عماد مرمل – الجمهورية
لا تشبه عملية انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة المكتب هذه المرة ما سبقها قبلاً، إذ انّها تمّت على «فالق نيابي» متحرّك، في ظلّ تركيبة غير مألوفة أفرزتها الانتخابات.
مع انّ انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية سابعة خضع للتجاذب، الّا انّه كان محسوماً قبل تثبيته دستورياً في الصندوق، خلافاً لما كان عليه وضع نيابة الرئيس، التي دارت حولها المعركة الأشرس بين فريق «حزب الله»، «التيار الحر»، حركة «امل»، تيار «المردة» وآخرين، وبين التلاوين الأخرى الممتدة من معراب الى الصيفي مروراً بالتغييريين والحزبيين.
ولئن سبق لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان أعلن عقب الانتخابات، عن انتقال الأكثرية من صفوف الحزب والتيار إلى خصومهما، الّا انّ التجربة الأولى بيّنت بالعين المجرّدة، انّ صرف هذه المعادلة النظرية إلى «سيولة نيابية» ليس سهلاً. إذ انّ نتيجة «مباراة» المطبخ المجلسي شكّلت إخفاقاً لمعراب التي خسرت 2 – 0، (موقعي رئيس المجلس ونائبه) وعكست نوعاً من «ريمونتادا» ما بعد 15 أيار، حققتها مكونات الفريق الآخر، عقب تبادل تمريرات «ملعوبة»، أدّت إلى تسجيل هذين الهدفين النظيفين.
لقد بدا واضحاً انّ ائتلاف قوى 8 آذار و«التيار الحرّ» نجحا في إجراء «هندسات نيابية»، أفضت إلى فوز بري من الدورة الأولى والنائب الياس بوصعب من الدورة الثانية بفارق صوت واحد عن الأولى. واللافت انّ الاثنين حصلا على 65 صوتاً، ما يؤشر إلى أنّه جرى «تطريز» النتيجة بـ«الإبرة».
وإذا كان فوز بري قد تمّ بمساهمة من أصوات «اللقاء الديموقراطي» وقدامى «المستقبل» إلى جانب الحلفاء، فإنّ انتخاب بوصعب لنيابة الرئيس، يعكس بوضوح أكبر تضاريس «الإنجاز» الذي حققه خط 8 آذار والتيار، على حساب القوى الأخرى.
ولكن ذلك لا يعني المبالغة في التقديرات والافتراض بأنّ هذا الائتلاف بات يملك اكثرية ثابتة، بل انّ الامر يرتبط مستقبلاً من جهة بقدرة «امل» والتيار على مواصلة التعاون وتكرار التقاطع الذي حصل أمس، ومن جهة أخرى بالقدرة على استقطاب نواب متمايزين يتموضعون خارج الاصطفافات الحزبية، لتأمين الأرجحية.
ويعتبر مواكبون من 8 آذار لمجريات المخاض المجلسي، انّ المهم في حصيلته انّها أسقطت بـ«المطرقة القاضية» مقولة «القوات» وحليفها الاقليمي، بأنّ الأكثرية باتت معهما، لافتين الى انّ مكونات الطرف الآخر لم تدّعِ بعد الانتخابات انّها هي من استحوذ على الأغلبية النيابية، بل أكّدت منذ اللحظة الأولى انّ اياً من الأطراف لا يملكها لوحده، وانّها ستكون متحركة تبعاً للملف المطروح.
ويشير هؤلاء، الى انّ انتخاب الإدارة المجلسية أثبت انّ اقلية متماسكة ومنظّمة هي أشدّ فاعلية من أغلبية مبعثرة لا تجمعها استراتيجية مشتركة، ملاحظين انّ «القوات» و«الكتائب» و«الاحرار» و«الاشتراكي» و«التغييريين» و«المستقلين» و«قدامى المستقبل» لم يكونوا على موجة واحدة خلال الجلسة، في حين انّ مجموعة 8 آذار والتيار استطاعت ان تبدو اكثر تماسكاً، ونجحت في تجاوز تبايناتها الثانوية لحساب المصلحة الاستراتيجية، «وهذا ما تُرجم عبر تسرّب أصوات من «تكتل لبنان القوي» لبري وتصويت «كتلة التنمية والتحرير» لبوصعب، من دون إغفال الدور المركزي الذي أدّاه «حزب الله» على مستوى إقناع التيار و«امل» بضرورة تغليب المساحة المشتركة على الخلافات الجانبية، بحيث بدا انّ هناك إدارة ناجحة لطلائع معارك المجلس، خلافاً لما ظهر عليه الآخرون من تشرذم».
ويشدّد القريبون من محور 8 آذار، على انّ المطلوب الآن البناء على إيجابيات التجربة الأولى في المجلس الجديد، «وبالتالي، فإنّ «أمل» والتيار مطالبان بمواصلة سياسة تخفيف التوترات بينهما، لانّ من شأن ذلك أن يسمح بتعامل افضل مع الاستحقاقات المقبلة، من التكليف الى تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية وغيرها من الملفات».