رضا صوابا – الاخبار
فتح تعميم وزارة السياحة القاضي بال سماح للمؤسسات السياحية كافة بالتسعير بالدولار الأميركي لغاية نهاية شهر أيلول المقبل، الباب واسعاً أمام تعميم الفوضى القائمة أساساً لناحية التسعير، وبالتالي تحميل الزبائن مخاطر يفترض أن تقع على عاتق أصحاب الرساميل، إذ إن الهدف الأساسي من التعميم هو أن يستحوذ على دولارات المغتربين مباشرة
حتى الآن، وبحسب رئيس نقابة مكاتب أصحاب السفر والسياحة جان عبّود، بلغ عدد تذاكر السفر المحجوزة بوجهة تصل إلى بيروت، نحو 1.1 مليون تذكرة من كل البلدان، أي بمعدل 15 ألف راكب يومياً على مدى 75 يوماً اعتباراً من أول تموز. إذا تحقّق كل هذه الحجوزات، أو حتى قسم كبير منها، فهذا يعني أن لبنان سيشهد طفرة زوار بعد سنتين من «كورونا» ومن الأزمة الاقتصادية التي يطغى عليها انهيار سعر صرف الليرة وتعدّد أسعارها تجاه الدولار. وهؤلاء الزوّار سيأتون إلى لبنان حاملين دولارات لإنفاقها خلال وجودهم هنا، سواء كانوا مغتربين لبنانيين، أو زواراً عرباً وأجانب. لذا، استقبلهم لبنان بقرار من وزير السياحة يتيح للقطاع السياحي تسعير الفواتير بالدولار على أن يكون الدفع بالليرة، ما يخلق إشكالية كبيرة لجهة تسعير الليرة ومراقبة الالتزام بها.
تذرّعت وزارة السياحة لتبرير خطوتها غير المسبوقة بـ«الظروف الاستثنائية» التي دفعتها نحو اتخاذ هذا القرار الذي يفترض أن يسهم في «تحسين مراقبة ومقارنة الأسعار». وبمعزل عن الشكل القانوني الذي تحتمي خلفه الوزارة، فإن الواقع مختلف. إذ إنه ليس هناك مرجعية لتحديد سعر الصرف، بينما الإمكانات العملانية لوزارة السياحة محدودة جداً ما يترك هؤلاء الزوار فريسة سهلة المنال. فكيف للدولة التي عجزت بكل أجهزتها طوال العقود الماضية، بما فيها السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الأزمة، عن القيام بأبسط واجباتها تجاه المقيمين لناحية ضبط الأسعار ومحاسبة المخالفين، أن تراقب المؤسسات السياحيّة في عزّ موسم سياحي واعد؟
يبرّر المعنيّون في القطاع السياحي عملية التسعير بالدولار بـ«عدم ثبات سعر الصرف»، ما يجعل من تثبيت الأسعار بالدولار «الخيار الأمثل الذي يضمن الشفافية والوضوح تجاه الزبائن». لكنْ لهذه الرواية جانب آخر مخفي يشير إليه رئيس جمعية المستهلك زهير برّو: «الجميع يتنافس لاقتناص دولارات الزوّار، وهذا القرار يمنح أفضلية لأصحاب المؤسسات السياحية للحصول على الدولار بدلاً من الصرافين». لذا، يرى برّو أن هذا القرار لا يعدو كونه مماثلاً لـ«ألاعيب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تركيب الطرابيش والحلول المجتزأة التي لا تغيّر في المشهد شيئاً، باستثناء أنها توجّه الدولارات إلى أصحاب المؤسسات السياحية».
السؤال الأساسي الذي يثيره التعميم هو الآتي: من يحدّد سعر الصرف في السوق الموازية الذي يفترض أن تعتمده المؤسسات السياحية بناءً على قرار وزارة السياحة؟ يستجرّ هذا السؤال أسئلة أخرى: ما العمل إذا حصلت تقلّبات سريعة في سعر الصرف في اليوم نفسه كما شهدنا أكثر من مرّة في السنوات الأخيرة؟ أيّ سعر يعتمد لإصدار الفواتير بالليرة؟ ماذا عن الدفع بالبطاقات، سواء بالليرة أو بالدولار؟ من يحدّد سعر الدولار المصرفي أو الدولار المحجوز المعروف بـ«اللولار»، وهل المؤسسات تقبل الدفع بواسطتها؟ هل هناك سعر محدّد للتسديد بالبطاقات بالليرة اللبنانية؟ الكثير من الأسئلة التي لا إجابات واضحة عنها في ظل اتجاه السوق بكامله نحو اقتصاد الكاش، بما فيه التسديد بالدولار النقدي. يوضح برو أن «الدولرة باعتبارها وسيلة لضبط التقلّبات في سعر الصرف هي أمر غير دقيق. ففي ظل عدم وضوح هوية مرجعية تحديد سعر الصرف في السوق الموازية، تبقى هناك قدرة واسعة على إطلاق منصّات رديفة للتسعير والتلاعب. يجب أن ننتظر ألاعيب كثيرة».
أما الكلام عن ثبات في الأسعار بالدولار فلا يعدو كونه أكثر من شعارات بالنسبة إلى برو. «فالتجار وأصحاب الرساميل بإمكانهم في أي لحظة التذرّع بارتفاع الكلفة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والنقل والطاقة، وبالتالي تعديل لائحة الأسعار بالدولار بما يناسبهم». تحديد الكلفة والجزء المتعلق بالدولار منها هو مسألة تحتمل الجدل في ظل تراجع معايير الجودة والبضاعة الرخيصة المستعملة بهدف زيادة الربحية. ولا شكّ بأن التذرّع بالأزمات الدولية سيؤدي دوراً في زيادة الأسعار وتحويل الأرباح إلى دولارات يمكن تهريبها بسهولة إلى الخارج، في ظل عدم وجود كابيتال كونترول. ويشير برّو إلى أن «الأسعار ونسب الأرباح المحقّقة عادت إلى معدلاتها القديمة التي سبقت وقوع الأزمة في تشرين الأول 2019، كما لو أننا لا نعيش في بلد منهار. فالأسعار تدولرت بالكامل وأكثر من 95% من السلع مسعّرة كما كانت قبل الأزمة. أما أرباح التجار التي كانت تعدّ الأعلى في المنطقة، إن لم يكن في العالم، والتي كانت تزيد بنسبة 30% تقريباً عن أرباح التجار في دول الجوار، فقد باتت تسجل النسب نفسها حالياً». بمعنى أوضح، إن أرباح التجّار ستصبح كبيرة نسبة إلى المداخيل السابقة وستعوّض قوّتها الشرائية على حساب المستهلكين.
بكلام أوضح، سيتم نقل مخاطر التجّار إلى المستهلكين، ما يعني ضمانة أرباحهم بالدولار النقدي «فالتاجر يقبض بالدولار النقدي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية على سعر السوق، فيما رواتب المقيمين ومداخيلهم تواصل انهيارها. التجار يسترجعون دولاراتهم مع الأرباح، فيما الناس يزدادون فقراً».
المستغرب أن التعميم يبدي حرصاً زائفاً على المستهلكين، بينما هدفه المستتر أن يمنح أصحاب المؤسسات السياحية ضمانة ضدّ مخاطر تقلبات العملة والتشغيل من دون أن يقدّم أي حماية تجاه المستهلكين. صحيح أن التعميم يشدد على المؤسسات السياحية الالتزام بالأسعار التنافسية تحت طائلة اتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية بحق المخالفين، إلا أنه لا أحد لديه شكّ بأن هناك قدرة على ضبط المخالفات فيما ليس هناك معيار واضح لتحديد هذه المخالفات، أي أن التعميم بقي فضفاضاً بمضمونه، لذا يعتقد برّو أن «تحذير الوزارة لا يستند إلى أي قوانين. هو كلام فارغ لا معنى له. نحن في اقتصاد حرّ، والجميع يمكنه التسعير كما يريد. هنالك فقط بعض السلع التي يجب الالتزام بأسعارها كالخبز والفروج والمحروقات والغاز، وحتى هذه أصبحت خاضعة للتفلّت».
رغم الأزمة الشديدة التي يمرّ بها لبنان، فإن اللبنانيين يعتقدون بأن الترفيه عن أنفسهم من خلال السفر إلى تركيا هو أرخص بكثير من السياحة الداخلية. بحسب أرقام الحجوزات، فإنه معروض في سوق تذاكر الطيران نحو 150 ألف كرسي على طائرات متّجهة إلى مناطق مختلفة في تركيا، وكل الحجوزات الحالية لشهر تموز «مفوّلة». إذ إن معدّل الكلفة الوسطي الذي يختلف تبعاً لمستوى الفندق الذي اختاره الزبون، لا يتجاوز 550 دولاراً لأربع ليالٍ.