لا يبدو أن الجو الايجابي الذي حاول بعض المسؤولين اللبنانيين تعميمه بعد ساعات من انتهاء زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت سيدوم طويلا. اذ تفيد المعطيات أن الأخير لن يعود قريبا الى لبنان، رغم اصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عليه على وجوب أن يكون هناك جواب «اسرائيلي» سريع لتبني السلطات اللبنانية على الشيء مقتضاه.
وتقول مصادر مطلعة على الملف، إنه «ليس من مصلحة العدو الاسرائيلي التوصل لاتفاق مع لبنان بخصوص ملف الترسيم، لأن ذلك سيسمح لبيروت بنهاية المطاف باستخراج الغاز، وبالتالي حل أزمتها المالية، وهي الورقة التي تستخدمها «تل أبيب» وحلفاؤها للضغط على لبنان لتقديم تنازلات وبخاصة في ملفي التطبيع والتوطين». وتشير المصادر في حديث لـ «الديار» الى ان «أجواء سلبية تحيط حاليا بالملف، خاصة اذا اصرت «اسرائيل» على ملاقاة ما يُعتبر تنازلا لبنانيا، بالموافقة على الخط 23 بدلا عن الـ29، بمزيد من التعنت والتصعيد»، معتبرة انه «ورغم كل الهفوات اللبنانية في هذا الملف، يمكن اعتبار تقديم الرئيس عون جوابا شفهيا مرتبطا بالخط 23 وليس جوابا مكتوبا، خطوة ذكية تترك خطا للرجعة في حال استمرار موقف «تل أبيب» متشددا، اذ يمكن للبنان حينئذ اقرار المرسوم 6433 والعودة لاعتماد الخط 29 ما يقيد عودة عمليات التنقيب في حقل كاريش».
وتضيف المصادر: «الموقف «الاسرائيلي» متناغم تماما مع الموقف الأميركي، اذ ان الطرفين من مصلحتهما عدم خروج لبنان من أزمته والابقاء على حصاره الحالي، خاصة في ظل التصعيد الذي تشهده المنطقة سواء الايراني – الاميركي او الروسي- الاميركي». وتشدد المصادر على ان «المقاومة تتجهز لكل السيناريوهات ومنها أسوأ السيناريوهات اي المواجهة العسكرية». ولعل ما يؤكد هذا الكلام ما ورد يوم أمس على لسان رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، الذي قال ان «اللبنانيين يترقبون بحذر كبير، النتائج التي ستسفر عنها تدخلات المبعوث الأميركي حول الحدود البحرية للبنان»، مشددا خلال احتفال تأبيني أقيم في بلدة جبشيت – قضاء النبطية، على أنّه «من حقّ اللبنانيين، أن يتمكنوا بأقل كلفة وأقصر وقت وأيسر السبل، من أن يستثمروا ثروتهم الوطنية من الغاز الطبيعي، وأن يستخرجوها دونما عوائق أو مكابدة نزاع».
وأشارت المصادر الى ان «اصرار الرئيس عون على الحصول على جواب سريع من قبل الوسيط الاميركي بعد زيارته «تل أبيب» هو تجنبا لابقاء المهل مفتوحة، وبالتالي عدم عودة هوكشتاين قبل أربعة أشهر اي قبل انتهاء ولاية الرئيس عون»، لافتة الى انه «يتم التداول بمهلة عشرة أيام سيعود بعدها للبنان لسؤال هوكشتاين عما آلت اليه المفاوضات، قبل أن يسلك مجددا مسار التصعيد سواء بالسير مجددا ورسميا بالخط 29 او من خلال التلويح بورقة المواجهة العسكرية متكئا على قوة المقاومة وقدراتها».
حسابات الأيام الأخيرة
في هذا الوقت، تتجه الأنظار الى الخميس المقبل، وهو الموعد الذي حدده رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس جديد للحكومة. وكما تؤكد كل المعطيات فان الرئيس نجيب ميقاتي لا يزال متصدرا المرشحين لهذا المنصب، وان كان اسمه الوحيد هو المتداول علنا، وباقي الاسماء لا تزال محصورة في الاروقة الضيقة خوفا من احراقها.
وبحسب معلومات «الديار»، فقد فشلت حتى الساعة كل المساعي التي تبذلها قوى «المعارضة» وما يُعرف بـ «القوى السيادية» للتوصل الى اتفاق فيما بينها على اسم واحد تواجه فيها ميقاتي، على غرار ما حصل في معركة نيابة رئاسة مجلس النواب، اذ يشترط الحزب «التقدمي الاشتراكي» ان يكون هناك توافق كبير على اسم معين لديه حظوظ ليسير به في وجه ميقاتي، والا فهو قد يتجه لاعادة تسميته حتى في ظل ما يُحكى عن اتفاق على مقاربة هذا الملف مع «القوات».
ويبدو مستبعدا ان ينضم النواب «التغييريون» الـ13 لأي اتفاق «اشتراكي» – «قواتي»، اذ يعلن هؤلاء خلال يومين عن مبادرة سياسية سيتكئون عليها لمقاربة كل الاستحقاقات المقبلة، وأولها استحقاق تكليف رئيس للحكومة. أما حزب «الكتائب اللبنانية» فيخلط كل الأوراق وهو ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها، اذ يبدو أنه يرفض ان يكون رأس حربة بمواجهة تكبّده مزيدا من الخسائر، لذلك يتفادى كما حزب «القوات» الاعلان منذ اليوم عن عدم مشاركته في حكومة قد تملأ فراغا رئاسيا يمتد طويلا.
وتؤكد مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ «الديار»، أن سيناريو تعويم الحكومة الحالية يتقدم على ما عداه، وبخاصة ان ما رشح عن المشاورات والنقاشات الاولية الحاصلة بخصوص عملية تشكيل حكومة جديدة يفيد بوجود شد حبال غير مسبوق وتناتش حقائب ووزارات بين كل القوى، ما سيدفع عون الى الطلب من ميقاتي خلال وقت قصير بعد تكليفه، يرجح بعد حوالى الشهر، أن يعمد الى تعويم حكومته نظرا للأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الطارئة التي تمر فيها البلاد.
الى الدولرة الشاملة درّ؟
وفي خضم شد الحبال السياسي، تتواصل المآسي الاجتماعية نتيجة الاوضاع المالية والاقتصادية التي أقل ما يقال عنها إنها مزرية، في ظل مواصلة الجهات المعنية اللجوء الى حلول ترقيعية بانتظار قرار جريء ببدء تطبيق خطة التعافي وتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وآخر مآثر «الترقيع» التوجه الى «دولرة» الخدمات والمواد الأساسية.
فبعد اعتماد «الدولرة» رسميا في المؤسسات والمنتجعات السياحية بتعميم من وزارة السياحة، تؤكد المعطيات التوجه لتسعير البنزين بالدولار بعد المازوت تمهيدا لـ «دولرة» المواد الغذائية والاستهلاكية في «السوبرماركات».