كتب خالد ابوشقرا – نداء الوطن : في الوقت الذي تتسابق فيه دول المنطقة على تأمين التمويل اللازم من صندوق النقد الدولي لمساعدة إقتصاداتها في مواجهة ما تسببه كورونا، ما زال لبنان يسير في الإتجاه المعاكس. فَتح “الصندوق” خطوطاً إئتمانية سريعة بقيمة 80 مليار دولار، وتخصّصية بنحو تريليون دولار للتدخل في دعم الدول ومساعدتها على النهوض، لم تعن شيئاً للمسؤولين السياسيين. فكل ما يهمهم عدم تنفيذ الإصلاحات، تماشياً مع المثل القائل “من بعدي الطوفان”.
المقارنة بين مصر ولبنان تظهر حجم “الجريمة” التي ارتكبها أهل الحكم في لبنان بحق الإقتصاد. فعدم تنفيذ أبسط الإصلاحات منذ نهاية العام 2019 وإهمال شروط الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي، خفّضا نسبة النمو في لبنان إلى (-25%) تحت الصفر. في حين حازت مصر دعماً مالياً من خلال برنامجين متتاليين مع الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار خلال شهر ونصف الشهر فقط. بالإضافة إلى تأمينها 4 مليارات دولار إضافية من مؤسسات تمويلية أخرى. فكانت النتيجة تحقيقها نمواً بنسبة 3.5 في المئة وتماثلها السريع إلى الشفاء من الازمات التي تعصف بدول المنطقة.
لا خلاص من دون “الخطة”
لم تكن مصر الدولة الوحيدة التي استفادت من التسهيلات المالية وتمديد فترات السماح واعتماد آليات مرنة وهادفة كالتي قدمها صندوق النقد الدولي. فمثلها فعل الأردن حيث كان لـ “الصندوق” دور فعال وسريع، ليس فقط من خلال التمويل الاضافي الذي تم تأمينه، إنما أيضاً من خلال تطوير البرامج والأخذ بالاعتبار خلق مساحة إضافية لتمكين الاردن من رفع الانفاق الصحي، بحسب مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي د. جهاد أزعور. حيث حصل الأردن على 1.3 مليار دولار، ومثله المغرب بقيمة 3 مليارات دولار، وأفغانسان وتونس وغيرها الكثير من الدول التي كانت بأمس الحاجة للمساعدة في مواجهة واحدة من أصعب الأزمات الإقتصادية التي تعصف بالدول. أما في لبنان فان “المساعدة ما زالت مقتصرة على التقنية” يقول أزعور. “وعلى الرغم من عدم انقطاع التواصل مع فريق الصندوق فان استئناف المفاوضات للدخول في برنامج وتأمين المساعدات يحتاج إلى وجود حكومة جديدة تعقد نيتها وتأخذ القرار الجدي باعادة وصل ما انقطع مع الصندوق”.
“إطالة عمر الأزمة الإقتصادية في لبنان حوّلتها أزمة إجتماعية” بحسب ازعور. حيث من الممكن بسهولة ملاحظة تداعياتها من خلال ارتفاع مستوى البطالة والتضخم الذي يعتبر من أصعب الضرائب التي تؤثر على المجتمع. “بالإضافة إلى الإرتفاع الكبير في أعداد المهاجرين من لبنان خلال الأشهر الماضية”. هذا الواقع يحتم المباشرة بتطبيق “خطة إصلاحية متكاملة مدعومة من كل الشركاء الأساسيين. ومنهم القوى السياسية في مجلس النواب، نظراً للحاجة إلى تشريعات إضافية، والفاعليات الإقتصادية، وجمعيات المجتمع المدني والمواطنون” يقول أزعور.
توجيه الدعم للمحتاجين
الخطة التي يتحدث عنها أزعور يجب عليها ان تحقق مجموعة من الأهداف أهمها: إستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين، معالجة جذرية للأوضاع المالية التي آلت اليها البلاد مع ما شهده القطاع المالي مؤخراً من مشاكل، الوصول إلى التوازن المالي العام، تحقيق الاصلاح المؤسساتي في الكهرباء وبقية المؤسسات لتفعيل قدرتها على خلق فرص عمل، وتخفيض العجز المالي ورفع مستوى الشفافية فيها. فمن شأن هذه الأهدف: تأمين إنطلاقة الإقتصاد وتمكين المواطنين اللبنانيين من أصحاب الدخول المحدودة. أما في الشق الإجتماعي فشدد أزعور على أهمية “إعادة النظر بسياسة الحماية الإجتماعية لتكون هادفة أكثر، وتمكّن من إعطاء الدعم للذين هم أكثر حاجة. خصوصاً ان تداعيات الازمات المتتالية كان لها تأثير كبير على الأوضاع الاجتماعية”.
متطلبات المرحلة الإنتقالية
صحيح ان دول المنطقة تمكنت من إدارة الصدمة الأولى الناتجة عن كورونا بفعالية إلا ان هذا لا يعني الاستكانة، فنحن في “مرحلة إنتقالية” بحسب أزعور. ومن المهم برأيه “التركيز على الإنتقال السريع من مرحلة إدارة الأزمة، وخاصة مخاطر موجة ثانية من الجائحة، إلى مرحلة التعافي والتحضير للإنتعاش الاقتصادي”. وهذا لن يتم إلا من خلال العمل على 3 مستويات:
– حماية المواطنين.
– العمل على المحافظة على الإستقرار الإقتصادي. والإستمرار بتأمين نسبة من الحماية الإقتصادية.
– التحضير لعملية “وثب” الاقتصاد والاستفادة من هذه الأزمة للتركيز على قطاعات برزت أهميتها الكبيرة مثل قطاع التكنولوجيا، الذي لعب دوراً مهماً وأساسياً بالتمكين في مواجهة الجائحة.
– الإستثمار بالطاقة البشرية التي تشكل مكوناً أساسياً لعودة النهوض الاقتصادي، نظراً لأن ثلثي المواطنين دون 30 عاماً.
– الاستثمار بالبنى التحتية.
التحديات ما زالت كبيرة، وإذا كانت بالنسبة لدول المنطقة تتلخص بالجائحة، وتقلبات أسعار النفط وتراجع التحويلات من المغتربين بين 5 و15 في المئة، فانها بالنسبة للبنان أضعاف مضاعفة. فبالاضافة إلى كل ما تقدم يعاني لبنان من التضخم المفرط وانهيار قيمة العملة وفقدان القدرة الشرائية، وتقهقر الناتج المحلي إلى حدود 18 مليار دولار، وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي أكثر من 250 في المئة. وهو ما يجعل منه في حال المماطلة في تنفيذ الإصلاحات وتأخير الدخول في برنامج شامل مع صندوق النقد “مقبرة” كبيرة لكل ما فيه من بشر وحجر.