ديانا غسطين – سفير الشمال
ليس جديداً ان يتصدّر الجنوب اللبناني المشهد السياسي، وهو الذي كان الحدث الأبرز منذ بدء الاجتياح الاسرائيلي لمدينة بيروت في 5 حزيران 1982. وأمس، وبعد أربعين عاماً، عاد الجنوب الى الواجهة مجدداً من بوابة الحدود البحرية بعد الإعلان عن وصول سفينة الإنتاج FPSO التابعة لشركة انرجين اليونانية للبدء باستخراج الغاز من حقل “كاريش”.
اللافت في الموضوع، انه ما ان تمّ الإعلان عن رسوّ الباخرة اليونانية في حقل كاريش حتى تنادى اهل الحكم في لبنان لاصدار بيانات استنكار اقل ما يقال فيها انها لزوم ما لا يلزم. اما اكثرها فداحة فهو ما جاء في البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية اذ اعلن ان “لبنان أودع الأمم المتحدة قبل أسابيع رسالة يؤكّد فيها على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، وأن حقل “كاريش” يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها، وجرى تعميمها في حينه على كافة أعضاء مجلس الأمن كوثيقة من وثائق المجلس تحت الرقم S/2022/84 بتاريخ 2 شباط 2022، وتم نشرها حسب الأصول.
وطلب لبنان في الرسالة من مجلس الامن عدم قيام إسرائيل بأي أعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها تجنباً لخطوات قد تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. كما أكدت الرسالة على أن لبنان ما زال يعول على نجاح مساعي الوساطة التي يقوم بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للتوصّل إلى حل تفاوضي لمسألة الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة”.
والجدير ذكره انّ كاتب بيانات القصر الجمهوري قد غاب عن ذهنه بقصد او بغير قصد ان اعمال التنقيب في حقل كاريش قد بدأت في العام 2013 وانتهت وبات العدو الاسرائيلي اليوم جاهزاً للبدء باستخراج الغاز.
امام كل هذا الضياع الذي تعيشه الساحة السياسية في ملف ترسيم الحدود البحرية اليوم، موقف وحيد قد يعيد خلط الاوراق لمصلحة لبنان، وهو ما اعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 10 ايار 2022 عندما حذّر “شركات التنقيب من مباشرة العمل في أي منطقة بحرية جنوبية متنازع عليها”، مؤكداً انه إذا منع لبنان من التمتع بثروته الغازية فإن المنع سينسحب على تل أبيب.
وقال حرفياً “لن تجرؤ شركة في العالم على أن تأتي الى كاريش أو الى أي مكان في المنطقة المتنازع عليها إذا أصدر “حزب الله” تهديداً واضحاً جدياً في هذه المسألة”. يومها قطع السيد نصر الله الطريق على أي مفاوضات في لبنان بعدما قال للدولة اللبنانية “تريدون أن تكملوا في المفاوضات، هذا شأنكم، لكن لا في الناقورة ولا مع هوكشتاين ولا مع فرنكشتاين ولا مع أينشتاين يأتي إلى لبنان، من طريق المفاوضات وخاصة مع الوسيط الاميركي غير النزيه والمتآمر والمتواطئ والداعم لإسرائيل لن نصل إلى نتيجة”.
في سياق متّصل، وتعليقاً على ما يجري في المياه الاقليمية الجنوبية، اشار رئيس الوفد المفاوض العميد بسام ياسين الى ان “كلام من هم في السلطة وبياناتهم لا تفيد. المطلوب ان يتصرّفوا كرجالات دولة ويعدلوا المرسوم رقم 6433 ويودعوه الامم المتحدة من اجل الحفاظ على حق لبنان”.
ولفت ياسين الى ان “مجرّد وقوف السفينة اليونانية فوق حقل كاريش عند الخط 29 هو اعتداء على لبنان لا سيما واننا نعتبر الحقل المذكور متنازع عليه وبالتالي لا يحق لأحد العمل فيه”.
واضاف: “في اللحظة التي يتم فيها استخراج اول سنتمتر مكعب من الغاز، يصبح حقل كاريش بحسب القانون الدولي ملكاً للعدو الاسرائيلي، اي خارج المعادلة، وعليه يفقد لبنان اهم ورقة يملكها في المفاوضات وهي التهديد بموضوع كاريش”.
الى ذلك، تشير مصادر مقرّبة من حزب الله الى ان “المقاومة لن تقف مكتوفة الايدي امام ما يحصل عند الحدود البحرية جنوباً.
وفيما لم يصدر اي موقف رسمي عن قيادة حزب الله تجاه ما يحصل حتى لحظة كتابة هذه السطور، من الضروري التأكيد على انّ قيام الدولة بواجباتها يعطي المقاومة شرعية الدفاع عن الحقوق والثروات.
يقول المثل “الضرب في الميت حرام”، فكيف اذا كان الضرب في دولة مستقيلة من مهامها في تأمين ادنى مقومات العيش لشعبها. بل اكثر من ذلك، هؤلاء الساسة الذين لم يستمعوا الى الصوت المنادي بوجوب تعديل المرسوم 6433 منذ انطلاق المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، اي منذ سنتين، هل سيستفيقون اليوم من غيبوبتهم فيقومون بكل ما يلزم بدءاً بتعديل المرسوم 6433 وايداعه الامم المتحدة، مروراً بتوجيه انذار الى شركة انرجين باور وصولاً الى اتخاذ ما يلزم من اجراءات دبلوماسية، قانونية او حتى عسكرية لحماية حقوق لبنان ام انهم سيفضلون التقاعس اذي سيصل الى حدّ اتهامهم بالخيانة العظمى؟.