كتبت صحيفة “النهار” تقول: لم تتسع هموم اللبنانيين ولا أولويات السياسة والانتخابات امس لاحياء الذكرى الـ47 لاشتعال شرارة الحرب في لبنان وعلى لبنان في 13 نيسان عام 1975 فكادت الذكرى تمر بصمت وتجاهل لولا تحرك لأهالي المخطوفين والمفقودين أعاد التذكير بمأساة عمرها اكثر من أربعة عقود.
اما في الظروف الساخنة الحالية فتوزع المشهد الداخلي على ثلاثة مسارات رئيسية قبل شهر من موعد الانتخابات النيابية بما يضفي على هذا المشهد طابعا مفصليا سيترك انعكاساته وتأثيراته حتما على نتائج الانتخابات ما لم تطرأ تطورات خارجية او داخلية جديدة من شأنها ان تبدل المشهد رأسا على عقب. وهذه المسارات التي ملأت الساحة الداخلية بصخبها في الأيام الأخيرة تتمثل أولا بمفاعيل متواصلة وتصاعدية تباعا لعودة سفراء دول مجلس التعاون الخليجي الى بيروت، وثانيا بالشروع “نظريا” حكوميا ونيابيا في وضع الالتزامات التي قطعها لبنان في الاتفاق الاولي مع صندوق النقد الدولي موضع التنفيذ، ولكن ببطء متعمد على الأرجح الى ما بعد الانتخابات “وعلى خطى السلحفاة”، وثالثا دخول البلاد من الباب العريض صلب المواجهات والمبارزات الانتخابية الى حدود ان بعض الدوائر السياسية والاستقصائية كما بعض البعثات الديبلوماسية بدأت من الان ترسم معالم متقدمة لصورة السيناريوات التي ستفضي اليها الانتخابات بنسبة عالية .
وفي ظل هذا السباق المتزامن بين المسارات الثلاثة استرعت زيارة السفير السعودي وليد بخاري بعد أيام قليلة من عودته الى بيروت رئيس الجمهورية ميشال عون امس في قصر بعبدا، اذ بددت المعلومات التي كانت تحدثت عن عدم نية السفير السعودي في اجراء لقاءات رسمية في هذه الآونة. وأفادت المعلومات التي وزعت عن اللقاء انه تم عرض للعلاقات الثنائية والاوضاع العامة واوضح السفير بخاري انه قدم المعايدة لرئيس الجمهورية بمناسبة قرب حلول عيد الفصح واكد “حرص المملكة العربية السعودية على مساعدة الشعب اللبناني في الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان”، وشدد على” تفعيل العلاقات بين البلدين بعد استدعاء السفراء الذي حصل”. واطلع السفير بخاري رئيس الجمهورية على آلية عمل الصندوق السعودي الفرنسي المشترك المخصص للدعم الإنساني وتحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان. كما ان عون تسلم امس أوراق اعتماد سفير قطر الجديد ابراهيم بن عبد العزيز محمد صالح السهلاوي.
وفي هذا السياق لفت السفيرالكويتي عبد العال القناعي بعد زيارته امس للسرايا الى “إن عودة العلاقات الديبلوماسية وعودة السفراء مؤشر الى نجاح المبادرة الكويتية وأن الطرفين في لبنان الشقيق وفي الخليج قد توصلا الى إتفاق مشترك بأن التاريخ والمصير اللذين يجمعهما هو أعلى وأهم من كل شيء، وإن شاء الله يكون ما حدث غيمة عابرة”.
خطة التعافي
اما على صعيد البدء بوضع التزامات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي موضع التنفيذ فان جلسة مجلس الوزراء ستشهد اليوم من خارج جدول الاعمال عرضا اوليا لخطة التعافي الاقتصادي، علما انه من غير المتوقع إقرارها اليوم لان ثمة الكثير من فصولها سيحتاج الى مناقشات معمقة باعتبار ان الافرقاء المعنيين في الحكومة لم يطلعوا عليها تفصيليا بعد. وتكتسب خطة التعافي اهمية بالغة نظراً الى انها ستكون نواة البرنامج المزمع توقيعه مع الصندوق. وعليه، فهي ستلحظ كل الإجراءات الاساسية المتفق عليها مع بعثة الصندوق والمدرجة في ورقة الاتفاق الأولي. وتشكل مسألة توحيد سعر الصرف واعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر المالية الحيّز الأهم فيها، نظراً الى ان ما تقترحه الحكومة في خطتها سيكشف التوجهات الاقتصادية والمالية التي ستحكم البلاد في السنوات الأربع المقبلة، وهي مدة البرنامج كما ورد في الاتفاق، وسيحدد التوقعات الرسمية للنمو وتنشيط الاقتصاد واعادة التعافي.
والتزمت الحكومة عموماً والفريق الاقتصادي لرئيسها خصوصا الصمت والامتناع عن تسريب اي معلومات حول الخطة، عازية التكتم الى ان الخطة لا تزال تخضع لتعديلات وملاحظات انطلاقاً من المناقشات التي تجريها مع الهيئات الاقتصادية، حيث تستمع الى ملاحظاتها واعتراضاتها، علماً ان أوساط هذه الهيئات لا تخفي انزعاجها من الاقتراحات الحكومية ومن عدم التجاوب الرسمي مع طروحاتها.
الكابيتال كونترول
وفي سياق متصل لم تقر جلسة اللجان النيابية امس مشروع قانون الكابيتال كونترول على ان تعقد جلسة أخرى الثلثاء المقبل ولكن تم امس إدخال تعديلات على المادة الأولى لجهة تأكيد حماية الودائع. وتبارى نواب الكتل الكبيرة في “الحفاوة” بهذا التعديل فيما بدا من الصعوبة توقع انجاز درس المشروع كاملا وإقراره معدلا قبل موعد الانتخابات اذا ظلت جلسات اللجان على هذه الوتيرة المتمهلة .
واعتبر رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان انه “لاقرار كابيتال كونترول، يجب ان يكون هناك رأس مال، وعندما نريد ان ننظم ضوابط على ودائع الناس يجب ان نعرف حجم هذه الودائع وتحديد الخسائر وتوزيعها من ضمن خطة عادلة، ونحن لم نفهم حتى اليوم كيف وزعت الحكومة الخسائر وحددتها، واذا ما اتفقت مع صندوق النقد الدولي حولها”. ورأى “اننا اليوم امام مشروع تعطى فيه صلاحيات للجنة تحولها الى مجلس عرفي، والمطلوب البحث في صلاحيات هذه اللجنة لوضع ضوابط لها ومنع تجميد ودائع الناس على مدى سنتين واربعة من دون اي رقابة او العودة الى المجلس النيابي، ومن دون ان يكون للحكومة دور فعلي، لذلك يجب درس المشروع بتأن وجدية كما هو حاصل اليوم”.
كما ان النائب جورج عدوان اعتبر ان “ما يحصل هو امر غير طبيعي لان قانون الكابيتال كونترول والموازنة طبيعي ان يأتيا في سياق الخطة الشاملة الاقتصادية المالية النقدية. كيف سنحكي عن كابيتال كونترول قبل ان نقول كل الخطة لماذا؟ واليوم طرحناها ونصر ان توضع في القانون ولو بالاسباب الموجبة، اذا لم نحدد المسؤوليات وقلنا ما الذي اوصلنا الى هنا. وضعنا اليوم بوضوح وبالقانون حقوق المودعين، يأتي هذا القانون ليعلقها استثنائيا ولمدة محددة، انما الدستور يحمي هذه الحقوق ولن نقبل بأن تمس اطلاقا”
واعتبر النائب قاسم هاشم ان “التعديل الأهمّ على قانون الكابيتال كونترول يتعلّق بحقوق المودعين لأنه كان ملتبساً في هذه النقطة وتمّ التأكيد أن حقوق المودعين لا يمكن المساس بها. اضاف “: طلبنا من مصرف لبنان أن يتمّ إعداد تصوّر واضح حول ما يريده تحديداً لتُبنى النقاشات على أساسه.
وقال النائب علي فياض: “نجحنا اليوم في ما يتعلق بالمادة الاولى ان نغير الصيغة التي جاءت من الحكومة كي تلحق بالاسباب الموجبة، واستبدلت بمادة قانونية ان حقوق المودعين هي امر مكرس على المستوى الدستوري، وان الضوابط الاستثنائية والموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية التي تتضمنها مواد هذا القانون لا تشكل مساسا بحقوق المودعين في حصول على ودائعهم”.
الانتخابات
على صعيد المشهد الانتخابي شدد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في حديث تلفزيوني على ان “الأمل هو أن تفرز الانتخابات المقبلة وجوها جديدة، فمن غير المعقول أن تظل الأسماء نفسها تسيطر على الحياة السياسية في لبنان منذ أكثر من ثلاثين عاما”، مشيرا إلى أنه يدعو إلى التصويت بكثافة في الانتخابات المقبلة “من أجل أن تعكس الصناديق الانتخابية هوية لبنان”.
واعلن امس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من معراب البرنامج الانتخابي ل”القوات ” على أساس ” خارطة حل متكاملة تقوم على المبادىء والخطوات وتتضمن حصر السلاح بيد الدولة وتطبيق القرارات الدولية وتأكيد الحياد الايجابي وحمايته بتوثيقه في جامعة الدول العربية والامم المتحدة وتحييد لبنان واللبنانيين عن الصراعات والمحاور وتأكيد اتفاقية الهدنة ووثيقة الوفاق الوطني وتطبيق اللامركزية الموسعة”. واعتبر ان “الإشكاليات الأساسية التي يعاني منها لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود هي ثنائية هيمنة حزب الله على القرار السياسي والأمني والاستراتيجي في الدولة وتحكم منظومة الفساد بمفاصلها كافة”. وقال ان “الشيعة مواطنون لبنانيّون مثلنا ولكن حزب الله يحاول دائماً خطفهم والتحدث باسمهم جميعاً وأتصوّر أنّهم سيكونون الأكثر إستفادة من عملنا لأنّهم هم الأكثر حرماناً رغم “البطولات” التي يتحدّث عنها “الحزب” ونحن لسنا ضدّ المقاومة ولكن نحن مع المقاومة الفعليّة وحزب الله هو أكثر من يُتاجر بمفهوم المقاومة”.