كتب خضر حسان – المدن : سريعاً جداً، سقط وَهم التدقيق الجنائي الذي لَم يُرَد له أن ينجز. غير أنَّ لعبة كسب الوقت كانت تقتضي التعاقد مع شركة ما للتدقيق، على أن يُفَخَّخَ المسار بألغام سياسية وقانونية كفيلة بتصفية التدقيق في مهده، والعملية لم تتطَلَّب أكثر من نحو 3 أشهر، في سيناريو يُشبِه إعطاء موظَّف تَحتَ الاختبار، مهلة 3 أشهر لتثبيت توظيفه أو الاستغناء عن خدماته من دون ترتيب التزامات على الشركة. لكن علاقة التعاقد مع شركة ألفاريز أند مارسال لإجراء التدقيق الجنائي لصالح الدولة اللبنانية، لا ينطبق عليه إجراء الأشهر الثلاث للاختبار. وبالتالي، هناك تبعات قانونية ومالية لهذا التعاقد لا يمكن تجاهلها بسهولة، وإن لم ينتهِ على النحو المقصود منه
الرقابة أمام الاختبار
تملك القوانين اللبنانية، رغم كل ثغراتها، مسارات تضمَن حقوق الدولة وأموالها العامة، وتُحمِّل المسؤوليات للمُرتكبين، مهما كَبُرَ الارتكاب أو صغر. ولا يحيد التعاقد مع شركة ألفاريز أند مارسال عن درب المساءلة القانونية التي يجب أن يتوَلاّها ديوان المحاسبة الذي يُفتَرَض به أن يتحرَّك ويطلب من وزارة المالية إيداعه المستندات المرتبطة بالتعاقد وما وصل إليه الملف. فهذا العقد يُرتِّب نفقة على الدولة، وانسحاب الشركة وما آلت إليه الأمور مع ما تحمله من غموض حيال النتائج المالية للانسحاب، الذي جاء قسرياً بعد إهمالٍ مِن جانب الدولة في إتمام المهمّة وفق ما نصَّ عليه العقد، يُفتَرَض أن تكون محطَّ اهتمام من قِبَل ديوان المحاسبة، لأن ما حصل يوحي ويعني المَسَّ بالمال العام والتصرُّف به بصورة خاطئة.
التعاقد مع الشركة جاء بقرار من الحكومة، وبالتالي “لا يمكن للديوان محاسبة الحكومة”، حسبما تقول مصادر في الديوان، في حديث لـ”المدن”. ومع ذلك، لم ينتهِ دور الديوان، إذ “بامكانه مساءلة وزير المالية انطلاقاً من ترتيب نفقة على الدولة، ليتبَيَّنَ في معرض المساءلة أنَّ الحكومة اتّخذَت قراراً غير عادل، يتعلّق بالمال العام، فيدخل الديوان من ثغرات التعاقد ليوجِّه كتاباً إلى مجلس النواب ورئيس الجمهورية يخبر بواسطته عن الضرر الذي ارتكبه مجلس الوزراء، فيتحرّك الطرفان لمساءلة الحكومة”.
إثارة الديوان هذه القضية واستغلال البنود القانونية كافة، والاستفادة من الثغرات التي انزلقت بها الحكومة وزارة المال والمصرف المركزي، يجعل الديوان الساهر الفعلي على المال العام، وهي مهمّة كفلها له القانون. والسهر على المال العام “هي عبارة معنوية واسعة المفهوم، تضمن كل أشكال العناية والحماية للمال العام. ومِن هنا يصبح لزاماً على الديوان التحرّك. وهذا يتطلَّب جرأة مِن رئاسة الديوان، لأن فاعلية الجهاز الرقابي هي مِن هيبة رئيسه أيضاً”.
مسانَدة وزارة العدل
ليس تفصيلاً بسيطاً التعاقد مع شركة أجنبية بمبلغ 2.2 مليون دولار وإدراج بند جزائي بقيمة 150 ألف دولار، ليجري التخلّي عنها بسهولة بفعل عراقيل لا دخل للشركة بها. خصوصاً أنّه مِن حقّ الشركة المطالبة، أقله، بالبند الجزائي.
سهولة التخلّي عن المهمّة والمستحقات المالية، تزيد علامات الاستفهام على طبيعة التعاقد ومهمّة الشركة. وهذه أمور لم يفصح عنها وزير المال غازي وزني. أضف إلى ذلك، التساؤلات حول سبب عدم تسليم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المستندات المطلوبة، لإنجاز التدقيق. فالتذرّع بالسريّة المصرفية وحده لم يعد مقنعاً. وهُنا، يبرز موقف وزيرة العدل ماري كلود نجم، إذ طلبت من سلامة التعاون مع الشركة، لأن السرية المصرفية الملحوظة في القانون اللبناني لا تسري على حسابات الدولة وحسابات مصرف لبنان، لاسيما أن هذه الأموال مكشوفة عملاً بقانون حق الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017.
وبعد انسحاب الشركة، أشارت نجم إلى “إمكانية التوجه إلى القضاء ليتحمل مسؤولياته، وإلزام مصرف لبنان بتقديم المعلومات المطلوبة للتدقيق الجنائي”.
مَن يسبق؟
إن فازت وزارة المال ولم تكشف تفاصيل العقد وتتحمّل نصيبها من المسؤولية إلى جانب المسؤولية الأساسية للحكومة، وفاز معها مصرف لبنان ولم يكشف عن المستندات المطلوبة، فالقانون سيُهزَم ويستمر تضييع المال العام. فشركة ألفاريز أند مارسال لن تستكين بسهولة، وقد تسبق السجال اللبناني حول تفسير قانون السرية المصرفية، لترفع دعوى قضائية دولية ضد لبنان للحصول على مستحقاتها، إلاّ إذا كانت تريد المخاطرة بسمعتها وتأكيد تورّطها مع المنظومة الحاكمة في الاستفادة من المال العام، عبر مشاركتها بمسرحية التدقيق الجنائي.