لبنان. وواشنطن وباريس تأملان بأن تحاط الانتخابات بالمزيد من الشفافية والديموقراطية».
وأعرب هؤلاء الديبلوماسيون، والكلام للمصادر النيابية في اللجنة الخارجية، ان ليس أمام المسؤولين اللبنانيين أي حجة لعدم اجراء الانتخابات، وإذا كانت هذه الانتخابات فرصة لإعادة إنتاج الحياة النيابية والسياسية في لبنان، بما يؤسس لسلوك مسار المعالجات للأزمة الراهنة، خلافاً للمنحى الذي تسبّب بهذه الأزمة وتفاقمها، فإنّ عدم إجرائها يعني خسارة لبنان الفرصة التي اتاحها له صندوق النقد الدولي، وكذلك إقفال أي باب مفترض لمساعدة لبنان من كل اصدقائه سواء الغربيين والاوروبيين او العرب، وتحديداً دول الخليج».
شهر الاحتمالات والمفاجآت
ولا تختلف هذه الأجواء عمّا هو سائد لدى مختلف مراكز الإحصاءات والدراسات الانتخابات، فهي وإن كانت شبه متيقنة من أنّ نتائج انتخابات 15 ايار، لن تحدث تغييراً يُعتد به في الخريطة النيابية عمّا هي قائمة عليه في المجلس النيابي الحالي. الّا انّها من جهة ثانية، ما زالت بعيدة جداً عن اليقين في إمكان إجرائها، وخصوصاً انّ فترة الشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات، ووفق المؤشرات التحضيرية للأطراف السياسية، تبدو شديدة السخونة تبعاً للخطاب الناري المتبادل بين القوى المتنافسة، ما يجعل من الشهر المتبقّي شهر القلق والاحتمالات والمفاجآت.
وإذ تسلّط إحدى الدراسات الصادرة الحديثة الضوء على ما يسود الأجواء الداخلية من حديث عن عراقيل ونوايا تعطيل، الّا انّها لا تتبنّى أياً منها. بل تلحظ مسألة غاية في الأهمية، مفادها انّ كل الاطراف تبدو متهيّبة من عدم اجراء الانتخابات. وعندما يُطرح عليهم السؤال: أي صورة سيكون عليها لبنان في 16 أيار فيما لو لم تجرِ الانتخابات؟ يقابل بخوف واضح.
وبحسب هذه الدراسة، فإنّ في موازاة الصعوبة التي تبدّت مع تشكيل اللوائح المتنافسة، يتبدّى الهاجس الأكبر لدى القوى الحزبيّة على اختلافها، ويتجلّى في انّ المزاج الشعبي ليس مستجيباً بالقدر الذي تريده، ونسبة المترددين او المنكفئين في بيئاتها الحاضنة مرتفعة جداً، حيث لا تبدو البرامج المطروحة مقنعة او مغرية للناخبين وسط ازمة اطاحت كل شيء. ولذلك وفي موازاة جهدها المكثف، لجذب المنكفئين الذين يشكّلون الشريحة الأوسع من اللبنانيين، باتت اولويتها القصوى الرهان بالدرجة الاولى على قواعدها الشعبيّة لتحفيزها على المشاركة الكثيفة في عمليات الاقتراع. وهذه القواعد باتت مستنفرة بالفعل، وهذا ما يظهر في اللقاءات الحزبية العلنية والسرية، الّا انّ ذلك لا يكفي لتحقيق ما تصبو اليه تلك الاحزاب، وهذا ما يجعلها قلقة بالفعل من نتائج الانتخابات، وما سيترتب عليها ليس فقط على شكل الحكومة التي يفترض ان تتشكّل بعد الانتخابات مباشرة، بل لأنّ انتخابات 15 ايار مرتبطة بشكل مباشر بالاستحقاق الرئاسي اواخر تشرين الاول المقبل، حيث انّ الأكثرية التي ستتشكّل بعد الانتخابات سيكون رأيها الراجح في فرض الرئيس الجديد للجمهورية.
«الكابيتال» بدأ سيره
من جهة ثانية، خضع مشروع قانون «الكابيتال كونترول» لجولة من البحث والنقاش في اللجان النيابية المشتركة امس، حيث تمّ إقرار بعض مواد المشروع ومن ضمنها حماية اموال المودعين، فيما رُحّلت المصادقة على المواد المتبقية إلى جلسة تعقدها اللجان المشتركة قبل ظهر الثلاثاء المقبل. وقال نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزي: «كان هناك نقاش مستفيض، واستلهمت بصورة رئيسية من النواب مسألة الحقوق الدستورية الأساسية للمودعين وأموالهم في المصارف اللبنانية».
كنعان
وقال النائب ابراهيم كنعان بعد الجلسة: «لإقرار «كابيتال كونترول» يجب ان يكون هناك رأس مال وودائع ناس، وقبل تحديد الخسائر وتوزيعها يجب وضع خطة واضحة، و«الكابيتال كونترول» يجب ان يحافظ على مصلحة الناس». اضاف: «نُدخل تعديلات على صيغة «الكابيتال» المحالة من الحكومة. وذكرنا في المادة الاولى انّ الودائع مصانة بالدستور، وعملياً بتوزيع الخسائر الذي يجب ان يكون عادلاً ويجب ألا يأخذ بطريقه تعب الناس».
فياض
وقال النائب علي فياض: «البلد يتطلب كابيتال كونترول، لكن ليس اي كابيتال كونترول. والمعيار الأساس الذي يجب ان يؤخذ في الاعتبار على المستوى القانوني للإجراءات والضوابط الاستثنائية هو مصالح المودعين. ولذلك نجحنا اليوم في ما يتعلق بالمادة الاولى ان نغيّر الصيغة التي جاءت من الحكومة كي تلحق بالأسباب الموجبة، واستُبدلت بمادة قانونية، انّ حقوق المودعين هي امر مكرّس على المستوى الدستوري، وانّ الضوابط الاستثنائية والموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية التي تتضمنها مواد هذا القانون لا تشكّل مساساً بحقوق المودعين في الحصول على ودائعهم».
عدوان
وقال النائب جورج عدوان: «وضعنا اليوم بوضوح وبالقانون حقوق المودعين، يأتي هذا القانون ليعلّقها استثنائياً ولمدة محدّدة، انما الدستور يحمي هذه الحقوق ولن نقبل بأن تُمسّ اطلاقاً. وثانياً، المطالبة بهذه الحقوق إذا اردنا ان نعلّقها استثنائياً لمدة محدّدة ليس معنى ذلك ان نعطي براءة ذمة لأحد حيال كل ما حصل، براءة الذمة لن تُعطى. ستبقى هناك محاسبة وتحمّل مسؤولية. المسؤولية الكبرى تتحمّلها الدولة وبعد ذلك مصرف لبنان ثم المصارف. أنهينا هذا التفاهم على هذه المبادئ، وبقية المواد لن تأتي لننشئ لجاناً تعيدنا الى الأنظمة التوتاليتارية وهي تنظّم كل شؤون البلد. ليس عمل مجلس النواب ان يعطي صلاحيات للجنة تعمل على هواها بأمور الناس. نحن نأتي لنضع «كابيتال كونترول» وتحديداً مهمّة محصورة، مع الانتباه الى مدة معينة وكيف سنوفّر حقوق المودعين وكيف سنخرج من هذا الوضع الاستثنائي، ويجب ان يكون مرتبطاً بالخطة العامة».
وقال النائب قاسم هاشم: «التعديل الأهمّ على قانون «الكابيتال كونترول» يتعلّق بحقوق المودعين، لأنّه كان ملتبساً في هذه النقطة وتمّ التأكيد على أنّ حقوق المودعين لا يمكن المساس بها».