انطوان الأسمر – اللواء
خلطت الحرب الروسية في أوكرانيا كل الأوراق، وطالت إرهاصاتها بقعاً جغرافية مترامية.
كان طبيعياً أن يخرج تأثيرها عن الفضاء السوفياتي بالمعنى الجيوستراتيجي، بالنظر إلى أهمية أوراسيا ومحوريتها كواحدة من أهم المفاهيم الجيوسياسية، وبإعتبارها ثقل الكوكب جغرافياً (54.759.000 كيلومتر مربع و92 دولة مستقلة) وديموغرافياً (5 مليارات نسمة أي 75% من سكان الأرض) وطاقوياً (75% من موارد الطاقة في العالم).
لذا توسع تأثيرها ليشمل معظم المناطق اللاهبة. بعضها زاد لهيبا، وبعضها الآخر مرشح الى تبريد تدريجي قد يطول أمده، كحال المتوسّط والخليج.
في الوقائع الجيوسياسية الثابتة، يظهر الآتي:
1-أوروبا بحاجة إلى مواد طاقوية بأسعار منخفضة. هي تعتمد بنسبة تزيد عن 40 في المئة على الغاز الروسي، في حين تصل صادرات النفط الروسي إلى الإتحاد الأوروبي إلى نحو 27 في المئة من إجمالي إمدادات النفط الواردة إليه. وتاليا، لن تدّخر القارة العجوز جهدا من أجل تأمين حاجاتها الطاقوية بكلفة مناسبة، حتى لو إضطرها الأمر الى تحدّي الإدارة الأميركية، عبر عقد اتفاقات ثنائية مع طهران.
2- إيران تشد الحبال والرحال لتحصيل أعلى قدر ممكن من المكاسب في التفاوض النووي، مع علمها أن غازها حاجة أوروبية تبقى معلّقة على إنعقاد الإتفاق مع الولايات المتحدة في ظل العقوبات المفروض على روسيا، ومع إدراكها كذلك أن ثمة مساحة زمنية لا تزيد عن 18 شهرا بإمكانها استغلالها لملء حاجة السوق العالمية الى الغاز، قبل أن تباشر إسرائيل بتوريده.
ولا يخفى أن أي رفع للعقوبات الاقتصادية عن إيران سينتج 3 إيجابيات رئيسة ستكون آثارها واضحةً على الإيرانيين، وستشكّل رافعة قوية للإقتصاد، والأهم أنها ستتيح لطهران تحديث قطاع الطاقة، وهو ما ستكون له تداعيات إقليمية ودولية:
أ-منح إيران فرصة لزيادة صادرات النفط، وإستطرادا الإيرادات.
ب-إتاحة إنضمام مصارفها إلى نظام تحويل الأموال Swift، مما سيسرّع في عملية انتعاش التجارة والاستثمار.
ج-قدرتها، حكومة وشركات وأفرادا، على الوصول إلى مجمل الأصول الأجنبية المجمَّدة في الخارج.
3-المملكة العربية السعودية تخوض مسارا سياسيا حسّاسا لتأمين انتقال سلس للسلطة. وهي جعلت هذا الإستحقاق متلازما لأي تواصل دولي معها، وبالأخص مع الإدارة الاميركية، الى جانب رغبتها في إنهاء أي ترسبات باقية من ملف جمال الخاشقجي.
لبنان من الممكن أن يستفيد من التبريد المتوقع للإقليم من الخليج إلى المتوسط
لذا تُعدّ زيارة جو بايدن الى الرياض بالغة الأهمية للطرفين. فالرئيس الأميركي يبحث عن مكسب داخلي يواجه به تدني شعبيته على أبواب الإنتخابات النصفية في الخريف المقبل. والتحدي الرئيس أمامه خفض سعر الوقود، وهو لن يتمّ سوى بأن تضاعف المملكة صادراتها النفطية. أما الرياض فليست مستعدة لمنح إنتصار مجانيّ لبايدن ما لم تحصل على الثمن المناسب. وليس أفضل ثمنا من التغطية الأميركية للإنتقال السلس للسلطة ومن إقفال ملف حقوق الإنسان الذي شهرته الإدارة الأميركية منذ اليوم الأول لتسلّمها الحكم.
يعيش لبنان، حيال مجمل تلك الحقائق، مخاضا قد يكون الفرصة الأخيرة من أجل تكريس معادلة استخراج النفط والغاز الممنوع عليه حتى اليوم، نتيجة الصراع العالمي على الموارد الطاقوية من جهة، ولرغبة مشتركة أميركية – إسرائيلية في استخدام هذه الحاجة اللبنانية ورقة ضغط لإنهاء الخلاف على الحدود البحرية.
لذا تكتسب الزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي الخاص لشؤون الطاقة الدولية آموس هوكستين أهمية قصوى، بعدما استخدم لبنان بدوره أوراق القوة التي في حوزته، من تثبيت «معادلة لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا»، الى التهديد باستخدام القوة لحماية الحقوق.
وثمة رأي غالب وحاسم بأن لبنان سيستفيد من التبريد المتوقع للإقليم، من الخليج الى المتوسط، كمقدمة لازمة لخفض أسعار الغاز، فيكسب حكما ترسيما عادلا لحدوده البحرية بما يحفظ حقوقه.
تأسيسا على ذلك، يُعوّل على أن يحمل هوكستين طرحا جديدا محدّثا ومحسّنا لطرحه السابق الذي رفضه لبنان، بما يواكب الدينامية المتوقعة في المنطقة.
ويُتوقّع ان تشكل الأسابيع المقبلة حتى نهاية الصيف محطة حاسمة لتحديد الخيارات، على أن يكون شهر أيلول عصيبا وحاسما، غازا واستقرارا ورئاسة. فهو شهر الخيار الرئاسي بالتأكيد.