حسن الدرـ
قبل أيّام من فتح صناديق الاقتراع، وبينما كانت منابر المرشحين ترشح توهينًا وتخوينًا بخصوم اليوم حلفاء الأمس، برز خطاب وطنيّ موزون ومدوزن على يدٍ مدودة للخارج بجناحيه العربي والغربي، ويدٍ قابضة على زناد قوّة رادعة للعدوّ المتربّص بسمائنا وبرّنا وبحرنا..
وفي توقيت عابر للاستحقاق الانتخابيّ، قفز الرئيس نبيه برّي والسّيّد حسن نصرالله فوق النّتائج المنتظرة في السّادس عشر من أيّار ليرسما ملامح مرحلة ما بعد الانتخابات!
كعادته، وعلى مبدأ «الخلافات السياسية لا تفسد في الودّ قضيّة» توجّه الرئيس نبيه بري إلى اللبنانيين بكلمة أكّد فيها على الأهداف والمنطلقات الوطنيّة لتحالف حركة أمل وحزب الله، وأنّ التحالف ليس طائفيًّا، ولا للاستقواء على الطّوائف الأخرى، ولا لحصد أكثريّة نيابية، بل هو بمثابة العلاقة بين الرّوح والجسد ليشكّل عنصر قوّة في وجه العدو وتعزيز ثقافة الحوار بين ألوان الطيف اللبناني السياسي والروحي.
وحيث أكّد على حماية حقوق المودعين وعدم السماح بإقرار أيّ قانون أو خطة لا تكرّس ولا تعيد حقوقهم، وتناول معضلة الكهرباء مشجعًا الاستثمار على الطاقة البديلة، قدّم حلًّا سياديًّا يضمن إعادة بناء الاقتصاد اللّبناني على قواعد إنتاجية متينة تخرجنا من دوّامة الاقتصاد الريعي القائم على الاستدانة والهبات والقروض، فبحرنا زاخر بثروة ضخمة نستطيع استغلالها من دون الحاجة إلى التّسوّل على أبواب صندوق النّقد وشروطه القاسية.
وضع «بري» قدمًا واثقةً في مسار جديد للتّعاطي مع مسألة ترسيم الحدود والبدء في التنقيب عن النفط والغاز، فأعطى الوسيط الأميركي والشركات الملتزمة عمليات التنقيب مهلة شهر واحد للبدء في مهامها، وإلّا تلزّم شركات أخرى!
بعد أقلّ من ساعة أطل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وأكمل ما بدأه الرئيس نبيه بري، فتبنى كلامه في خصوص الثروة البحرية وأكد قدرة لبنان على فرض معادلة بحرية جديدة تضمن أمن وسلامة الشركات الراغبة بالتنقيب في حقولنا وتمنع العدوّ من الامعان في سرقة ثروات فلسطين المحتلة ولبنان في المناطق المتنازع عليها.
وردًّا على كلّ الاتهامات التي تساق لحزب الله والتشكيك بمشروعه الوطني، أعاد السيد نصرالله التّأكيد على نهائية الكيان اللبناني بحدوده المعروفة، وأقفل الباب على المروجين لفكرة «الشيعيّة السّياسيّة» لأنّ لبنان لا يتحمل طائفة قائدة ولا حزبًا قائدًا، وأننا محكومون بالتوافق والشراكة..
هذه المواقف تلاقي ما يحكى عن تسوية قادمة تعمل عليها «فرنسا» لجمع اللبنانيين في مؤتمر يطرحون فيه هواجسهم للخروج بصيغة جديدة، تحت سقف اتفاق الطائف، كما أكد السيد نصرالله ويؤكد الرئيس بري دائمًا.
استبق الرئيس بري والسيد نصرالله نتائج الانتخابات البرلمانية ليقينهما بأنّ الأكثرية في لبنان مجرد رقم لا وزن له في التأثير بالمعادلة اللبنانية، ومدّا يد التّعاون مع باقي المكونات اللبنانية من موقع القوة والحكمة والحرص على هويّة لبنان وخصوصيّته ودوره العروبي.
وضع الثّنائي الوطنيّ الكرة في ملعب باقي القوى السياسية، فالمنطقة والعالم يتغيران، وخارطة التحالفات تتبدّل وفق مصالح الدول المؤثرة، ومن يراقب التحولات الاستراتيجية في المواقف العربية والدولية يدرك بأنّنا أمام فرصة تاريخية لوضع خلافاتنا جانبًا، والالتفات إلى القضايا الكبرى الّتي تلامس هموم اللّبنانيين وموقع لبنان على الخارطة الجديدة!
وإذا كانت «الشيعية السياسية» هاجسًا لدى بعض اللبنانيين فلا مكان لها من منظور الثّنائي الوطني، وإذا كان «للشيعة» قوّة يخشى البعض منها، فهذه القوة موجّهة ضدّ «إسرائيل» عدوّ لبنان الوحيد، أمّا في لبنان فليس ثمّة أعداء، هناك خصوم سياسيون، والاختلاف في السياسة لا يفسد في العيش الواحد قضيّة!