الأحد, نوفمبر 24
Banner

تعديل الاتفاقيات التجارية: محاولة لهَدم الاقتصاد نهائياً

كتب خضر حسان – المدن : في ظل “موجة” الحديث عن دعم السلع، بشقَّيه المتعلِّقَين بوقف الدعم أو ترشيده، أو توجيهه نحو الدعم المباشر للمحتاجين، عِوَضَ استفادة كبار التجّار منه، تعود إلى الواجهة “نغمة” إعادة النظر بالاتفاقيات التجارية المعقودة بين لبنان وباقي الدول، إقليمية كانت أم عالمية. وهو ما أعادت طرحه لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط، النيابية، التي أكّد رئيسها فريد البستاني، أنَّ اللجنة “في صدد مراجعة اتفاقات تجارية بين لبنان وعدد من دول العالم، للتأكد من أنها مفيدة للبنان. وهذا العمل يتم بالتنسيق مع لجنتي المال والموازنة والشؤون الخارجية والمغتربين”.

مطلب قديم

لم تبادر الدولة إلى إعادة النظر بالاتفاقيات يوم كان البلد بحالٍ أفضل اقتصادياً وسياسياً. وحينها، كانت بعض القطاعات تنادي بإعادة النظر، خصوصاً القطاع الزراعي الذي يعاني أكثر من غيره من منافسة البضائع الأجنبية، وعلى رأسها البضائع العربية التي تدخل لبنان من دون رسوم جمركية، بسبب اتفاقية التيسير العربية، التي تفتح الحدود أمام البضائع العربية من دون رسوم. وذلك يؤثّر سلباً على البضائع اللبنانية، لأن الإنتاج العربي مدعوم على مستوى الدولة، بالاضافة إلى غزارة الانتاج كمّاً، ما يُكسِب البضائع العربية قدرة تنافسية أمام البضائع اللبنانية غير المدعومة والقليلة الإنتاج كمّياً.

على مدى سنوات، فشل القطاع الزراعي في دفع الدولة إلى تطبيق روزنامة استيراد على الأقل، تُحدِّد المواعيد والكميات المفترض استيرادها، إفساحاً في المجال أمام تصريف الإنتاج اللبناني. فضلاً عن دفع الدولة إلى تقديم المساعدات للمزارعين.. وهو حال كل القطاعات الإنتاجية.

عراقيل وموانع

الإستفاقة المفاجئة لحماية الإنتاج المحلّي ما عادت تنفع، بفعل عوامل كثيرة لبنانية وعربية وعالمية. فعلى الصعيد الداخلي، لم تعد البلاد مستقرَّة اقتصادياً ونقدياً وسياسياً لتمتلك تَرَفَ التفكير بقراراتٍ ودرسها وإقرارها وتطبيقها. والحكومات المتعاقبة ما فعلت ذلك في حالات السِلم، فكيف بحالات الاضطّراب؟

عموماً، تعيش البلاد حالة فوضى بكل المقاييس. فلا سلطة تشريعية متجانسة قادرة على التوصّل إلى قرار مشترك، ولا سلطة تنفيذية فعلية موجودة على الأرض. أموال المودعين سُرِقَت. مصرف لبنان ما زال يدير ما تبقّى مِن اللعبة لصالح السياسيين وكبار التجّار والاحتكاريين، ويحذّر من وقف دعم استيراد المحروقات والأدوية والقمح. الحكومة أقرّت خطة لتحفيز القطاع الصناعي عبر إعطائه قروض ربّما لن يتمكّن من سدادها.. وغير ذلك الكثير. ووقف دعم المحروقات على الأقل، كفيل برفع كلفة الإنتاج المحلّي، وخسارته ما تبقّى من قدرة تنافسية، ممّا يمنعه من الولوج إلى الأسواق المحليّة والخارجية. خاصة وأنَّ لبنان يستورد المواد الأولية الداخلة في إنتاجه، من الخارج. حتّى أنَّ البطاطا اللبنانية، يتم استيراد بذورها من الخارج، أي أنّها في شكل من الأشكال، بطاطا مستوردة وليست إنتاجاً وطنياً خالصاً.

وإعادة النظر ببعض الاتفاقيات، يعني إعادة النظر بعلاقات لبنان مع الدول المُستَهدَفة، لأن الاتفاقيات بين الدول، تُعَبِّر عن صورة العلاقات، وإعادة النظر بها، تعديلاً أو إلغاءً، يعني تغيير تلك الصورة. ومَن مِن الدول سترضى بإعادة النظر بالاتفاقيات مع لبنان بما يُرضي الأخير؟

عربياً، تستفيد كل الدول العربية، من اتفاقية التيسير للدخول إلى الأسواق اللبنانية. وتعديل الاتفاقية بما يناسب لبنان، لم يعد من أولويات الدول العربية، وخصوصاً منها صاحبة القرار السياسي، كالدول الخليجية. فصفحة لبنان سياسياً لدى تلك الدول، ليست في أحسن حالها. ولن يسلك هذا الطلب طريقه بسهولة. والدلالة على ذلك واضحة، فحين حاول لبنان تنظيم عملية استيراد البطاطا من السعودية ومصر بما يضمن حماية إنتاج البطاطا اللبنانية، تطوَّرَ الأمر إلى حدود الأزمة السياسية. والموقف العربي لا يختلف عن الموقف الأوروبي، فلبنان مرتبط مع الاتحاد الأوروبي باتفاقية الشراكة الأوروبية، ولن يقبل الاتحاد بتغيير شروط التعاقد مع لبنان خدمة لمصالح الأخير.

قرارات عشوائية

هي قرارات عشوائية لا تستند إلى تخطيط يُتوارَث من حكومة إلى أخرى، ضمن سياق عام ومدروس. فلبنان يسعى منذ العام 1999 للدخول إلى منظمة التجارة العالمية، أي إلى تخطّي الحدود العربية والأوروبية في الاتفاقيات. على أنَّ هذا الانضمام يعني تحرير التجارة الدولية مع لبنان، وتعديل الكثير من القوانين اللبنانية لتتلاءم مع مقتضيات حركة البضائع العالمية في الأسواق اللبنانية. وهذا ضرب من ضروب إعدام الإنتاج اللبناني. فهل تريد السلطة السياسية اليوم صرف النَظَر عن مساعي الدخول إلى المنظمة؟

مع الإشارة إلى أن صرف النظر، أو تعليقه، يعني أيضاً وضع عراقيل أمام انفتاح لبنان على المجتمع الدولي، الذي نطالبه بتقديم مساعدات لانتشالنا من أزمتنا. والسعي الحالي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، والبحث عن أي وسيلة لفتح الباب أمام المساعدات الدولية، وحث المجتمع الإقليمي والدولي على إعادة تَقَبُّل العلاقات الطبيعية مع لبنان، بعد سلسلة من الإنتهاكات التي قامت بها السلطة السياسية للقوانين، وبعد عقود من الفساد المتواصل، بالإضافة إلى المواقف السياسية العدائية مِن قِبَل بعض الأطراف في الدولة، تجاه بعض الدول العربية وخاصة الخليجية، لا يصب في خانة تسهيل عملية التخلّي عن بعض الاتفاقيات التجارية، إذ مِن شأن ذلك أن يزيد عزلة لبنان ويُصعِّب تلقّيه الدعم والمساعدة للخروج من أزمته الاقتصادية والنقدية. فأيُّ دولة ستقبل بمساعدة لبنان بعد خروجه من الإتفاقيات التجارية المبرمة معه؟ عدا عَن أنَّ لبنان الذي يستورد سنوياً بما لا يقل عن 20 مليار دولار ويُصدِّر ما لا يزيد عن 7 مليارات دولار، لا يملك امكانيات الوصول إلى اكتفاء ذاتي من الإنتاج المحلّي، ما يُبقيه أسير البضائع العالمية.

تعديل الاتفاقيات التجارية مَطلَب ضروري ومُحق لحماية الإنتاج الوطني. لكنه يحتاج إلى دولة قوية واقتصاد قادر على المنافسة، وظروف سياسية مؤاتية. وكلّها غير متوفِّرة حالياً في لبنان. وعليه، فإنَّ إعادة النظر حالياً بأي اتفاقية تجارية، كفيل بهدم بقايا الاقتصاد المترنِّح، الآيل إلى السقوط على يد منظومة دَمَّرَت شريان الاقتصاد في العاصمة بيروت، وتريد اليوم إعادة النظر بالاتفاقيات التجارية مع العالم!

Leave A Reply