انعكست الأزمة في الإدارات والمؤسسات العامة، فباتت غير قادرة على التشغيل وتعاني من نزف الخبرات. هي أصلاً مؤسسات مترهّلة ويتركّز فيها العامل السياسي بالطائفي بالمحسوبيات والرشوة، إلا أن هذا لا يعني أنها لم تكن تقوم بأي جهد، وأنه لم يكن فيها كوادر بشرية مؤهلة لقيادتها. بحسب استطلاع أعدّه معهد باسل فليحان، فإن 41.5% من المؤسسات العامة كانت عاجزة عن التكيف، وأن 62% من المديرين العامين أشاروا إلى أن فقدان الحافز وانخفاض مستوى الأداء هما تحدّيان رئيسيّان في وجه التغيير وتطوير القطاع العام. والمشكلة الأبرز التي تواجه القطاع العام، أن السلطة السياسية امتنعت عن تصحيح أجور موظفيها ودفعتهم نحو الهجرة.
في تحليل ونقاش تأثير الأزمة في سياق إعادة شرعية السلطة العامة والتحديات المتصلة بها، ثمة فكرة تشير إلى أن تفادي الوصول إلى انهيار المؤسسات العامة بشكل كامل يحتاج إلى تأمين مصادر تمويل. في هذا السياق يستعيد المدير العام للمالية بالتكليف، جورج معراوي، الرواية الرسمية للحلّ والتي تحصر المعالجة “بموازنة متوازنة، ما يتطلب الإصلاح الضريبي لتعزيز الإيرادات”. يتفاءل معراوي بخطّة النهوض التي على أساسها تتفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي، إلا أن ما يفوته هو أن الإصلاح الضريبي إجراء ناقص طالما أنه ليس ضمن رؤية واضحة وشاملة يكون أساسها وقف نزيف الكوادر وتصحيح الأجور.
ويثير مدير عام مصلحة الليطاني سامي علويّة، فكرة “الإدارة الصحيحة ووجوب تغيير الذهنية الحاكمة بالنظر إلى القطاع العام والتعاطي الإنساني مع موظفيه”. قد تزيد الضرائب واردات الدولة، وحكماً ستترك تأثيراتها في الطبقات الأكثر هشاشة بما أنها لا تطاول ثروات القلة، لكنها حتماً لن تنتشل القطاع العام من تحلّله وتفتته.
أظهرت النقاشات الحاجة إلى دولة لبنانية تؤكّد حضورها وتنفّذ الإصلاحات الضرورية من أجل خدمة المواطنين بشكل أفضل، ذلك أن دعم الجهات المانحة الدولية لا يُراد لها الحلول مكان عمل الدولة ولا الاستمرار إلى ما لا نهاية. وبما أنه لا يمكن للدولة أن تقوم من دون مؤسّسة القضاء القادرة على إعادة شرعية الدولة في عيون مواطنيها، انتقد بعض الحاضرين دور السلطة القضائية.
المصدر: الأخبار