أيا يكن مضمون التوجهات والمواقف التي ستتضمنها الكلمة التي سيوجهها رئيس الجمهورية ميشال عون مساء اليوم الى اللبنانيين عشية احياء ذكرى الاستقلال فهي لن تحجب او تقوى على التخفيف من الوقع الصادم للواقع الذي بلغه لبنان في الشهر الأول من السنة الخامسة من عهده حتى لو لم يكن وحده مسؤولا عن الواقع الانهياري. فالواقع السيادي على أولويته الأساسية التي تبرز في هذه المناسبة الوطنية التي سيغيب عنها العرض العسكري التقليدي، كما سيغيب الاستقبال التقليدي في قصر بعبدا، يبدو مهمشا امام تصاعد الازمات المتناسلة في حين كاد اللبنانيون في يوميات الازمات من كورونا الى الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ينسون ان لبنان يرزح تحت وطأة استحقاق عالق مأزوم لتأليف حكومة جديدة أصيب مسارها تأليفها أيضا بالشلل التام. وإذ انكشفت مع الأيام الأخيرة المتاريس السياسية التي سقطت عملية تأليف الحكومة في ساحتها، تصاعدت المخاوف من ان تشكل مؤشرات الانسداد الداخلي مسببات جديدة لعزلة خارجية خانقة لن يحتملها لبنان وستودي به الى مصير اشد قتامة. هذه المخاوف تعززت في الساعات الأخيرة بمجموعة مؤشرات كان اشدها اثارة للصدمة انهاء شركة “الفاريز ومارسال” للتدقيق الجنائي اتفاقها مع وزارة المال اللبنانية للتدقيق في حسابات مصرف لبنان في ما يعتبر سحبا للثقة بالدولة اللبنانية ونهاية للتدقيق الجنائي.
ولعل هذه التطورات وفرت صدقية كبيرة للهجوم الجديد البالغ الحدة الذي شنه امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على الدولة والسياسيين من دون استثناء امام مجموعات سيادية من الانتفاضة عشية ذكرى الاستقلال. وقد اعتبر الراعي ان “الدولة لا تبدو معنية الا بالتناحر على الحقائب والحصص وكأننا نعيش في عالم آخر”. وقال “ألوم السياسيين لانهم بدل بناء الدولة يعملون على هدمها وهذا ما لن نقبله. فما هذا العمل السياسي؟ نحن نستنكره استنكارا شاملا وكاملا ولا نستثني أحدا. كلهم مسؤولون ولم يبد احد الاستعداد للتضحية بمصالحه في وقت طار كل البلد”. وبلغ هجومه الذروة بقوله: “نهبتم الدولة وأمنتم اموالكم ولا تدركون ما هو الجوع والبطالة لانكم تقبضون من دون عمل فكيف سيقبل ذلك الشعب؟”.
وليس بعيدا من هذا الموقف البطريركي عكس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش تصاعد أجواء الادانة الدولية للتأخير الحاصل في تشكيل الحكومة وذلك عقب كشف كوبيتش عن اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان عقدته امس في بيروت دون إيضاح تفاصيله. وقال كوبيتش ان الاجتماع “بحث بقلق بالغ تفاقم الازمة المتشعبة في لبنان كما استنكر عدم إحراز تقدم في تشكيل الحكومة وعدم وجود إجراءات أكثر تصميما من قبل مؤسسات الدولة والمؤسسات المالية “. وأضاف بسؤال لاذع : ” لم يبدو ان الأجانب يهتمون بعافية ومصير لبنان وشعبه وأنهم قلقون لغياب الإجراءات والمماطلة اكثر من النخب السياسية في البلد؟”.
صدمة الانسحاب
في غضون ذلك شكل انسحاب شركة “الفاريز ومارسال” من الاتفاق الموقع مع وزارة المال للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان صدمة مفاجئة بعدما كان اتفق بين الشركة ووزارة المال على تمديد مهلة تسليم المستندات والوثائق المطلوبة من مصرف لبنان لفترة ثلاثة اشهر وهو امر عدته أوساط معنية بانه مؤشر فضائحي جديد على انهيار الثقة الخارجية الديبلوماسية والمالية بالدولة أيا تكن تبريرات الدولة لما حصل. وكان عقد إجتماع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وحضور وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني والوزير السابق سليم جريصاتي، أعلم وزني خلاله الرئيس عون أنه تلقى كتاباً من شركة “ألفاريز ومارسال” بإنهاء الاتفاق بالنظر “لعدم حصول الشركة على المعلومات والمستندات المطلوبة للمباشرة بتنفيذ مهمتها، وعدم تيقنها من التوصل إلى هكذا معلومات حتى ولو أعطيت لها فترة ثلاثة أشهر إضافية لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان”. وقالت مصادر مصرفية متابعة للملف ان مصرف لبنان سلم كل حسابات البنك المركزي الى شركة التدقيق كما انه طلب من الادارات والوزارات، وبموجب كتاب موجه الى وزير المال، السماح برفع السرية المصرفية عن حساباتها، ولتاريخه لم يأت الرد من أي من الوزارات او الادارات على طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وإعتبرت المصادر انه ولو كانت نية ألفاريز ومارسال الحقيقية هي إنجاز مهمتها بالطريقة الصحيحة لكانت وقعت العقد مباشرة مع مصرف لبنان الذي يتمتع بإستقلالية يصونها قانون النقد والتسليف، كما ان العقد الموقع مع الشركة نص على أن عملها سيكون ضمن القوانين اللبنانية المرعية الاجراء وقد سبق ان اكدت من خلال مضمون العقود انها قادرة على العمل ضمن هذه القوانين وإنجاز مهمتها، لتعود وتبرر إنسحابها من العقد بعد الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة نتيجة القيود والقوانين اللبنانية. وعلم ان اتصالات أجريت لعقد اجتماع مع ممثل الشركة لكنها لم تحسم بعد علما ان الاجتماع كان سيضم رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال ووزير المال والوزير السابق جريصاتي وممثل الشركة. والهدف من الاجتماع الذي سعى الرئيس عون الى عقده محاولة اقناع الشركة بعدم الخروج من الاتفاق. ولاحقا دارت الاسئلة عن ملكية المستندات التي حصلت عليها الشركة وحقوق التصرف بها.
إسرائيل والمفاوضات
ولم تقف سلسلة المفاجآت عند انسحاب شركة التدقيق بل اتسعت لتشمل تهديدا إسرائيليا باحتمال توقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل علما ان هذا التطور بدا استكمالا للمعطيات التي رافقت جولة الناقورة الأخيرة حول تصاعد الهوة بين الفريقين المفاوضين اللبناني والإسرائيلي حول المساحة التي تعود للبنان. واتهم وزير الطاقة الإسرائيلي يوفان شتاينتس امس لبنان بانه بدل مواقفه سبع مرات في شان ترسيم الحدود البحرية بين البلدين محذرا من “احتمال ان تصل المحادثات الى طريق مسدود وعرقلة مشاريع التنقيب عن محروقات في عرض البحر” . وإذ دعا الى “التزام مبدأ الاستقرار وتسوية الخلاف على أساس ما اودعته إسرائيل ولبنان لدى الأمم المتحدة ” حذر من ان “أي انحراف عن ذلك سيؤدي الى طريق مسدود “.
ورد مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية على وزير الطاقة الإسرائيلي نافيا المزاعم التي اطلقها عن تبديل مواقف لبنان واكد ان موقف لبنان ثابت في ما خَص المفاوضات غير المباشرة في موضوع الترسيم البحري وفقا للتوجهات التي أعطاها رئيس الجمهورية الى الوفد اللبناني المفاوض لا سيما لجهة ممارسة حقه السيادي .