المناخ العام يؤشّر الى انّ الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها المحدّد في 15 ايار المقبل. ولا صوت في الداخل يعلو على صوت الماكينات الانتخابية وحماوة التحضيرات الجارية على قدم وساق، لدخول أطراف السباق الانتخابي إلى غرف الإقتراع، لتحديد الصورة النيابية الجديدة التي ستحكم الواقع اللبناني للسنوات الاربع المقبلة.
إذا كانت مختلف الاطراف المعنية بهذا الاستحقاق تتشارك في مقولة ان لا يوجد أي سبب داخلي لتعطيله أو تأجيله، وهو ما تؤكّده السلطة الرسمية بكل مستوياتها الرئاسية والوزارية، التي تبدو مطمئنة الى إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد. وأكثر من ذلك، يؤكّد مرجع مسؤول، أنّ الانتخابات أصبحت قضاءً وقدراً، إلّا انّ كل ذلك، على أهميته، لم يبدّد حتى الآن علامات الاستفهام والتشكيك التي تطوّق هذا الإستحقاق، ربطاً بعدم تذليل مجموعة الموانع الماثلة في طريق الانتخابات، أكان في ما خصّ اقتراع المغتربين، نظراً لضعف العامل اللوجستي والمادي الذي يمكن من إتمام هذا الاقتراع بصورة طبيعية، وكذلك في ما خصّ المعضلة القضائية، إضافة الى مطالب الاساتذة، وايضاً في ما خصّ المعضلة الصعبة المتمثلة بكيفية تأمين التيار الكهربائي لمراكز الاقتراع والفرز يوم الانتخاب.
ad
وفي انتظار المعالجات الملحّة لهذه العقبات، وهي من مسؤولية السلطة الحاكمة لكي تستغل الوقت المتبقّي من الآن وحتى الاستحقاق، لفرضها حتى لا تصل مع بقاء هذه العقبات، إلى إرباكات تنسحب على العملية الانتخابية برمتها، فإنّ تصاعد الأزمة المعيشية والمالية فرض على كل المكونات الداخلية، أولويّة شديدة الإلحاح، وتتجلّى في كيفية ملاقاة صندوق النقد الدولي والدخول في نافذة الفرج التي فتحها أمام لبنان، أكان من خلال خطة التعافي التي يفترض ان تحاكي هذه الأزمة، بمخارج لا ترهق اللبنانيين بأعباء غير قادرين على تحمّلها، أو من خلال مشروع قانون “الكابيتال كونترول”، وايضاً من خلال إقرار سريع للقانون المتعلق برفع السرّية المصرفية.
وحول هذه الامور، تنقل مصادر اقتصادية مسؤولة أجواء تصفها بالحذرة من صندوق النقد الدولي، حيال كيفية تعاطي الجانب اللبناني مع متطلبات الصندوق التي تشّكل المعبر الإلزامي لانتقال لبنان الى مدار الإنفراجات التي ما زالت ممكنة.
وقالت المصادر لـ”الجمهورية”: “انّ صندوق النقد وضع لبنان أمام فرصة، وثمة أمران ملحّان يشكّل إنجازهما قبل الانتخابات النيابية تعزيزاً لهذه الفرصة، الأول إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، والثاني رفع السرّية المصرفية. وما لم يتمّ إنجازهما خلال هذه الفترة، فهذه الفرصة ستكون مهدّدة بالفعل، ولن يكون مفاجئاً إن بدّل الصندوق مساره عن لبنان وانتقل إلى مكان آخر. خصوصاً انّ حبل الدول الطالبة مساعدة صندوق النقد الدولي طويل جداً، إضافة الى انّ الحرب الروسية- الاوكرانية فرضت تطورات جديدة، وشديدة الخطورة، وهو ما ألمحت اليه رئيسة صندوق النقد كريستينا جيوريفا بقولها، انّ الصندوق أمام معضلة كبيرة جداً، وتتجلّى في انّه مطلوب منه ان يؤمّن ما يزيد عن 300 مليار دولار في اليوم الذي تتوقف فيه الحرب في أوكرانيا، ومن أين ستأتي هذه الأموال؟ وتبعاً لذلك، إذا ما فقد لبنان دوره مع صندوق النقد من خلال الفرصة التي أتاحها له، فقد لا يجده بسهولة في المستقبل، وساعتئذ سيهوي لبنان الى انهيار أكبر”.
وبحسب المصادر، فإنّ فرصة الصندوق الممنوحة للبنان تضيق كل دقيقة، وبات من الضروري جداً عليه ان يلتقطها عبر إقرار “الكابيتال كونترول” ورفع السرية المصرفية، كخطوة أولى قبل الانتخابات، وتتعزز هذه الفرصة اكثر في حال اقترن ذلك مع إقرار خطة التعافي، وتليها الخطوة التالية بعد الانتخابات عبر إقرار الموازنة العامة والقانون المتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
ورداً على سؤال قالت المصادر، إنّ كل الامور تصبح ميسّرة في حال نئي بـ”الكابيتال كونترول” عن الشعبويات والأبعاد الانتخابية التي يقارب فيها من قِبل بعض النواب، فلبنان يسير على حدّ السكين، والدواء المطروح للعلاج لا شك انّه مرّ، لأنّ المرض مستفحل في الجسم اللبناني، والأزمة المالية والاقتصادية خنقته. وكل كلام عن استعادة المليارات من الدولارات، هو حلم وهمي. ومن هنا فإنّ العرقلة المتعمدة، نتيجتها وحيدة هي عرقلة برنامج التعاون مع صندوق النقد الذي يشكّل الملاذ الوحيد للبنان وخياره الوحيد للخروج من أزمته الخانقة.
ولفتت المصادر الانتباه الى أنّ “وضع لبنان ليس ميؤوساً منه، إذا ما احسنّا الشغل عليه وسلكنا مسار المخارج، وتبعاً لذلك، لا عذر أمام لبنان للتأخّر أكثر في اقرار قانون “الكابيتال كونترول”، فها هي سيريلنكا على سبيل المثال، قد تعسّرت اقتصادياً ومالياً منذ نحو اسبوع، وأعلنت تخلّفها عن دفع سندات ديونها، فلجأت قبل يومين الى إجراء “كابيتال كونترول”، يعني في اقل من ثلاثة ايام، فيما لبنان ما زال يتخبّط ويعاند حول هذا الامر منذ ثلاث سنوات”.
وتعرب المصادر عن مخاوف جدّية من انّ الاستمرار في التعطيل، وعدم الاستجابة لفرصة صندوق النقد، معناه وضع لبنان أمام سيناريو اكثر كارثية مما عاناه على مدى الفترة الماضية. وأولى النذر السلبية عودة الدولار الى التحليق والى مستويات خيالية، (قفز أمس الى ما فوق 26 الف ليرة)، مع ما يرافق ذلك من أوجاع على كل المستويات، تحضّر الأجواء الداخلية لانفجار اجتماعي خطير.