الثلاثاء, نوفمبر 26
Banner

شبح الجوع يخيّم عالمياً… لماذا لبنان بمنأى عنه؟

ايفا ابي حيدر – الجمهورية

على عكس العالم الذي ينشغل بمكافحة أزمة الغذاء العالمية، يبدو انّ صِغَر لبنان وأعداد سكانه مقارنة مع دول العالم، ستجنّبه هذه الكأس. فالأمن الغذائي متوفر، لكن مشكلتنا تتركّز في كوننا لا نملك المال الكافي لشراء الحبوب والسلع وتخزينها.

تتركّز جهود المجتمع الدولي على سبل تجنّب أزمة غذاء عالمية ناتجة من الحرب بين روسيا واوكرانيا، لا سيما مع تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحادّ، من 135 مليوناً قبل بدء جائحة كورونا إلى 276 مليوناً اليوم. وقد دقّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس ناقوس الخطر، محذّراً من أنّ «شبح نقص الغذاء العالمي يلوح في الأشهر المقبلة»، لافتاً الى أنّ الحرب في أوكرانيا ضاعفت العوامل التي ساهمت في أزمة الغذاء العالمية وسرّعت وتيرتها، خصوصاً انّ البلدين يؤمّنان وحدهما 30 % من تجارة القمح العالمية. كما حذّر غوتيريش من أنّ الأزمة الراهنة «يمكن أن تستمر سنوات»، وهي «تهدّد بدفع عشرات ملايين الناس إلى انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والمجاعة».

بالتزامن، أعلن البنك الدولي أمس عن مشاركته في الجهود الدولية لمكافحة انعدام الأمن الغذائي، معلناً تخصيص 12 مليار دولار على مدى الأشهر الـ15 المقبلة لمشاريع جديدة لمعالجة أزمة الغذاء العالمية، كاشفاً أنّ الجزء الأكبر من هذه الموارد سيذهب إلى دول في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية ووسط آسيا وجنوبها.

كذلك، ولسدّ هذه الفجوة الناجمة عن تناقص الأمن الغذائي، اتخذت المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي ومصارف التنمية، إجراءات جماعية للتخفيف من نقص الأسمدة ودعم إنتاج الغذاء بشكل فوري، والاستثمار في الزراعة القادرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ، وتشجيع التجارة الحرّة.

«مشكلة وليس مصيبة»

ووسط انشغال العالم بتفادي أزمة الغذاء، لا بدّ من السؤال عن وضع لبنان. هل نحن مقبلون على مجاعة او سنكون بمأمن عنها؟ وكيف يستعد لبنان لتجنّب تداعيات هذه الأزمة؟

في السياق، يؤكّد رئيس نقابة مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي لـ«الجمهورية»، «أننا في مشكلة وليس بمصيبة، بدليل انّ الزيت لم ينقطع من الاسواق، بل ارتفع سعره قليلاً، كذلك القمح متوفر. انما المشكلة تكمن في قدرة مصرف لبنان على تمويل شرائه لانّه لا يزال مدعوماً».

وعن مدى تأثر لبنان بأزمة الغذاء العالمية، قال بحصلي: «يُقدّر عدد سكان لبنان بنحو 5 ملايين نسمة، وبالتالي انّ القدرة على تأمين التموين ليس كارثياً. فعلى سبيل المثال، تبلغ حاجة لبنان الى القمح نحو 650 الف طن سنوياً، وهي توازي حاجة مصر الى القمح اسبوعياً. لذا ليس من الصعب شراء باخرة قمح محمّلة بـ4000 طن لمدّ السوق بالغذاء، وعليه يمكن الجزم انّه لن تكون هناك أزمة من هذه الناحية، ونحن قادرون على تأمين حاجات لبنان على الصعيد العالمي، شرط ان نملك المال للشراء».

تابع: «انّ عناصر الغذاء ثلاثة هي: وجود الغذاء، الوصول الى الغذاء وصحة الغذاء. عملياً ليس لدينا مشكلة بوجود الغذاء، لأنّ الكمية الصغيرة التي نحتاجها ستظل مؤمّنة، انما مشكلتنا في الوصول الى الغذاء من خلال تمكننا من تسديد ثمنه. صحيح أننا لسنا بأمان من هذه الناحية انما لا يجوز التهويل».

وعن جدّية التحذير من انّ سلعاً ستنقطع من الاسواق في المرحلة المقبلة، قال: «من ناحية التموين لم يتغيّر شيء فنحن لا نزال قادرين على الاستيراد، وتمكنا من إيجاد اسواق بديلة عن اوكرانيا، صحيح انّ الامور صعبة انما ليست مستحيلة، رغم انّ الاوضاع العالمية تزداد سوءاً».

أزمة دولار

ورداً على سؤال، أكّد بحصلي انّ «التحذيرات من أزمة الغذاء العالمية غير مستجدة، وهي انطلقت مع بدء الحرب الروسية على اوكرانيا، انما انشغال لبنان باستحقاق الانتخابات النيابية جعل هذا الملف مغيّباً عن اهتماماته، تماماً مثل ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء قبل شهر من موعد الانتخابات من 23 الفاً الى 27 الفاً، الاّ انّ أحداً لم يثر الموضوع. وما حصل بعد الانتخابات، انّ الدولار واصل ارتفاعه من 27 الفاً الى 31 الفاً، ليتبين انّ الكل استفاق اليوم على هذه التطورات، من تحليق سعر الدولار والارتفاع الجنوني في اسعار المحروقات وطوابير الخبز وأزمة الغذاء العالمية».

أضاف: «إذا استثنينا مرحلة الانتخابات ووصلنا الاوضاع الاقتصادية من نحو شهر قبل الانتخابات بالمرحلة الراهنة، يتضح انّ الاوضاع لم تتحسن اقتصادياً لا بل زادت سوءاً للأسباب الآتية:

– تراجع امكانات مصرف لبنان على تمويل التزاماته بدعم شراء القمح والمحروقات.

– عدم إيفاء المصرف المركزي بالتزاماته تجاه التجار المستوردين الذين لم يقبضوا حتى الساعة كامل اموال الدعم. فالمركزي توقف عن دفع الدعم منذ بدء العمل بمنصة صيرفة وإصدار التعميم 161.

– من الملاحظ انّ المركزي يدفع يومياً بحدود 50 مليون دولار عبر منصة صيرفة، الّا انّ القطاع التجاري الغذائي لا يستفيد من هذه الأموال. فملفاتنا عالقة منذ أكثر من شهر في المصارف، ومن تمكن من الحصول على الدولارات فلا تزيد قيمتها عن 20% من المبلغ المطلوب، ما يعني انّ القطاع لا يستفيد من صيرفة، لذا تلجأ غالبية التجار إلى تأمين الاموال من السوق الموازي، وهذا ما يبرّر ارتفاع اسعار السلع الغذائية تماشياً مع ارتفاع الدولار. وهنا لا بدّ من طرح علامات استفهام حول الجهة التي تستفيد من المنصة، جازماً انّها لا تذهب الى تجار السلع الغذائية، والأغلب انّها تذهب للمتلاعبين ومحققي الارباح السريعة الذين يأخذون الدولار من المصرف وفق سعر صيرفة 23 الفاً ويبيعونه في السوق الموازي بـ 31 الفاً، محققين ربحاً لا يقل عن 7000 الى 8000 ليرة في الدولار الواحد». وتابع: «في ظل أزمة الغذاء العالمية وتسابق الدول على شراء السلع الغذائية الأساسية، لا يمكن للتجار انتظار صيرفة. لذا نؤمّن الدولارات من السوق وندفعها للموردين نقداً قبل شهرين من وصولها».

ورداً على سؤال، اعتبر بحصلي انّ المطلوب اليوم من النواب المنتخبين الجدد والسلطة السياسية ككل، وضع الخلافات السياسية جانباً والاتفاق على توحيد الجهود والرؤية من ناحية إسعاف لبنان اقتصادياً. وكل ما عدا ذلك سيؤدي الى مزيد من التدهور الاقتصادي. والمطالب معروفة: صندوق نقد دولي، خطة تعافٍ، تثبيت سعر الصرف، استعادة الثقة…

Leave A Reply