تعد الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، ويعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، فهي وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى.
في معظم دول العالم الديمقراطية يكون البرنامج الانتخابي هو المعيار في انتخاب المرشحين، برنامج يقوم على تطوير النظام وتحسينه، تفعيل الديمقراطية، إقرار قوانين تهم المواطنين أو تعديلها.
يشذ لبنان عن القاعدة الديمقراطية، مع تشدق اللبنانيين بديمقراطيتهم، فيغيب البرنامج العام عن معظم اللوائح الانتخابية، وعن الأحزاب التي تدعمها، ويُستحضر الخطاب الطائفي المذهبي، ويعود ذلك الى طبيعة قانون الانتخاب، وتوزيعه الطائفي والمناطقي، ما يجعل الخطاب الطائفي وسيلة تجييش ضد الآخر بحجة التصدي للإلغاء تارة والهيمنة تارة أخرى.
أن تخرج أصوات مطالبة بنزع سلاح المقاومة فهذا يدخل ضمن اللعبة السياسية، وان كان ينطوي على نيات خبيثة ترتبط بمشاريع مشبوهة، لكن أن يخرج من هنا وهناك من يشيطن طائفة بكاملها فهذه دعوة الى فتنة طائفية صريحة، لعن الله من يوقظها.
للأسف، لم يعد الأمر مقتصرا على انتقاد سياسة حزب الله وأو حركة أمل، بل تعداها الى التطاول على عقائد الطائفة الشيعية وأسلوب حياتها، فيخرج من بين المرشحين من يجاهر برفض الحجاب أو العباءة في مناطق كسروان وجبيل وغيرها من المناطق المسيحية، ويرفض البعض ان تقام مراسم عاشوراء فيها، ويطالب البعض بطرد أبناء هذه الطائفة من مناطقه لأن هذه المناطق تهوى السباحة ولبس المايوهات وشرب الخمر وغيرها من الأمور.
يظن هؤلاء أن هذا الخطاب يرفع من شعبية مطلقه ويشد عصب الناخبين صوبه، دون النظر الى تداعيات هذا الخطاب على الأمن الأهلي، واستجرار خطاب طائفي مضاد، وهو ما حاول بعض المندسين والمصطادين في المياه العكرة ان يستغلوه عن سابق سوء نية، فانبرى أحد منتحلي صفة رجل دين الى إطلاق كلام مسيء بحق بعض المناطق المسيحية جوبه بالاستنكار والرفض من قبل القيادات السياسية والدينية لدى الطائفة الشيعية.
لبنان بلد محكوم بالتوافق، ولا يمكن لفريق مهما عظُم شأنه أن ينفرد بحكم هذا البلد، والشواهد على هذا الأمر كثيرة، ففي العام 2005 حصلت 14 آذار على الأكثرية في المجلس النيابي لكنها لم تستطع الحكم بمفردها، واضطر الرئيس سعد الحريري أن يشكل حكومته بالتوافق مع حركة أمل وحزب الله بالرغم من ان الأخير مُتهم باغتيال والده، وفي العام 2018 حصلت 8 آذار على الأكثرية ولم تستطع ان تتجاوز الحريري والقوات ، وبالتالي فحجة الإلغاء لا أساس لها من الصحة، وبغض النظر عمن يفوز بالأكثرية في الانتخابات القادمة لن يقدر ان يحكم منفردا وسيبقى التوافق سيد الموقف.
في الخامس عشر من شهر أيار تنتهي الانتخابات، وتفرز الصناديق الفائزين والخاسرين، وتخفت جوقة الجنون دون ان تنتهي تداعياتها، فترسبات الخطاب الطائفي تبقى عالقة في اذهان الكثير، وتنامي شعور الكره والخوف والتطرف ضد الآخرين، ما يزيد من خطر زعزعة الأمن، ما يستوجب تطبيق نص المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على أن:
“كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها او ينتج عنها اثارة النعرات المذهبية او العنصرية او الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الامة يعاقب عليه بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئة ألف الى ثمانماية ألف ليرة وكذلك بالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتين الثانية والرابعة من المادة ال 65 ويمكن للمحكمة ان تقضي بنشر الحكم”.
غدا ستنتهي الانتخابات ولن ينتهي الجنون، فالخطاب الطائفي سيبقى حاضرا لأنه من عدة الشغل، وما لم يُقر قانون انتخابي خارج القيد الطائفي لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية فستبقى هذه العصفورية موجودة.