الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الوزير يهدّد والتجار “يقهقهون”: الأسعار بدولار 40 ألف ليرة

عزة الحاج حسن – المدن

حين نسمع أو نقراً تهديدات وزير الاقتصاد الموجّهة إلى التجار بمحاسبتهم إذا تجاوزوا تسعير السلع على سعر صرف الدولار، وإطلاقه الوعود بالتصدّي للمخالفين ومعاقبتهم، يتبادر إلى أذهاننا فوراً صورة افتراضية لتجار يقرأون تصريحاته و”يقهقهون” سراً وجهاراً.

في أي كوكب يعيش وزير الاقتصاد؟ هل لديه فائض من حسن النوايا أم أنه يستغفل المواطنين؟ فالوزير أخذ حديث النقباء المعنيين بالأسواق على محمل الثقة بأن تسعيرهم يتم بالتوازي مع سعر صرف الدولار، وصادَق على تاكيدهم بأنهم لم يسعّروا على سعر صرف 40 ألف ليرة! لكن فلينزل وزير الاقتصاد من بُرجه الوهمي ويجول في الأسواق بلا عراضات وحراسات مسلّحة وليستطلع الاسعار بنفسه، ليحكم حينها ما إذا كانت الأسعار تراجعت مع انخفاض سعر صرف الدولار أم لا.

أكاذيب الخبز

كيف يجرؤ وزير الاقتصاد على إطلاق الوعود بمكافحة استغلال التجار والتحذير من عدم الالتزام أو التلاعب واحتكار المواد الغذائية بغية تحقيق أرباح غير مشروعة، وهو الذي وافق وصدّق يوم الجمعة على رفع سعر ربطة الخبز نزولاً عند طلب أصحاب الأفران وتماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية فاقت 38 ألف ليرة، من دون أن يُعيد تسعير الخبز ويخفضه مع نزول سعر الصرف في اليوم نفسه إلى مستوى 28 ألف ليرة؟

كيف يمكن تسعير الخبز يومي السبت والأحد بدولار يوم الجمعة وبفارق يقارب 10 آلاف ليرة بين السعرين؟ ومع ذلك يخرج الوزير أمين سلام ويهدّد التجار بالمحاسبة. أي محاسبة وهو الغافل عن ممارساتهم أو المتغافل أو ربما الشريك.

التسعير على 40 ألف ليرة

ليس من الصعب على أي كان تحديد سعر صرف الدولار المعتمد في المحال والسوبر ماركت، فمنهم من يعلن صراحة أن الأسعار محدّدة على سعر صرف 40 ألف ليرة للدولار، فلا يعنيه اعتراض الزبائن على ارتفاع الاسعار. ففي سوبر ماركت الفاكهاني على سبيل المثال لم يتردّد المحاسب في أحد الفروع بالرد على سؤال زبون عن سبب الارتفاع الهائل بالأسعار بالقول: تم تسعير البضاعة على دولار 40 ألف ليرة، مع إشارته إلى احتمال انخفاضها غداً مع تراجع سعر الصرف. ولا تقتصر الفوضى على متاجر المواد الغذائية، فللمواد الإستهلاكية سياستها في التسعير، وغالباً ما يتم تسعير البضائع وفق السعر الأعلى للدولار “تجنباً لذوبان رساميلنا” حسب أحد التجار الذي يسعّر الأدوات المرتبطة بالهواتف على سعر صرف 40 ألف ليرة على الرغم من انخفاض السعر بشكل كبير.

ولا يحتاج الأمر الكثير من التدقيق للتحقّق من فوضى التسعير في الأسواق. فالفوارق في الاسعار بين المتاجر تثبت ذلك، لا بل تؤكد أن عدداً كبيراً من التجار يسعّرون منتجاتهم وفق معدل سعر صرف يفوق كثيراً المعدل الرائج للدولار. فالفوارق بالأسعار بين المتاجر كبيرة، لاسيما بين المتاجر الكبيرة وتلك الصغيرة والمتوسطة في الأحياء. حتى سعر ربطة الخبز الذي يُفترض أن يكون موحداً بين كافة المتاجر والمحال باعتبار تسعيرته رسمية، فإن اختلافات كثيرة تطرأ على أسعار الخبز بكافة أصنافه بين المحال والمتاجر، ويتراوح سعر ربطة الخبز الواحدة بين 15 ألفاً و23 ألف ليرة.

المجلس الوطني للأسعار!

فوضى الأسعار والأسواق وتخاذل وتساهل الوزارات المعنية واستقواء التجار، دفع بالسلطة إلى البحث في أدراجها عن قوانين قديمة مضى عليها الزمن “فنبشتها” بدلاً من تطبيق قانون حماية المستهلك الحالي وممارسة رقابة فعلية على الأسواق من دون مراعاة أي طرف أو غطاء للتجار. نبشت السلطة المرسوم رقم 9334 القاضي بتشكيل “المجلس الوطني للأسعار” وسرعان ما حظي المرسوم بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1974.

يضم المجلس الوطني للأسعار، جميع المعنيين من إدارات رسمية وجمعيات واتحاد عمالي عام وكل من له علاقة بالمستهلكين، وتقتصر مهمة المجلس على وضع سياسة للأسعار، فيضم المجلس وزير الاقتصاد والتّجارة رئيساً، مدير عام إدارة الإحصاء المركزي نائباً للرّئيس، والأعضاء: مدير عام وزارة الاقتصاد والتّجارة، مدير عام وزارة الماليّة، مدير عام وزارة السّياحة، مدير عام وزارة العمل، مدير عام وزارة الزراعة، مدير حماية المستهلك، مندوب عن مصرف لبنان (مدير الإحصاءات والأبحاث الاقتصاديّة في المصرف)، رئيس جمعيّة الصّناعيّين اللّبنانيّين، رئيس جمعيّة مصارف لبنان، رئيس غرفة التّجارة والصّناعة والزّراعة، وثلاثة مندوبين عن الاتحاد العمالي العام، هم: بشارة الأسمر (رئيس الاتحاد العمالي العام)، حسن فقيه (نائب الرئيس)، وسعد الدين حميدي صقر (الأمين العام)، وإذا ما تجاوزنا وغضينا النظرعن وجود أعضاء في المجلس لا أمل ولا تعويل على جهودهم بالدفاع عن مصلحة المستهلك، فكيف يمكن تجاهل وجود رئيس جمعية المصارف على سبيل المثال ورئيس غرفة التجارة في المجلس وهم من التجار. أي أنهم الأخصام الحقيقيين للمستهلك، وكيف يمكن إسناد إليهم مهمة التسعير لصالح المستهلكين، في حين أن غالبية أعضاء المجلس من التجار والمنظّرين؟ واي مجلس هذا الذي سينجح في وضع سياسة للأسعار في ظل غياب الرقابة الفاعلة؟

وهل كانت فوضى الاسواق لتعبث في الأسواق التجارية لو كانت الرقابة فاعلة؟ هل سيراقب “المجلس الوطني للأسعار” التجار؟ واي تجار؟ هل سيفتح منصة جديدة للدولار أم سيخترع سعراً جديداً للدولار الجمركي أم سيثبت الأسعار؟

هذه الاسئلة طرحتها جمعية حماية المستهلك التي وصفت عملية “نبش” المجلس الوطني للاسعار بـ”العودة إلى القرون الوسطى”. وإذ لفتت الجمعية إلى أن الأسعار في الاقتصاد الحر هي مرآة للواقع الاقتصادي، من الإنتاج إلى الاستيراد والتصدير والمنافسة والاحتكارات والفساد والضرائب، وهي لا تعتمد على المنصات أو الهندسات المالية ولا على رقابة المجالس، سألت هل قرأ عظماء السلطة قانون حماية المستهلك؟ هذا القانون أوجد في العام 2005، في المادة 60 منه، مؤسسة لمناقشة كل هذه الامور. إنه المجلس الوطني لحماية المستهلك، المشكل قانوناً العام 2006، لكن وزراء الاقتصاد المتعاقبين أقفلوا بابه لإسكات ممثلي المستهلك الشرعيين، ولكي يستمعوا فقط إلى ترانيم التجار والاحتكارات.

Leave A Reply