كتبت صحيفة النهار تقول: مع مزيد من التراجع في سعر الدولار أمس في السوق السوداء إلى سقف الـ27 ألف ليرة وما دون، ومع تخفيضات إضافية في أسعار المازوت والغاز، ظلت أولويات اللبنانيين في غالبيتهم مشدودة إلى هذا الجانب الذي يعني حياتهم ومعيشتهم وهمومهم اليومية وسط ترقب لما ستؤول إليه بداية الأسبوع المقبل من تطورات إضافية على هذا المسار. ذلك أن الساعات الأخيرة شكلت من دون شك اختباراً فعلياً لتأثير التعميم الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الجمعة وفتح فيه الباب واسعاً وبلا قيود أمام المواطنين على شراء كل الكميات التي يطلبونها من الدولارات عبر المصارف على سعر منصة “صيرفة”، الأمر الذي حقق الصدمة الأولى الفورية بتراجع سعر الدولار عشرة آلاف ليرة في 24 ساعة. وتوقع معنيون ماليون أن تمضي وتيرة التراجعات هذه ربما أقوى وأوسع في الأيام الأولى من الأسبوع الطالع، جراء تأثير الإجراءات التي طلب حاكم مصرف لبنان من المصارف الالتزام بتنفيذها، وهي تلبية طلبات المواطنين بالحصول على الدولارات خلال مهلة 24 ساعة من تقديم الطلب، ومن ثم تمديد دوام المصارف حتى السادسة مساء طيلة أيام الاثنين والثلثاء والأربعاء من الأسبوع الطالع، بغية تلبية طلبات المواطنين. وفي اعتقاد الأوساط المواكبة لهذه الإجراءات أنها ستأخذ طريقها راهناً إلى إعادة تهدئة الأوضاع المالية والاجتماعية، بعدما اقترب الوضع الاجتماعي من حافة انفجار خطير أملى تدخل المصرف المركزي مجدداً بـ”اللحم الحي” من احتياطاته من النقد الأجنبي، لئلا تنزلق البلاد نحو متاهات مخيفة. ولكن ذلك لن يشكل ضماناً طويل الأمد للحؤول دون حصول موجات تالية مماثلة، لأن قدرة المصرف المركزي تتناقص تباعاً وبخطورة، بما يحتّم التوجّه فوراً إلى حلول سياسية ثابتة لمنع النزف المالي، بدءاً باستعجال تنفيذ الاستحقاقات الدستورية من انتخابات رئاسة مجلس النواب ونيابتها، ومن ثم الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً بأسرع وقت ممكن. وما لم تنفذ هذه الاستحقاقات بسرعة، فإن الوضع سيتجه نحو اهتراء كامل سيستعصي معه تقريباً على مصرف لبنان التدخل بقوة في كل مرة في حين ستكون احتياطاته تقترب من الخط الأحمر.
وفي ظل هذه الأجواء، تكثفت التحركات المتصلة باستحقاق انتخابات مجلس النواب في الجلسة المقررة الثلثاء المقبل، علماً أن التنافس على منصب نائب رئيس مجلس النواب برز بقوة، فيما لم تتبلور بعد اتجاهات جميع الكتل والقوى من المتنافسين على هذا المنصب. وقام النائب الياس بو صعب أمس بزيارة عين التينة، حيث اجتمع إلى الرئيس نبيه بري وأطلعه على ترشحه لمنصب نائب رئيس مجلس النواب قبل يومين من انعقاد جلسة الانتخاب، وغادر من دون تصريح.
وأفادت مصادر أن ليس هناك مقايضة بين منصب رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس، وأن “التيار الوطني الحر” لن يصوّت للرئيس نبيه بري، وكل ما يقوم به النائب الياس بو صعب من ترشيحه إلى تحرّكه، هو بمبادرة من رئيس التيار النائب جبران باسيل. وبدا أن التنافس اشتد بين بو صعب والنائب سجيع عطيّة من كتلة عكار، إذ سبق عطية بو صعب إلى عين التينة قبل يومين حاملاً لبري أصوات نواب عكار، وصوّب سهامه نحو التيار قائلا لـ”المركزية”: “إن فوزي كنائب عن المنطقة أثار حساسية لدى البعض ومنهم رئيس البلدية الحالي الذي ينتمي إلى التيار، وهذا ما يفسر إثارة ملف الدعوى (القضائية ضده) في هذا التوقيت بالذات، لكنهم أخطأوا في العنوان”.
الى ذلك، استرعى الاهتمام أمس نفي المكتب الإعلامي للنائب جبران باسيل المعلومات في شأن طلبه إدراج بندين في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء يتعلقان بتغيير حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، وأكد أن “هذه الأخبار كاذبة ولا أساس لها من الصحة”. وفيما أوضح أن “موقف رئيس التيار من حاكم مصرف لبنان علني ومعروف، ويطالب دوماً بإقالته وبوضع هذا الأمر المُلح على طاولة القرار في مجلس الوزراء، إلا أنه لم يطلب من أحد إدراج هذا البند في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أو قبلها، لعلمه أن رئيس الحكومة ووزير المالية يرفضان هذا الأمر ويؤمّنان، مع مرجعيّاتهما، الحماية السياسية الكاملة للحاكم، بالرغم من كل الملاحقات القضائية والشوائب القانونية بحقه”. وأكد باسيل أن “ليس لرئيس التيار أي موقف، من قائد الجيش، ولم يصدر عنه أساساً أي مطلب بشأنه. ولو كان صحيحاً أنه طالب بإقالته لكان أعلن هذا الموقف صراحةً، كما هي الحال مع حاكم المركزي. وعليه لا صحة إطلاقاً لهذه المعلومات، مع علمنا بأن هناك من اخترع هذه الكذبة واستعملها، كعادته، لإيقاع الفتنة بين رئيس التيار وقائد الجيش”. وتابع: “من المؤسف أيضاً أن تكون الجهات الأمنية المسؤولة عن حماية الناس، بالأمن والمعلومات، هي مضلَّلة خطأً، ومضللِّة عمداً للناس بمعلومات مغلوطة. وهذا يحصل حين تختلط عليها مهامها وتتحول من الأمن إلى السياسة، فتنسى الأمن وتتلهى بالسياسة”. وختم: “الأسف كل الأسف ألا ينصبّ جهد كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين على الاهتمام بهموم الناس، بدل الاهتمام بشأن رئاسة الجمهورية، فيما رئيس التيّار عنها غافل”.
وفي غضون ذلك تمنى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، خلال غداء تكريمي على شرفه في زحلة، أن “يتحمل الجميع المسؤولية لجبه التحديات المقبلة بسلام، وليكن التعاون والحوار شعار المرحلة التي سنخوضها، ما ينعكس إيجاباً على الوضعين المعيشي والأمني”. وأضاف: “التوافق السياسي في العناوين المفصلية كفيل باستمرار لبنان واستقراره، وسنعمل على توفير بيئة سليمة، لأن لا خيار سوى الدولة ومؤسساتها”.