اذا كانت الأجواء الحزينة والمخيبة التي خيمت على لبنان في يوم 22 تشرين الثاني الذكرى الوطنية الأولى لكونها ذكرى الاستقلال مرت من دون رفة جفن ولا أي مبادرة لكسر الانسداد السياسي فهل يمكن للبنانيين ان يراهنوا على دق أجراس الإنذار المتقدمة على السنة قادة روحيين باتوا يتقدمون انتفاضة الناس والتعبير عن معاناتهم بعدما سكنت الانتفاضة الشعبية في الشارع ؟ نعني بذلك مباشرة المواقف البالغة الأهمية والرمزية والأثر لكل من البطريرك الماروني الكاردينال ما بشارة بطرس #الراعي وميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس #عودة اللذين دأبا منذ تدهورت الأمور في شكل دراماتيكي على رفع الصوت والتحذير والدعوة والحض على تحميل الطبقة السياسية الحاكمة والسياسيين تبعات المسؤوليات الجسام لإنقاذ لبنان ولكن عبثا . ولكن الأهمية الكبيرة للمواقف التي يطلقها البطريرك الراعي والمطران عودة اتخذت البارحة بعدا متوهجاً إضافيا نظرا الى تزامنها مع الذكرى الاستقلالية الكئيبة التي ظللت لبنان وهو في ظرف الاقفال العام أولا في مواجهته للانتشار الوبائي لكورونا وثانيا تبعا للظروف السياسية المعقدة التي حالت حتى الان دون تشكيل سريع لحكومة انقاذية يراهن عليها اللبنانيون كخشبة خلاص أخيرة . ولذا بدت الدولة في مكان مختبئ باهت كانها اشبه بالسجناء الفارين من سجن بعبدا الذين تطاردهم فيما ارتفعت أصداء مواقف الراعي وعودة في برية الخواء السياسي تعوض عن أصوات الناس ومعاناتهم .
بدءا بعظة الراعي فهو عكس “ضيق صدر اللبنانيين جميعا في انتظار حكومة جديدة تفرج البلاد ” وأشار الى ان عرقلة التاليف هي في “العودة الى نغمة الحصص والحقائب والثلث المعطل وتعزيز فريق وتهميش افرقاء” هذا الأسلوب الذي وصفه بانه عزز الفساد والاستيلاء على المال العام وهدره وأوصل الدولة الى الانهيار والإفلاس . وحذر من ان “تشكيل الحكومة على صورة سابقاتها سينتج عنها الخراب الكامل ” مستغربا “انهم يرفضون المشورة والرأي والنصيحة ويتصرفون خلافا للدستور “.
واما المطران عودة وفي ما يعتبر احد اقوى مواقفه من مجريات الازمة فانه توجه امس بكلام مباشر ورسائل مباشرة بارزة جدا في مضمونها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فخاطبه قائلا :” أنقذ ما تبقى من عهدك وقم بخطوة شجاعة يذكرها لك التاريخ ولا تخيب آمال اللبنانيين فيك وأناشدك باسم هذا الشعب الطيب المرهق ان أنقذ لبنان “. ومضى عودة مخاطبا عون بمجموعة مناشدات وقال له “لا تقبل ان يكون لبنان رهينة في ايدي أطراف داخلية او خارجية ” ثم سأل في هذا السياق :”اين لبنان من ميشال شيحا وفؤاد شهاب وفؤاد بطرس وغسان تويني وأين الرجالات الكبار من كل الطوائف ؟”. وفيما حض على تسريع تشكيل الحكومة التي تتولى الإنقاذ توجه أيضا الى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري داعيا إياه بدوره الى “الإسراع في مهمته لان البلد يتهاوى والمواطن لم يعد يحتمل “.
الحكومة والتعقيدات والتدقيق
ومع غياب أي تطور سياسي في عطلة عيد الاستقلال وعدم اتضاح أي افق في شان تعقيدات مسار تأليف الحكومة تنتظر الأوساط السياسية الأيام القليلة المقبلة لمعرفة ما اذا كان ثمة محاولات جديدة سيبذلها الرئيس المكلف لكسر جمود عملية التاليف خصوصا بعدما شكلت كلمة الرئيس عون عشية ذكرى الاستقلال انعكاسا واضحا ومباشرا للتباينات القائمة بينه وبين الحريري حول تركيبة الحكومة الجديدة . وتخشى بعض المصادر المعنية ان يقحم موضوع التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان بعد انسحاب شركة الفاريز ومارسال من الاتفاق مع وزارة المال عامل توتير وتشنج إضافي في مسار تأليف الحكومة نظرا الى الشعبوية التي باتت تستخدم في التعامل السياسي مع هذا الملف كما عكسته الاصداء المتواصلة حوله منذ أيام . ولا يقف الامر عند هذا الحد بل ان بعدا سياسيا آخر يساهم في إضفاء دلالات ساخنة على العلاقات بين عدد من الافرقاء لجهة مواقفهم من التدقيق او من وضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، وهو ما عكسه موقف لافت امس لنائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان من هذا الملف . اذ ان عدوان اطلق موقفا اتسم بالهجومية اتهم عبره رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار “المستقبل” بانهما لا يريدان التدقيق الجنائي وقال ان هذه المعركة محتدمة ولن تنتهي حتى تصل الى نتيجتها لان من دونها لا اصلاح . كما اعتبر ان التدقيق يسقط ورقة التين عن أصحاب الارتكابات متسائلا “هل من الطبيعي ان يبقى رياض سلامة على رأس حاكمية مصرف لبنان في وقت نقوم فيه بالتدقيق الجنائي ؟”.