لم تعد اخبار تشكيل الحكومة الجديدة ضمن الاولويات، بعدما تراجع منسوب التفاؤل بقرب ولادتها في ظل حجم التعقيدات الداخلية والخارجية، وبانتظار موقف حكومي مرتقب لرئيس الجمهورية ميشال عون في ذكرى الاستقلال، ومع ترقب «خطوة» يروج لها تيار «المستقبل» لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عبر «التهويل» بعرض تشكيلة متكاملة فيها اسماء مطلوبة «فرنسية» لحشر الرئاسة الاولى، دخلت الامم المتحدة وباريس على خط التشكيك في التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، مع تمدد خطر «كورونا» بانتظار معرفة نتائج الاقفال العام بعد نحو 3اسابيع… في هذا الوقت ارتفع حجم التوتر على الحدود الجنوبية في ظل «هلع» اسرائيلي يترجم يومياً توتراً دفع بالجيش الإسرائيلي الطلب من سكان المستوطنات الشمالية بالامس توخي الحذر بعد الاشتباه بعملية تسلل جرى خلالها اطلاق قنابل مضيئة على الحدود. هذا التوتر الاسرائيلي بسبب الخشية من رد حزب الله المرتقب على استشهاد احد عناصره في دمشق قبل اشهر، تزامن مع زيارة «الوقت بدل الضائع» لوزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى فلسطين المحتلة حيث حضر الملف اللبناني على «طاولة» المحادثات مع بنيامين نتانياهو، وقد جرى التوافق بحسب اوساط ديبلوماسية، ومصادر اعلامية اسرائيلية على استمرار الضغط العالي على لبنان، واستغلال أزمته الاقتصادية، والفشل في تشكيل حكومة جديدة، وتوريط الادارة الاميركية الجديدة في رفع منسوب الضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون، بهدف تخلي حزب الله عن صواريخه الدقيقة، او بالحد الادنى حشره داخليا، مع وجود استعداد اسرائيلي لتحمل المخاطرة باندلاع مواجهة، اذا كان الثمن «تقليم اظافر» الحزب؟
اذا، لم يكن لبنان بعيدا عن صلب المحادثات بين وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، ورئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو، فاذا كانت ادارة الرئيس دونالد ترامب تعمدت بعث «رسالة» بالغة الدلالة لادارة الرئيس المنتخب جون بايدن من خلال الزيارة الرسمية الاولى لوزير خارجية اميركي الى المستوطنات ضمن حدود الـ67، وكذلك عززت شرعية احتلال اسرائيل لهضبة الجولان من خلال زيارة بومبيو بالامس، حضر الملف اللبناني ضمن «حفلة» التوريط الاسرائيلية ـ الاميركية المشتركة للساكن الجديد في البيت الابيض، ووفقا لمصادر ديبلوماسية غربية، حصل توافق تام بين الجانبين الاميركي والاسرائيلي على المضي قدما في سياسة «ليّ الذراع» على الساحة اللبنانية، وقد شجع اذعان السلطة الفلسطينية للضغوط المالية التي اثمرت عودة التنسيق الامني والسياسي مع اسرائيل، واعادة سفراء السلطة الى الامارات والبحرين بعد سحبهما اعتراضا على التطبيع، شجع على رفع منسوب الضغط في الاسابيع والاشهر المقبلة على الساحة اللبنانية، بعدما توافق نتنياهو مع بومبيو على الحاجة إلى تغيير «صورة» لبنان، على الرغم من انها تحمل «مخاطر» قد تؤدي الى خطأ يؤدي الى تفجير على الجبهة الشمالية، لكن اسرائيل تبدو مستعدة اليوم لتحملها في ضوء ما تراه فرصة «لتقليم اظافر» حزب الله.
«الاخيار» و«الاشرارا»
وفي محاولة منها لشرح تطور الاوضاع على الساحة اللبنانية، أكدت صحيفة «يديعوت احرنوت» الاسرائيلية، ان النظرة النمطية السائدة تشير الى ان المشكلة في لبنان تنبع من قوة حزب الله العسكرية، وهذا ظاهراً تحد عسكري صرف، إذ ليس له جانب سياسي مهم. وتلفت الصحيفة الى ان إسرائيل تسلم ضمناً بالرواية المتجذرة في الولايات المتحدة وأوروبا، بأن في لبنان «أخيار» و«أشرار». الأخيار هم السُنة، والمسيحيون والدروز المعنيون بقيام دولة ليبرالية ومؤيدة للغرب. أما «الأشرار» فهم حزب الله. والاستنتاج الناشئ هو وجوب مساعدة من يسمون «أخياراً»، إذ إن مساعدتهم كفيلة بإضعاف معسكر «الأشرار»، حسب تعبير الصحيفة. لكن تغييرا مهما حصل برأيها في فهم الواقع، من خلال ربط هذا المفهوم بالسياسية الاقتصادية الكبيرة في لبنان، وهذا يعطي الغرب فرصة نادرة للتأثير على ما يجري في الدولة، بحسب الرؤية الاسرائيلية، ووفقا للمعادلة الجديدة المتفق عليها مع الاميركيين فان لبنان بحاجة ماسة للمساعدة الاقتصادية الفورية، مساعدة لا يمكن لفرنسا وحدها ان تقدمها، أو أنها لا تريد ذلك؟
التعثر الحكومي… واسرائيل!
وفي ما يمكن اعتباره تفسيرا لتعثر الرئيس المكلف سعد الحريري في تشكيل الحكومة العتيدة، كشفت «يديعوت» عن فرصة سانحة امام الإدارة الجديدة في واشنطن لخلق حوار مع الرئيس اللبناني ميشال عون الذي يجد صعوبة في تعيين حكومة مستقرة، واقتراح الاتفاق التالي: «مساعدة اقتصادية أميركية مقابل تعهد حزب الله بتفكيك المنشآت التي يحاول إنتاج الصواريخ الدقيقة فيها. واضافت ظاهراً، قد يرفض حزب الله، ولكنه أولاً وقبل كل شيء هو تنظيم سياسي يخاف على شرعيته الداخلية اللبنانية. وفي اللحظة التي يفهم فيها الجمهور اللبناني، بما فيه الجمهور الشيعي، بأن هناك إمكانيتين، الإصرار على رفض العرض الأميركي، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار الدولة، أو الموافقة مع الشد على الأسنان، فإنه كفيل بأن يوافق على الإمكانية المقترحة»!
قراءة اسرائيلية خاطئة؟
طبعا، تعد هذه القراءة قاصرة عن فهم الواقع اللبناني، وكذلك تقلل من شأن قدرة حزب الله على الصمود في مواجهة ضغوط مماثلة، كما تبدو «ساذجة» في تقدير مواقف رئيس الجمهورية غير القابلة للمساومة على «سلاح استراتيجي» تمتلكه المقاومة لخلق توازن في الردع يمنع استهداف لبنان عسكريا، وبرأي اوساط مقربة من حزب الله، فان اهمية هذه المعلومات تكمن في كشفها عن نمط التفكير الاسرائيلي- الاميركي في التعامل مع الساحة اللبنانية، ويفسر الحجم الهائل من الضغوط على فريق رئيس الجمهورية لاخضاعه، كما يكشف حقيقة الازمة المالية والاقتصادية المفتعلة بجزء كبير منها لجعل لبنان يدفع اثمانا استراتيجية في منطقة يجري العمل على رسم معادلاتها من جديد، طبعا لا يقلل ذلك من حجم الفساد المستشري في البلاد، لكن الازمة بجزء كبير منها سياسي، ولا بد من الحذر لان الاندفاعة لا تزال في اوجها على الرغم من خسارة ترامب للانتخابات، وثمة محاولة واضحة لتحميل الادارة الجديدة ارث الادارة الراحلة من خلال تقييدها باستراتيجيات يصعب التملص منها..
عرض اميركي «متشدد»
وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى ان العرض الأميركي سيكون أكثر تشدداً في المرحلة المقبلة «إما أن تقبلوا العرض أو تمارس الولايات المتحدة عقوبات اكبر واكثر اتساعا وشمولية ضد لبنان»، ولن تكون الرئاسة الاولى بمنأى عنها. ويعتقد الاسرائيليون، انه لمثل هذا النهج فضائل كثيرة، سواء من ناحية إسرائيل أم من ناحية الولايات المتحدة: فإذا نجح الأمر، فسيرفع التهديد العسكري الملموس الأكثر خطورة على إسرائيل، وحتى لو لم ينجح ـ وهو الامر المرجح، فسيدخل حزب الله إلى موقف الدفاع عن النفس في السياسة اللبنانية الداخلية. وكل إضعاف لحزب الله هو مس بإيران، فطهران برأي «يديعوت احرنوت» تعمل في العديد من الدول، بما في ذلك العراق وسوريا واليمن، ولكن الدولة الوحيدة التي نجحت فيها تماماً هي لبنان، والسؤال المغري للجميع «لماذا الصدام مباشرة مع إيران إذا كان ممكناً المس بها بسهولة عبر لبنان»؟.
انتهاء مرحلة «الهدوء»؟
وفي سياق متصل، جاء التحليق المكثف للطيران الاسرائيلي في الاجواء اللبنانية بالامس، والتوتر على الحدود، بعد ايام من انتهاء مناورات «الشمال»، واعلان حزب الله عن رفع درجة استنفاره، تزامنا، وبعد ساعات على غارات جوية مكثفة استهدفت محيط دمشق، ووفقا لصحيفة «اسرائيل اليوم»، ما حصل «رسالة» لاكثر من طرف ومنها ايران، ممن اعتقدوا خطأ بأن انتهاء ولاية ترامب ودخول جو بايدن المرتقب إلى البيت الأبيض سيؤديان إلى سياسة أكثر «تسامحا». ووفقا للصحيفة، ستعمل اسرائيل وفق مصالحها بعيدا عن موقف الادارة الجديدة من الملف النووي الايراني. لكن المخاوف الاسرائيلية من ردود الفعل لم تغب عن بال الصحيفة التي اشارت الى ان تجارب الماضي تفيد بأن إيران لا تسارع إلى الرد على المس بمصالحها، وهي تبحث الآن عن فرصة مناسبة، قبل أن تعمل مرة أخرى. وهذا يستوجب من إسرائيل اليقظة الاستخبارية العالية والتأهب في منظومات الدفاع الجوي، والفهم بأن الوضع في الشمال يتغير، ويحتمل أن يصل الهدوء النسبي الذي ميز الجبهة في الأشهر الأخيرة الآن إلى نهايته.
تهديد جدي او تهويل؟
وبرأي اوساط لبنانية معنية بهذا الملف، فان حملة التهويل الاسرائيلية تأتي في سياق الضغط على لبنان مواكبة لمفاوضات ترسيم الحدود، وكذلك للضغط على حزب الله وسط الازمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، لكنها لا تعتقد ان اسرائيل تحمل ترف المغامرة بالدخول بمواجهة عسكرية، انما هذا لا يمنع من ضرورة الحذر، خوفا من «دعسة ناقصة» قد تؤدي الى نتائج وخيمة.
عون «الخطوط الحمراء»
وفي رد غير مباشر على الرهانات الاسرائيلية – الاميركية، رسم الرئيس ميشال عون «خطا احمر» حول الحقوق اللبنانية البحرية والبرية، واكد خلال استقباله قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» ستيفانو ديل كول، حيث اكد له ضرورة ان يحصل ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق برا من نقطة رأس الناقورة، استنادا الى المبدأ العام المعروف بالخط الوسطي من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية الفلسطينية المحتلة.
وزراء فرنسيين «خارج التداول»؟
في هذا الوقت، لا يزال الجمود الحكومي «سيد الموقف»، وعلى وقع تسريب مصادر قصر الإليزيه بأن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ما يزال يتابع الوضع في لبنان، ويجري اتصالات مع واشنطن وموسكو، مع التأكيد على ضرورة تعيين وزراء تثق بهم الأسرة الدولية، ينتظر صدور موقف حكومي من الرئيس عون في ذكرى الاستقلال، بينما يعد الرئيس سعد الحريري لخطوة تحشر الرئيس من خلال تقديم تشكيلة كاملة يترك فيها اسمين مسيحيين للرئيس، بينما يشاركه في تسمية الاخرين، الامر الذي سبق ورفضه عون في الجلسة الاخيرة بعدما عمد الحريري الى رفع تشكيلة شبه جاهزة لا تحمل اسماء الوزراء الشيعة والدروز، والمفارقة ان الحريري اخرج وزارات الطاقة، والاتصالات، والاشغال، من «بازار» التأليف، وادعى ان للفرنسيين، كان لهم رأي حاسم في تعيين هؤلاء الوزراء، وهو الامر الذي لاقى رفضا في بعبدا. ووفقا لمصادر «المستقبل» فان «الاعتذار» موجود على اجندة الرئيس الحريري، لكنه يفضل التريث راهنا، وهو سيقدم تشكيلة كاملة قريبا لرئيس الجمهورية، وستكون تلك الفرصة الأخيرة، وبعدها اذا كان موقف عون سلبيا، «يبنى على الشيء مقتضاه».
وفي موقف يعكس الاستياء من قرب تأليف الحكومة، ويحمل «رسالة» بالغة الدلالة للرئيس المكلف سعد الحريري، اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان «اياً كانت الخلافات السياسية فإن حكومة حسان دياب هي حكومة تصريف اعمال ولا يحق لها دستورياً ان تعتكف عن العمل الى ان تشكل الحكومة الجديدة». وقال عبر «تويتر»: مر لبنان ايام الحرب بظاهرة حكومتين لكن تسيير المرفق العام قضى باختراع المراسيم الجوالة، اليوم اتخاذ القرارات كالموازنة وغيرها اكثر من ضروري.
اسئلة حول تحقيقات المرفأ؟
وفيما اكد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش على «أهمية استمرار الدعم لقوة «اليونيفيل»، التي تلعب دورا حاسما في الحفاظ على الهدوء على طول الخط الأزرق، والأمن والاستقرار في الجنوب وفي المنطقة، وذلك خلال احاطة الى مجلس الامن حول تطبيق القرار1701، شدد في الشأن الحكومي على «الحاجة الملحة لتشكيل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حكومة جديدة كفوءة ولها صلاحيات ومهنية للقيام بإصلاحات حيوية ومعالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية المتراكمة التي تواجه البلاد، بدءا بتطبيق خريطة الطريق التي ارستها فرنسا بشكل كامل وفي التوقيت المطلوب». لكن اللافت في كلام كوبيش كان حول انفجار مرفأ بيروت المأسوي في الرابع من آب، حيث «لاحظ» افتقار التحقيق إلى الوضوح وابلغ عن العديد من المناشدات والعرائض من المواطنين في هذا الصدد، كما كرر دعوة الأمين العام لإجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف في أسباب الانفجار لضمان المساءلة والعدالة والمساعدة على منع تكرار مثل هذه المآسي. وقد ترافق كلامه مع موقف فرنسي مشابه طالب المسؤولين اللبنانيين بالاسراع في التحقيقات والكشف عن حقيقة ما حصل في الرابع من آب. وقد استغربت اوساط متابعة للملف ارتفاع حجم الضغوط على السلطات اللبنانية في هذا التوقيت، مع العلم ان السلطات الفرنسية لم تزود المحققين اللبنانيين حتى الان بصور الاقمار الاصطناعية التي طلبها رئيس الجمهورية من الرئيس ماكرون لما حصل قبل الانفجار وبعده!
نتائج «الاقفال» بعد 3اسابيع؟
ومع تسجيل 16 حالة وفاة و1909اصابة جدية بـ«كورونا» خلال الـ 24 ساعة الماضية، لا تتوقع مصادر طبية، ان يعطي الاقفال العام نتائج قبل نحو ثلاثة اسابيع، والارقام الراهنة تعود الى اصابات ما قبل بدء الاقفال، والامل في الجهود لتوسيع جاهزية المستشفيات، ومع رفع التسعيرة حول «كورونا» ستزيد المستشفيات الخاصة اقسامها لاستقبال المرضى.
في هذا الوقت، اكد وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن ا«ن البلاد لا تستطيع تحمل اقفالا لاربعة اسابيع، واشار الى ان المعطيات العلمية والإحصائيات الموجودة لدى وزارة الصحة العامة لا تشير إلى تحسن ملموس حتى الآن في خفض عدد الإصابات أو نسبة الحدوث أو نسبة الوفيات، وهذا أمر طبيعي»، داعيا المواطنين إلى «الصبر والإلتزام لتخفيض الأرقام من خلال الإلتزام بعدم نقل العدوى إلى المنازل لأن أعلى نسبة وفاة تسجل بين من يتجاوزون ستين عاما، وهذا يدل على أن من يخالطون ينقلون العدوى إلى من هم في المنازل»، مشيرا إلى أن «الوفيات التي سجلت لدى الشباب هي حالات خاصة». وأمل «تقليص نسبة الحدوث في أسبوعي الإقفال، على أن يليهما خروج آمن لأن هذه فرصتنا الأخيرة». وأعلن حسن أن «الدائرة المالية في وزارة الصحة العامة أحالت إلى وزارة المالية الدفعة الأولى من مستحقات العام 2020 العائدة للمستشفيات، وبالنسبة إلى رفع جهوزية المستشفيات الحكومية، أعلن وزير الصحة أنه «خلال أربعة أسابيع سيبلغ عدد أسرة العناية الفائقة 256، حيث ستتم زيادة 114 سريرا إضافة إلى الـ 142 الموجودة حاليا»، كاشفا أن «المستشفيات الخاصة ستزيد من جهتها حوالى 80 سريرا خلال أسبوعين».