الجمعة, نوفمبر 22
Banner

لبنان وطن او مبغى؟

 الكاتب – نصري الصايغ

في الطريق الى الوطن، يافطة ناطقة: احذر الألغام. مسموح ان تحلم قليلاً. مسموح ان تتفاءل يسيراً: “التغيير صعب”. ويقال إنه مستحيل. فلبنان هو لبنان هذا. تاريخه: من سيء الى اسوأ.

لن نذوب. لن ننقرض. لن نفلح. لن، ألف مرة. انها ضريبة من ينتظر، ان تشرق الشمس من الغرب. حظنا في ما تبقى من كلام. اذ لا أفعال صحيحة. البلد الذي نحب، انتهى.

أجائز هذا الكلام بعد “انتخابات الأمل الضئيل”. لدى البعض تفاؤل بصوت مرتفع. الأصوات في الصناديق والخطب على المنابر، لا تنبئ بحملٍ وولادة. ولنقترب، كي نفهم، من صلب الموضوع: هل يستطيع من استحق الفوز في الانتخابات الأخيرة، ان يقول، بصوت متواضع وحقيقي، عمَا يستطيع انجازه، لا عمَا يطالب به. لأن سياسة الأقوال، لا تثمن إلا بالصدى. اما مشاريع الأفعال، فتثمن بالإنجاز، واعلاء الشكر مراراً.

لا بد من تهنئة الذين انتخبوا ضد “المنظومة” أو “المنظومة” المخاصمة. كانوا سواسية. طائفيون جداً، وابا عن جد الى احفاد. شكراً لمن انتخب مجموعة جديدة، وجد فيها الناخب الحر، طريقاً الى “التغيير”، ولا نسمح لأنفسنا بتهنئة من فاز، الا بعد أربع سنوات. فنهنئهم على ما انجزوه أو نقول: هذه حصتنا من لعنة الطغمتين.

فلنجرب الاسئلة السهلة: قريبا، ستجرى استشارات روتينية كلاسيكية باهتة، لتسمية مرشح تقبل به اميركا والسعودية و… يوافق عليها “الثنائي الشيعي” وقافلة القوى التقليدية. ماذا أنتم فاعلون؟ لا ماذا أنتم ستقولون؟ ولو فرضنا، انه تم الاتفاق على الاسم المرشح، فما هي الفترة الزمنية للتشكيل؟ شهر؟ شهران؟ ثلاثة؟ سنة؟ ثم ماذا يصار بانتخاب “صاحب الفخامة” من؟ وكيف؟ ومتى، وهكذا دواليك. وإذا تألفت حكومة الاضواء، بأي بيان وزاري ستأتي؟ انها مرحلة صفرية: من صفر الى أصفار.

ما زلنا في البدايات. في الفباء الدولة، أو، بالتحديد الفباء ما قبل الدولة، والسير على الطريق الذي عرفناه طوال 30 عاماً، بلا زيادة ولا نقصان… أظن ان المعركة سيربحها طغاة الطائفية، والأدلة: انجاز اعدام لبنان.

ثم، فلنسأل الفائزين بأصوات “الحرية والأحرار”: هل سيتم تشكيل الحكومة، بعد فصول وشهور، ويكون لكم سهم في التغيير بالحقائب فقط.. كأن يحرم الشيعة من وزارة المالية التي تم تأبيدها لهم؟ هل من المستطاع حرمان “سيد الكهرباء” جبران باسيل من حصة العودة الى العتمة، بشعار 24/24 ساعة عتمة صافية؟ أي بيان تشتركون بصياغته وزارياً؟ هل ستصرون على مبدأ السيادة؟

هنا، اتوقف عن الجواب، ريثما نجيب الناس المعذبين المذلولين المرضى المنهوبين اليائسين الشحادين المنطفئين المقهورين الغلابى الذين يجرجرون أيامهم الكالحة من صبح فاحم الى ليل اسود، هل لديكم خطة توقف الانهيار؟ أو، قبل ذلك، خطة لمحاكمة النهابين واللصوص الذين انتخبوا مثلكم، ولكن من جماعة تساق بعصا التعصب والطائفية. أو، من تصعيب الاسئلة: تستطيعون استعادة الاموال المنهوبة؟ أو وقف الاعتلال المالي، و”خفة وزن الليرة”. قولوا لنا، من أين ستمولون ايامنا المصابة بسرطان منتشر، بحيث ان، لا عدالة، لا صحة، لا دواء، لا ماء، لا مال، لا زراعة، لا صناعة، لا مساعدات… كل الطرق مقفلة. الامام مقفل، الوراء انتهى، الواقع: الحفر في نيران جهنم.

لن نلومكم على شيء لم تقولوه. اذ، ربما، تتخلون عن ملحمة دونكيشوت. كان دونكيشوت طيباً، طموحاً، خيراً الخ… ولكنه خاض معركة طواحين الهواء. فهل ستخوضون معركة الكلام ضد كلام ضد كلام. الكلمات عاقرة. النوايا من سبط العجز. التمني من خرافة الوهم. الانجاز وحده، يعطيكم حصانة البقاء، او، خوض المعارك المديدة مراراً، لإبقاء الأمل اقوى من اليأس.

فهل تستطيعون؟ اداء بعضكم في المجلس حتى الآن، استعراضي. إن تحدي الاسوار ليس بالأبواق، بل بالمقاليع (جمع مقلاع)، التي تنتدب الى حملها وتصويبها واطلاقها، جماعات لبنانية، ولدت وستولد مراراً، لا تبني في الحفر والتخندق الوطني، دون اتهام بارتكاب او انحياز اقليمي- دولي – طائفي، والذي عرفنا نتائجه مراراً: ضياع لبنان، واستيلاده للمرة الرابعة على ان يسير على عكازات مخلعة.

ليست الاسئلة للإحراج، وانما للتبصر بصعوبة المهمات، التي يطلق عليها صفة “المستحيلة”. لا تدانون ابداً على ترسيخ الاصلاح والمحاسبة والعقوبة. ولا تدانون، إذا لم تدخلوا معاركهم. اتركوهم يثخنون بعضهم بعضاً، كاريكاتورياً لأنهم في النهاية سينامون في فراش واحد، و”ليحيا الزنا الوطني”.

أصبتم، يا ابناء المواطنين الاحرار، بفوز وازن. وهذا دليل على ان بؤرة التغيير قابلة للانتشار. انما، أخذ عليكم الانحياز الى طغمة في مواجهة طغمة. تبنيتم قضية مستحيلة بل في ذروة المستحيلات.

هل تعرفون ان السيادة مستحيلة. البنية السياسية اللبنانية منذ التأسيس. هي بنية محميات، لا بنية دولة. لم يكن لبنان طوال عمره سيداً مستقلاً. لا اريد كتابة سيرة السيادة المنتهكة. اختصر: لبنان، منصة كان: للغرب، لأميركا، لعبد الناصر، ثم لياسر عرفات، ثم لحافظ الاسد، ثم ودائماً، للسعودية، تذكروا الجيوش التي دخلت لبنان مراراً. فرحب بها فريق، واستفاق الفريق المنافس، على “عدو صديق”. فاحتل نصف لبنان، وانشغل اللبنانيون بصيغة وزارية، وفيها حصة لأميركا، والسعودية، وسوريا، وإيران، واسرائيل في قاعة الانتظار.

أي سيادة تطمحون؟ ولِد لبنان، لحماية الأقليات واختارت الأقليات هذه حمايات خارجية: المسيحي يميل لغرب، وهذا طبيعي. السنة يميلون الى الأقوياء السنة: عبد الناصر، فعرفات، فالسعودية، وسوريا احياناً. والشيعة وجدوا ضالتهم في لبس العباءة الايرانية.

هذا هو لبنان التاريخي، ولبنان الراهن، أي: لبنانات قيد التشتت وليست قيد التشكيل والتوحيد.

إذا، ماذا تستطيع “كتلة التغيير”؟ اولاً: عليها ان تبتكر شعاراً آخر، أكثر تواضعاً. أو ان التغيير الى الأحسن، شبه مستحيل. “لا ينبت من الشوك عنب ولا من العوسج تين”. لبنان، حتى الآن، والى الامد المنظور، ماض الى التعفن والتحلل. لا دواء يشفيه، او يوقف تخلعه. يقال: إنه ينتظر التسوية الاقليمية والدولية. هراء هذا. هذه الحالة بدأت من زمان. يقال: من زمن التأسيس دستوره يداس. قوانينه تترهل. مؤسساته منهبة. رئاساته منصات طائفية حقيرة. مجالسه، نسخة تضاهي حكاية “الاربعين حرامي”. شعوبه على “دين” جيوبها. يجب، بالمناسبة، عدم الاعتماد على الدين، لأن الاديان غادرت لبنان، من زمان، وتركت البلاد لشياطين الطوائف، تتنافس فيها ما بينها، بالآيات الملعونة.

ماذا تستطيع كتلة التغيير؟ الغاء الطائفية؟ اقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي؟ انشاء مجلس شيوخ؟ الجواب: هل تعرفون مقام الشيخ زنكي؟ لقد دفنته الطوائف دفناً مؤبداً.

باختصار، لا تحلموا كثيراً. الاحلام الجميلة، لا تتحقق ابداً على أيدي بناديق الطوائف والسياسة.

إذا ماذا:

لا بد من مصارحة الجيل الجديد الذي تحرر من الطغيان الطائفي، وانتمى الى الحرية، والى ممارسة حقه الطبيعي، في ان يكون حراً، لا مُقاداً، بدين او مذهب او عصابات المال والاقطاع. هذا الجيل المتحرر، بحاجة الى ان يشهد الصدق بمن انتخبهم. والصدق ليس في الكلام والتبرير بل في الانجاز والاعتراف بالمصاعب.

لائحة ما يريده الاحرار، نهج عملي واقعي، تتوفر له، ارضية شعبية قوية، تشارك النواب الاحرار، في “التغيير” وفي مواقع أخرى كذلك. الشعب هذا. يسألكم ان تضعوا خطة نضالية، الموقع النيابي منصتها، والأرضية الشعبية ميدانها. للمرة الألف: لا نريد كلاماً او جعجعة، ولا نرى طحيناً.

قولوا للناس، بتواضع موضوعي، هذا هو برنامج نضالنا من الداخل ومن الخارج: شعبنا شبع وتقيأ كل ما يقال، وما تنقله وسائل الاعلام، المتهمة بأنها خادمة امينة للطغمة بكل اتجاهاتها: شرقاً وغرباً وجنوباً. (مفهوم؟)

الشعب، يريد ان يعرف: هل ستعود اليه ودائعه؟ هذه معركة المعارك. وهل سيصاب بالموت الحقيقي، بسبب الدواء وتعثر الاستشفاء. هل ستخوننا العملة الوطنية، ونحرم من الورقة الزرقاء الملعونة؟ جامعاتنا أي اصلاح وتغيير ممتنع حتى الآن. لقد هدمت الطغمة على مدار 30 سنة كل شيء. حتى ساحة البرج، صارت قاعاً صفصفاً، والشواطئ عواصم للأثرياء والنهابين. استرداد هذه او احلامها، لا يحتاج إلا الى صمود وتصعيد. ماذا نقول ايضاً؟ من دون وضع لائحة بما يجب، يجب ان نتواضع ونقول، هذا ما نريده وهو كثير، وهذا ما نستطيعه وهذا قليل.

لن أسرد ما يريده الشعب المهان والمذل والمهزوم، والذي وضع امله فيكم. انما، حذار الدخول في المتاهات الدولية والاقليمية والطائفية. أي لا بد من تأجيل مسألة السيادة. بدء السيادة، ليس في ان تقف مع أي فريق سياسياً، ولو كان فكرك يميل ذات اليمين العربي. والرأسمالي الغربي، والاحتلال الاسرائيلي، والاشتباكات الطائفية والمذهبية في الاقليم. اتركوا فلسطين جانباً. من اراد ان يكون معها، فليفعل، ومن اراد ان يمهد للتطبيع فليتعجل المعركة والفتنة. والنتيجة ستكون خسارة وهباءً… اما السياسة الخارجية الواحدة فمستحيلة. لبنان، بتكوينه، ساحة لقاء وصراع القوى الاقليمية والدولية، واسرائيل واسطة العقد المعقد فيها. الاقليم متناثر، فليحفظ اللبنانيون الحد الادنى من اللقاءات.

حلم ان نرى لغة الحوار، غير الكاذب، ومن دون كفوف، ضد التطرف الى المعضلات الكبرى: حوار حول سلاح المقاومة. لا ينفع الهجوم عليه والدفاع عنه. كل لبنان معني، وبهدوء، ومن دون استفزاز. البحث العلمي والصعب، في سلاح المقاومة… الخطاب مع المقاومة او ضدها، غناء في مطحنة.

لنترك ما تبقى جانباً، وهو كثير جداً: النظام، المراقبة، المحاسبة، جريمة انفجار او تفجير المرفأ، تطهير الصناديق او الغائها الى جانب المجالس اللامركزية وحدودها. الاقتصاد الذي خان اللبنانيين مرتين: مرة على يدي ميشال شيحا، ومرة ثانية مع الحريرية الاقتصادية، حيث لبنان “قجة مالية” ولا زراعة ولا صناعة، فقط تجارة (أي مصارف) وسياحة، وشحادة من المهاجرين الخ.

والمعضلة الأبرز، استعادة امرأة قيصر لتحضر الى منصة القضاء، ما يعني اجراء عملية جرف واسعة للفاسدين والمفسدين، فيها ومن معها.

البرنامج واسع جداً، ولكن اليد قصيرة. فلنحافظ على الأمل.

أخيراً وليس آخراً:

“نريد أفعالاً وليس اقوالاً”.

الذين انتخبوكم، ينتظرونكم. يميزون بين من يعمل بصمت، وبين من يركب شخصية دونكيشوت.

اصدقوا مع ناسكم اولاً. هؤلاء خميرة لاستعادة شعار:

لبنان وطن لا مزرعة. حرية لا اتباعية. ابداع لا نسخ. استقلال لا ذيلية. كرامة لا مذلة واذلال. مواطنون لا مواطفون. عقلانيون لا غرائزيون. علماء لا فقهاء، صادقون لا متلونون… الخ.

انه صعب جداً، ولكن، من هنا نبدأ.

فلبنان الغد، وطن لا مبغى.

Leave A Reply