الغربة قدر اللبنانيين، يحملون أعمارهم وامانيهم وطموحاتهم الى بلاد الله الواسعة، هربا من واقع مرير، وبحثا عن مستقبل أفضل.
قدر اللبنانيين أن يهبوا أولادهم وأنفسهم للغربة، هربا من وطن لا يعترف بهم، وطن يسحق انسانيتهم، ويمتهن كرامتهم، وطن يعيشون فيه أذلاء، أذلاء على أبواب المتنفذين يتوسلون وظيفة، أويتسولون خدمة، وطن لا يعترف الا بالمحسوبيات، ولا يحترم الا المتسلطين على رقاب الناس.
قدر اللبنانيين أن يرموا بأنفسهم في أتون الغربة، بحثا عن كرامة مفقودة، كرامة تهدر على أبواب الأفران، ومحطات الوقود، والمستشفيات، بحثا عن دواء مفقود، بحثا عن بصيص أمل بغد أفضل، بحثا عن وطن.
قدر اللبنانيين أن يهاجروا الى بلد يحترم الانسان لشخصه، لا لدينه او طائفته، او لانتمائه الحزبي او المناطقي، بلد لا يصنف المواطنين أبناء ست وأبناء جارية، وطن لا يصادر البعض فيه دور الله فيحكمون بفسق فلان وايمان آخر، وطن يكون فيه الدين محبة لا تعصب، رحمة لا إرهاب.
بالأمس صادر البحر حياة بعض اللبنانيين، لبنانيون لفظهم وطنهم، وقهرهم من يجب عليه حمايتهم، من جاء باسمهم او يدعي انه يتكلم باسمهم، حملوا آمالهم في زورق للعبور الى حياة أفضل، لكنه كان وسيلتهم الى عبور الحياة نحو الآخرة، وكان مصيرهم الموت، بينما يموت اللبنانيون في كل يوم ألف ألف مرة.
قضى بعض اللبنانيين نحبهم في هجرة نحو الحياة، بكاهم الفقراء امثالهم، وما اكثرهم، وتباكى عليهم من كانوا السبب في افقارهم، تباكت حتى صور المرشحين على الجدران قبل أن يمزقها المحتجون.
هل يوجد زورق يتسع لجموع اللبنانيين، فالكل ينوي الرحيل او يفكر بالرحيل، كلنا يعني كلنا نبحث عن وطن في الغربة.
غربة، ومن قال أنّا لا نعيش الغربة في وطننا، وطن لا نحمل منه الا بطاقة الهوية، وطن لا يعترف بنا كمواطنين، وطن لا نجد فيه قوت يومنا، بلد نعيش فيه الفقر، أليس الفقر في الوطن غربة؟