في ظل التخبط الأميركي في المنطقة بعد سقوط فقاعات الحديث عن الحرب، والعجز عن تأمين تسويات سياسية تواكب اي قرار جدي بالانسحاب، تقدم جيش الاحتلال إلى الواجهة للمشاغلة الأمنية بتوصيات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، فتحرّكت جبهتا جنوب لبنان والجولان بعمليات متفاوتة المسارات بين قصف استهدف مواقع عسكرية سورية على حدود الجولان، وإلقاء القنابل المضيئة والقصف المدفعي في المناطق المتاخمة للحدود في جنوب لبنان، وهو ما وضعته مصادر في محور المقاومة في دائرة الحرب النفسيّة للإيحاء بالقدرة على تغيير الموازين والتلويح بإمكانية شن حرب، بينما الإسرائيلي محكوم بمعادلات ردع تفوق قدرته على التورط بما يتخطّى حدود العمل التكتيكي. وقالت المصادر إن جهوزية قوى المقاومة والجيش السوري عالية لمتابعة التطورات، والتعامل مع أي فرضيّة تصعيد تسعى لتغيير المعادلات والتوازنات.
الوضع الإقليمي والدولي الذي يبدو متقدماً الى الصف الأول من الأحداث على حساب الأوضاع المحلية، بدأ يتحول الى تفسير وحيد للجمود المسيطر على المسار الحكومي، حيث الأسباب المحلية أمام مخاطر الفشل في ولادة حكومة جديدة، وتقدم مسار الانهيار، لم تعد كافية لفهم الانسداد في المسار الحكومي، خصوصاً أن لا أحد يستطيع الفصل بين المسار الحكومي من جهة، ومسار العقوبات المتكرّر عند كل عقدة استعصاء حكومية، ومحاولة رسم سقوف خارجية متعددة تحكم كل تحرك نحو تشكيل حكومة، خصوصاً بعد الانضباط الفرنسي تحت السقف الأميركي، وفق ما أرادت قوله كلمات الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون بين سطورها بالحديث عن وزراء يحظون برضا المجتمع الدولي، وكلمة المجتمع الدولي تعني في كلام ماكرون طرفاً واحداً هو الأميركي.
وفقاً لهذا التفسير الذي تعتبره مصادر مواكبة للمسار الحكومي سبباً للتشاؤم في تجاوز العقد بمساعٍ داخلية للحلحلة، وشروط خارجيّة تعجيزيّة، ما يعني توقع مرحلة غير قصيرة من التدهور السياسي والاقتصادي والمالي بدأت ملامحه بالارتفاع التصاعدي لسعر صرف الدولار الذي تجاوز سقف الـ 8000 ليرة، وهو ما ترى المصادر المتابعة للوضع النقديّ في سوق الصرف أنه تعبير عن إعلان مرحلة جديدة عنوانها العودة لسلاح الضغط على سعر الليرة لتحريك الشارع للضغط السياسي، تحت شعار المطلوب الحصول على العملات الصعبة وطريقها معلوم. وهذا الطريق هو استرضاء الأميركي، وسبل الاسترضاء لا تُخفى على أحد وعنوانها تلبية الشروط الأميركيّة.
بالتوازي بقي التفشي لفيروس كورونا في ظل الإقفال في تصاعد يحصد أرقاماً عالية بين الإصابات والوفيات، بينما قالت مصادر صحيّة إنه من المبكر الحكم على الإقفال قبل نهاية مهلة الأسبوعين.
مسودّة حكوميّة للحريريّ نهاية الأسبوع
يبدو أن الرئيس المكلّف سعد الحريري يتّجه إلى رمي كرة تعطيل تأليف الحكومة إلى ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وذلك عبر إيداعه مسودة حكومية تتضمن الأسماء وتوزيعة الحقائب وذلك في زيارة مرتقبة إلى بعبدا خلال أيام مع ترجيح أن تكون نهاية الأسبوع الحالي. وهذا ما أكده عضو كتلة «المستقبل» النائب هادي حبيش في تصريح أمس، بأن «الرئيس الحريري سيقدم تشكيلته قريباً لأن الوضع لم يعد يحتمل وهذه ستكون الفرصة الأخيرة للبنان والطبقة السياسية». وكشف بـ»أننا سنرى أسماء في الحكومة لم نسمع بها من قبل لكن سيرها الذاتية مهمة للغاية».
وعون لن يوقّع…
إلا أن الرئيس عون بحسب أوساط مطلعة على موقفه لـ»البناء» لا يزال على موقفه ولن يوقع تشكيلة حكوميّة لا تراعي المعايير الموحّدة والأصول الدستورية التي تمنح رئيس البلاد صلاحية الشراكة بالتأليف، وبالتالي الموافقة على الأسماء التي يقترحها الرئيس المكلف.
وأكدت أوساط التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن «لا التيار ولا الرئيس عون سيرضخون لتركيبة حكومية نسخة جديدة عن التركيبة التي حكمت البلد منذ العام 1990 حتى 2005»، متسائلة: كيف يتفق الرئيس المكلف مع ثنائي أمل وحزب الله ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس المردة سليمان فرنجية على الحصص الشيعية والسنية والدرزية ويمنح نفسه حق اختيار الحصة المسيحية؟ واتهمت الأوساط الفريق الأميركي في لبنان باستغلال ظرف إقليمي – دولي لفرض حكومة جديدة وفق شروطهم وبالتالي فرض معادلة جديدة في البلد»، وأكدت بأننا شركاء في القرار السياسي في البلد ولن نسمح بتهميشنا مهما بلغت الضغوط والعقوبات التي لن تجدي نفعاً مع رئيس التيار جبران باسيل».
وعن المعلومات التي تتردّد عن تهديد أميركي بفرض عقوبات على الرئيس عون، أوضحت الأوساط العونية أن العقوبات الأميركية على باسيل جاءت بذريعة الفساد رغم أنها ادعاءات فارغة لكن وفقاً لأي ذريعة سيجري فرض عقوبات على رئيس الجمهورية؟ وأضافت بلغة ساخرة: «إذا حصل ذلك فالأفضل أن يأتي الأميركيون ويتسلموا البلد ودستوره ويحكموه وفق القوانين الترامبية الأميركية، فهل هذا ما يريده الأميركيون؟».
ماكرون يتابع
وفي ظل الانقسام في الموقف الفرنسي حيال التعامل مع الأزمة اللبنانية برز موقف فرنسي لم يتضح تفسيره وترجمته على أرض الواقع، عبرت عنه الرئاسة الفرسية بقولها إن «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتابع الوضع في لبنان حيث يجب تعيين وزراء تثق بهم الأسرة الدولية».
مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي أوضحت لـ»البناء» أن «فرنسا هي صاحبة المبادرة التي أطلقها ماكرون خلال زيارته الى لبنان بعد تفجير المرفأ في آب الماضي، ولذلك تعمل لأن يكون لديها حصة وازنة في الحكومة عبر وزراء مقربين منها وبحقائب محددة ترى أنها تحقق المصالح الفرنسية في المتوسط وليس في لبنان فحسب»، تضيف المصادر بأن إصرار الحريري على اختيار الوزراء المسيحيين ما هو إلا انعكاس لموقفين الأول فرنسي الذي يريد نيل حصة وازنة في الحكومة وللموقف الأميركي بإقصاء الرئيس عون والنائب باسيل حليفي حزب الله عن التشكيلة الحكومية أو على الأقل تقليص نفوذهما قدر الإمكان»، كاشفة عن خلاف أميركي فرنسي حول تمثيل حزب الله في الحكومة، ففي حين لا تقف باريس ضد ذلك تصرّ واشنطن على استبعاد الحزب عن اي تمثيل في الحكومة».
شروط أميركيّة على الحريري
وفي سياق ذلك كشفت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن الإدارة الأميركية أبلغت الرئيس الحريري عبر سفارتها في بيروت، جملة شروط يجب أخذها بالاعتبار في مسألة تأليف الحكومة الجديدة وهي:
منع رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل من تسمية الوزراء المسيحيين.
رفض تمثيل حزب الله في الحكومة مباشرة أو مواربة.
أما الشرط الثالث والأخطر فهو منع الحريري من تقديم اعتذاره عن متابعة التأليف.
فالإدارة الأميركية بحسب المصادر تريد حكومة توقع لـ”إسرائيل” اتفاق ترسيم الحدود لمصلحتها وتسقط من حساباتها إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم وتستجيب لشروط صندوق النقد الدولي لاستكمال وضع اليد على لبنان بالكامل.
وفي أول موقف له في ملف ترسيم الحدود بعد العقوبات على باسيل، أكد رئيس الجمهورية خلال استقباله قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل” ستيفانو ديل كول، أن “ترسيم الحدود البحرية يتم على أساس الخط الذي ينطلق براً من نقطة رأس الناقورة، استناداً الى المبدأ العام المعروف بالخط الوسطي من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية الفلسطينية المحتلة”. من جهته، أكد الجنرال ديل كول “اننا مرتاحون للمفاوضات الجارية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية”.
وإزاء سلة الشروط والمعطيات، بحسب المصادر، فإن الحكومة باتت بحكم المؤجلة إلى أجل غير مسمّى وربما إلى العام المقبل وأكثر وباتت حكومة لبنان مرتبطة بالوضع المستجدّ في الولايات المتحدة الأميركية والصراع في المنطقة.
وأمام هذا الواقع السياسي والحكومي المأزوم وتصعيد الضغط والحرب الأميركية الاقتصادية والسياسية على لبنان، تخوّفت جهات أمنية من “انعكاسات ميدانية خطيرة ناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين ما سيؤدي الى تحركات شعبية مطلبية تكون عرضة لتدخلات خارجية لتأجيج الشارع، لا سيما مع استخدام واشنطن وحلفائها في لبنان سلاح الدولار في الصراع الداخلي للضغط على رئيس الجمهورية وحزب الله”، وهذا ما ظهرت مؤشراته بقفز سعر صرف الدولار في السوق السوداء خلال أيام الى 8500 ليرة. قبل أن يسجل مساء أمس تراجعاً إذ بلغ 8350 ليرة للشراء و8400 ليرة للمبيع.
أما الخوف الأكبر فيكمن بحسب المصادر، من “ضرب الاستقرار الأمني والاجتماعي وتهديد الوحدة الوطنية عبر أعمال إرهابية وعمليات اغتيال لشخصيات سياسية أو دينية”، وما يعزز هذا الاحتمال بحسب المصادر أن “أميركا اليوم بحالة انكفاء وانكسار وانسحاب لجيوشها من المنطقة، وبالتالي بحالة استراتيجية لا تمكنها من شن حرب عسكرية في المنطقة لذلك ستلجأ الى العمليات الأمنية التخريبية لتغطية انسحاباتها، إضافة الى افتعال حليفتها “اسرائيل” احداثاً وتوترات عسكرية على الحدود الجنوبية”.
توتر على الحدود الجنوبيّة
وكانت الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة شهدت توتراً، بعد أن عمد جيش الاحتلال الاسرائيلي مساء أمس الى إطلاق قنابل مضيئة في أجواء مستوطنة المطلة المحاذية للحدود مع لبنان.
وأفاد إعلام المقاومة أن جيش الاحتلال أطلق من الزاعورة سبع قذائف ضوئية في سهل الخيام كفركلا من عيار 155 ملم. وأضاف بأن مسيّرة معادية حلقت في أجواء السياج التقني لمستعمرة “المطلة” وسط استنفار كبير لجيش العدو داخل المستعمرة حيث طُلب من السكان عدم مغادرة منازلهم.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، تم إغلاق الطريق الرئيسي في مستعمرة المطلّة. ثم ما لبثت أن عادت الأمور إلى طبيعتها بعد ان اشتبهت “إسرائيل” بعملية تسلل، كما قال إعلام العدو.
حسن: التحسن لم يتحقق بعد
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 1909 إصابات جديدة بفيروس كورونا ما رفع العدد التراكمي للإصابات منذ بدء انتشار الوباء في شباط الفائت إلى 111905. وسجل لبنان 16 حالة وفاة جديدة ليرتفع العدد التراكميّ للوفيات إلى 868.
وأعلن وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عقب اجتماع اللجنة العلميّة لتقييم الوضع الوبائي أن “التحسن الملموس في خفض عدد الإصابات بكورونا لم يتحقق بعد وهو أمر طبيعي”. وطلب من المواطنين أن يتحلّوا بشجاعة الصبر خلال هذه الفترة، ولفت إلى أن “أعلى نسبة وفيّات هي فوق الـ60 عاماً والمُخالطون ينقلون العدوى للمسنّين وبعض حالات الوفيات لشباب تُعتبر حالات خاصّة ويمكننا خفض النسب”.
ورأى حسن أن “تسديد مستحقّات المستشفيات إنجاز تاريخي”، وأعلن أنه شكّل لجنة ستواكب حالات “كورونا” التي سوف تدخل الى المستشفيات، كما أنها ستراقب جودة الخدمات الطبية.
وأشار إلى أن خلال الاسبوع المُنصرم تمّت إضافة 80 سريراً في المستشفيات الخاصة لمرضى “كورونا”.
وأنهى المجلس العسكري برئاسة قائد الجيش العماد جوزيف عون بتعيين العميد الركن طوني قهوجي مديراً للمخابرات في الجيش اللبناني، وأحيل القرار الى وزيرة الدفاع زينة عكر التي وقعته على الفور.