الأحد, نوفمبر 24
Banner

اقتصاد أوروبا يواجه أوقاتا عصيبة

بالنسبة لعديد من مراقبي السياسة النقدية المتمرسين، البيانان التاليان متناقضان، تواجه منطقة اليورو تهديدا كبيرا من الركود في وقت لاحق هذا العام. في الوقت نفسه، ينبغي للبنك المركزي الأوروبي سحب الدعم النقدي من اقتصاد منطقة اليورو ورفع أسعار الفائدة.

لأعوام كان الرد الصحيح بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية الأوروبية هو دعم الإنفاق في الأوقات الصعبة بسياسة نقدية متساهلة وبذل كل ما في وسعهم لتجنب الركود. ففي النهاية، حصل البنك المركزي الأوروبي على القبول بحسبانه مؤسسة قوية ومحترمة فقط عندما تعهد البنك، بقيادة المحافظ آنذاك ماريو دراجي، بفعل “كل ما يتطلبه الأمر” لتعزيز اقتصاد القارة. كان ذلك قبل عقد من الزمان. الوعد بقوة مالية غير محدودة أنهى أزمة منطقة اليورو بسرعة.

في 2022 لا تتشابه الظروف بأي شكل مع 2012 وينبغي أن تتكيف السياسات وفقا لذلك. قبل عشرة أعوام كانت أوروبا منخرطة في حملة تقشف لتحسين الماليات العامة، وكانت البطالة في جميع أنحاء الكتلة أكثر من 10 في المائة وكانت آخذة في الارتفاع، وكان التضخم يزيد قليلا على 2 في المائة وكان آخذا في الانخفاض. لقد كان ذلك اقتصادا يحتاج إلى التحفيز.

اليوم تراجعت البطالة في منطقة اليورو إلى 6.8 في المائة في آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، وهو أدنى مستوى لها منذ إنشاء العملة الموحدة في 1999، بينما ارتفع التضخم إلى 8.1 في المائة في أيار (مايو). وبدلا من التقشف، تخطط الدول الأوروبية للإنفاق في إطار صندوق التعافي البالغة قيمته 800 مليار يورو.

على الرغم من أن أوجه التشابه مع العقد الماضي قليلة، إلا أن هذا لا يزال غير كاف لإثبات السياسات النقدية الأكثر تشددا. لذلك، فإننا بحاجة إلى النظر عن كثب في القوى التي تؤثر في العرض والطلب في اقتصاد منطقة اليورو والمخاطر المحيطة بإجراءات السياسات المختلفة.

لقد تباطأ النمو بشكل كبير منذ التعافي القوي من فيروس كورونا الصيف الماضي. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي عبر منطقة اليورو 0.3 في المائة فقط في الربع الأخير من 2021 و0.2 في المائة في الربع الأول من 2022، الذي تزامن مع الحرب الروسية – الأوكرانية.

في الأرباع المقبلة، سيتم تعزيز الطلب عبر إزالة معظم قيود كوفيد – 19 هذا الصيف، خاصة لمقدمي الخدمات التي تواجه المستهلك مباشرة، لكنه سيتراجع بسبب ضغط تكلفة المعيشة جراء ارتفاع أسعار الطاقة على دخل المستهلك.

لكن سواء ظلت معدلات النمو ضعيفة أو أصبحت سلبية، فإن الحقيقة القاسية هي أن أوروبا تحتاج إلى إنفاق أقل على أشياء أخرى، لأن ارتفاع تكلفة النفط والغاز، بصفتها مستوردا صافيا للطاقة، جعل الجميع أكثر فقرا.

إذا لم يكن هناك اعتراف بهذا، فسيستمر الطلب في تجاوز العرض وسيحول ارتفاعا مؤقتا في الأغلب في أسعار الطاقة، إلى تضخم عام أكثر إشكالية واستمرارا. وقد يحدث هذا مع معدلات نمو ضعيفة، مشابهة لتلك التي حدثت في الأرباع الأخيرة، أو حتى في حالة ركود ضحل.

يقدر البنك المركزي الأوروبي أن الضريبة الفعلية على المستهلكين جراء ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء والبنزين تصل إلى 1.3 في المائة من الدخل القومي. هذه في الحد الأدنى، هي الضربة التي يجب على الجميع تحملها. بينما أخطأ البنك المركزي في 2011 لأنه توقع استمرار تضخم أسعار الطاقة والغذاء في وقت الكساد الاقتصادي، فإن خطأ السياسات الأكثر الذي له صلة بظروف اليوم حدث في سبعينيات القرن الماضي.

في ذلك الوقت، عانت الدول التي قتلت الاندفاعات التضخمية بسرعة بسياسة متشددة، بقيادة البنك المركزي الألماني “بوندسبانك”، الألم وعانت من انكماش قصير وضحل. كانت زيادات الأسعار مؤقتة ولم تصبح متأصلة في الحياة اليومية. وتلك الدول التي اتبعت مسارا أكثر مراعاة – إيطاليا وفرنسا – انتهى بها الأمر باستمرارية معدلات تضخم أعلى تطلبت حالات ركود أعمق بكثير في أوائل ثمانينيات القرن الماضي للقضاء على التضخم.

لذلك هذه هي اللحظة المناسبة لاتخاذ إجراءات مبكرة لمنع تحول التضخم إلى مشكلة كبيرة. هناك دلائل على أن ارتفاع الأسعار أصبح أوسع ليطول البضائع والخدمات في أوروبا. في نيسان (أبريل) شهدت ثلاثة أرباع البضائع والخدمات الفردية ارتفاعا في الأسعار تجاوز 2 في المائة عما كانت عليه قبل عام، ما يظهر أن الشركات مستعدة بشكل متزايد لرفع الأسعار بدلا من الضغط على هوامشها. وارتفعت توقعات التضخم في المدى الطويل بشكل حاد في الأسواق المالية ولم تعد تتراجع إلى أدنى من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة.

مع تضخم عند 8 في المائة وسعر الفائدة من البنك المركزي الأوروبي لا يزال سالبا عند 0.5 في المائة، فإن سعر الفائدة الحقيقي منخفض بشكل غير عادي حتى مع السياسة الأكثر تشددا التي يضعها البنك المركزي. إن البنك المركزي الأوروبي محق في الإشارة إلى أنه سيرفع أسعار الفائدة في تموز (يوليو) ثم يخرجها من المنطقة السالبة بحلول أيلول (سبتمبر).

الوضع الاقتصادي بشع. لكن الخطر سيكون أكبر إذا لم يفعل البنك المركزي شيئا. يمكن تعزيز اقتصاد منطقة اليورو المتعثر مرة أخرى من خلال سياسات أكثر مرونة، إذا ثبت أن الانكماش أعمق من المطلوب لإبقاء التضخم تحت السيطرة. في المقابل ستكون تكاليف التعامل مع فقدان الثقة في قدرة السلطات على التحكم في الأسعار كبيرة.

ستكون الأشهر المقبلة بائسة بالنسبة للاقتصادات الأوروبية. سيتم تقليص الدخول، ومن المرجح حدوث ركود اقتصادي، ويتعين أن ترتفع أسعار الفائدة، ما يزيد من الضغط على الأسر. سيكون هذا عسيرا. لكن هذا هو التعديل الذي يحتاج كل اقتصاد أوروبي إلى إجرائه بينما نفطم أنفسنا عن الطاقة الروسية الرخيصة، والخطرة في نهاية المطاف.

Follow Us: 

Leave A Reply