سابين عويس – النهار
أول الاستحقاقات الدستورية غداة انجاز الانتخابات النيابية اكتمال عقد المجلس بانتخاب رئيسه وهيئة مكتبه، ومن ثم اللجان التي ستتولى التحضير للورقة التشريعية المرتقبة.
حتى الآن، لا يزال هذا الاستحقاق رهينة تصفية حسابات بدأت قبل الانتخابات وتوسعت مع اعتماد اكثر من فريق سياسي رفض تجديد الولاية لنبيه بري، ولم تنته بنهايتها.
على الساحة الشيعية، لا مرشح ينافس بري على رئاسة المجلس. حقيقة يدركها معارضوه، ولا سيما على الساحة المسيحية، حيث يشكل الاعتراض على بري القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” والكتائب، تماماً كما هو القاسم المشترك مع القوى الجديدة الوافدة الى ساحة النجمة من معترك التغيير.
ورغم ادراك كل هذه القوى مجتمعة ان لا بديل لبري في رئاسة المجلس الجديد، تأخذ معارضته منحى آخر يلتقي مع حسابات كل فريق على حدة، وهي حسابات تصب في الاستحقاقين المقبلين الأكثر أهمية على البلاد: الحكومة ورئاسة الجمهورية.
رغم طابع العجلة الذي يستدعيه تدهور الاوضاع في البلاد على مختلف المستويات، لا يبدو الرئيس بري، بصفته رئيس السن، مستعجلاً في الدعوة الى عقد جلسة الانتخاب. صحيح ان الدستور يمهله أسبوعين اعتباراً من بدء ولاية المجلس الجديد للدعوة، الا انه يتعامل مع هذه المهلة التي تنتهي بنهاية الأسبوع الاول من حزيران المقبل، على انها مهلة حث . وبالتالي، فهو لن يحرق المراحل، بل يأخذ وقته، ليس في انتظار تغير معطيات حيال انتخابه، بل حتى تتبلور خريطة توزع الكتل النيابية ومن ترشح لنيابة الرئاسة، بعدما تبين ان الترشيحات لا تزال في إطار الاعلام ولم ترتق الى مستوى الإعلان الرسمي.
يريد بري ان تكتمل الصورة وتُنجز رزمة الانتخاب التي تضم كل هيئة المكتب قبل ان يوجه الدعوة.
ليس دقيقاً ان المقايضة التي جرى الحديث عنها بين الرئاسة ونيابة الرئاسة هي ما يؤخر الإعلان عن الموعد. علماً ان التداول بالمرشحين لم يعد يقتصر على الأسماء التي طُرحت في البداية وحُصرت بالنواب غسان حاصباني والياس بو صعب وملحم خلف. والاتصالات تتكثف بين مختلف الكتل بحثاً عن شخصية تلقى أوسع نسبة قبول، سيما وان الأسماء الثلاثة المطروحة دونها عقبات. فحاصباني مرشح القوات الرافضة لانتخاب بري، وليس اكيداً ان التيار الوطني الحر متمسك بترشيح بو عاصي، بقطع النظر عما تردد عن مقايضة. اذ يرفض رئيس التيار جبران باسيل ان يقايض أصوات كتلته لبري مقابل تسمية بو عاصي لنيابة الرئاسة.
اما بالنسبة الى خلف فهو يشكل ارباكاً للقوى الجديدة بسبب قربه من رئيس المجلس.
الاكيد ان المشكلة ليست هنا. فالانتخابات ستحصل عندما يقرر بري ذلك، وسيكون للمجلس رئيسه وهيئة مكتبه بمعزل عن عدد الأصوات والأحجام.
ولكن ماذا عن عمل المجلس الذي ينطلق بزخم الأعضاء الجدد مقابل محاذير المخضرمين ممن اعتادوا على الامساك بالقرار داخل السلطة التشريعية، وهم قد خسروا هذه الافضلية اليوم بفقدانهم الاكثرية.
واستطراداً، كيف يكون للمجلس الجديد وظيفة تشريعية في ظل حكومة تصريف اعمال، ما يقود الى فتح الاستحقاق الحكومي على مصراعيه.
متى تنطلق الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة، ومن ستسمي الكتل لهذا الموقع، بعدما تشرذمت الأصوات السنية، ولم يعد ثمة ثقل يفرض اسم المرشح صاحب الحظ في الدخول الى السرايا؟.
رغم كل التوقعات بأن حكومة ميقاتي ستقوم بتصريف اعمال طويل يمتد حتى موعد الاستحقاق الرئاسي، فإن ما تردد على لسان من يدورون في فلك رئيس الجمهورية عن رفض تسليمه صلاحيات الرئاسة الى حكومة مستقيلة يؤشر الى معطيين سيحكمان الأشهر الأخيرة من العهد، يكمن احدهما في الحظوظ الضئيلة التي يراها العهد في امكان حصول انتخاب لرئيس جديد للجمهورية في ضوء اجواء التشنج السائدة في البلاد على اثر تقلب موازين القوى تشريعياً أقله، بحيث خرجت الغالبية من يد الفريق الحاكم الذي كان يُعول عليه لتسمية اي رئيس مقبل.
اما المعطى الثاني فيتمثل بقلق يسود أوساط بعبدا من ان يؤدي العجز عن تشكيل حكومة جديدة الى استمرار حكومة نجيب ميقاتي، في حين ان من مصلحة بعبدا قيام حكومة يكون لفريقها السياسي حجم وازن يؤمن انتقال الصلاحيات اليه، كما حصل في حكومة الرئيس الأسبق تمام سلام، علماً ان لا ضمانات لدى هذا الفريق بإمكان الحصول على تمثيل وازن في الحكومة المقبلة، ما لم يتم عبر تسوية لم تتبلور شروطها بعد في إطار المقايضات الجارية اليوم.
معطى اخير لا يقيم له أي من القوى الراهنة والمستجدة اعتباراً يكمن في الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي يهدد بإطاحة كل الحسابات الجارية.