رمال جوني – نداء الوطن
ككرة الثلج تتدحرج الأزمات، لم تستثن أحداً، ضربت القطاع الصحي فدخل في إضراب ليومين مع المستشفيات الخاصة، وليس مستبعداً ان تلحق به المشافي الحكومية، فالأزمة المالية داخلها صعبة للغاية، تعيش «عالتنفس الاصطناعي» وتنتظر خشبة الخلاص من دون جدوى.
داخل مستشفى النجدة الشعبية في النبطية، توقفت حركة العمل التمريضي، وحده قسم الطوارئ يعمل، وتحديداً للحالات الطارئة. يدرك الجميع أن الضغط عبر المستشفيات لا يضرّ إلا المواطن نفسه، من هنا يحاول القيّمون عليها رفع الصوت على مراحل، علّ صوتهم يصل.
لا يخفي أحد أن واقع المستشفيات مزرٍ، بل دخلت مرحلة الاحتضار، تعيش «كل يوم بيومه» فأكلاف المستلزمات الطبية الباهظة وأجرة العاملين والادوية وغيرها، كلها تدفع نحو انهيار الواقع الصحي الذي يلفظ أنفاسه الاخيرة، إلا إذا حصلت معجزة وجرى دعمها، غير ان هذا الاحتمال غير وارد في حسابات أحد، ما يتمنّونه أن يتم ضخ جرعة دعم ولو محدودة ليستمرّ القطاع بالعمل.
هي «ضربة معلم» خطوة المستشفيات الخاصة اليوم، جاء إضرابهم بمثابة «صفعة» مدوّية على جبين الحكومة الغائبة كلياً عن هذا القطاع، بل تركته يصارع طواحين الأزمات، حتى الحوالات المالية تتأخر، ويمنع المصرف صرفها قبل ان يأخذ 80 بالمئة منها، وهو أمر استنزف قدرة المستشفى نهائياً.
أمام قسم الطوارئ جلس محمد ينتظر تأمين ورك لوالدته التي تعرضت لحادث سقوط، وكلفة الجهاز 2500 دولار كاش، يتأمل حركة المرضى التي تراجعت بنسبة 80 بالمئة، فالمريض لا يقصد المستشفى إلا «ع اخر نفس» تهرباً من الاكلاف المرتفعة للعلاج، وهي خارج قدرته، فحتى «فحصية» طبيب وبضعة أدوية في قسم الطوارئ بات يعجز عن دفعهما. ما أسعف محمد ان شقيقه مغترب، ولكن هناك مريض يعجز عن تأمين الجهاز بعدما نفضت الجهات الضامنة يدها من الملف.
يؤكد مدير المستشفى الدكتور الشفيع فوعاني خطورة الوضع الصحي، معلناً أن المستشفى التزم الإضراب يومين، غير انها ابقت على قسم الطوارئ، فقط للحالات الطارئة: حوادث، ازمات قلبية، حوادث منزلية وغيرها، اما العمليات الباردة وحتى العلاجات الخفيفة فتوقفت ليومين، ويجزم بأن الضغط على المواطن لا ينفع، والظروف لم تعد مؤاتية للنهوض الصحي، ومع ذلك يرى أن المستشفيات الخاصة تعاني أزمة خطيرة، ويشبه واقعها بغرفة الإنعاش، في اشارة واضحة لحجم الكارثة.
ما يطالب به فوعاني هو ككل المستشفيات، الدعم المالي ودفع المستحقات المالية كي تحافظ على صمودها، الإفراج عن أتعاب المستشفيات والاطباء المحتجزة في المصارف ناهيك عن تأثير الوضع الاقتصادي على المستشفيات، مؤكداً ان التحرك رسالة تحذيرية، «وهو أكثر ما يمكننا فعله لاننا لا نلجأ الى قطع طرقات أو اشعال اطارات وغيرها، ونأمل في ان تسمع الحكومة استغاثتنا وتساندنا، بدلاً من رمينا في عمق الازمة».
حتى المستشفيات الخاصة أضربت، فالأزمة المالية طالتها في العمق، شلّت قدرتها على النهوض، وتقف عاجزة عن توفير كل احتياجاتها، في النبطية والجنوب التزم معظم المستشفيات الخاصة بالاضراب، واوقفت كل العمليات الباردة ودخول المستشفى كورقة ضغط مباشرة هذه المرة على وزارة يبدو أنها غائبة عن السمع.
منذ ما يقارب العام ونصف العام وازمة المستشفيات تتفاقم، فقد دخلت في سباق مع الدولار الذي «دمّر» القطاع برمته، الا اذا تحولت الطبابة الى «الفريش دولار» وهو امر غير مستبعد وسط تسارع وتيرة الانهيار ما بعد الانتخابات، ولعلّ إضراب امس اولى خطوات التوجه نحو «الدولرة» وان بطريقة غير مباشرة، فوفق المعلومات، الازمة المالية داخلها لا يمكن مواجهتها الا «بالدولرة» لا سيما ان كل المستلزمات والمعدات الطبية تشتري وفق سعر السوق الموازية، وبالتالي ليس مستغرباً أن تطالب المستشفيات الخاصة في اضرابها اللاحق بهذا الامر لتبقي نفسها على قيد الحياة.
حكماً ستصبح الطبابة للاثرياء فقط، فالجهات الضامنة باتت خارج الخدمة، ويتكبّد المواطن مبالغ طائلة في علاج حالات بسيطة، فعملية «عالماشي» تكلف 5 ملايين ليرة في اليوم الواحد، عدا الادوية واجرة الطبيب وقد باتت تصرف من خارج الفاتورة، كل ذلك ينذر بكارثة صحية خطيرة لا تبشر بالخير، ولا عجب إن استغنى المريض عن المستشفى واكتفى بدواء بديل او ربما اعشاب طبية، فالقدرة المالية استنزفته مثلما شلت المستشفيات واستنزفتها.