ابراهيم بيرم – النهار
لا تخفي مصادر الثنائي الشيعي وائتلاف قوى 8 آذار أنها في مقاربة مسألة التكليف والتأليف تعطي أهمية استثنائية لهذا الاستحقاق الطاغي على كل ما عداه من قضايا، وأن دوائر القيادة لدى الطرفين لا تنأى بنفسها عن ورشات الاتصالات واللقاءات المتنوّعة والساخنة التي انطلقت بحيوية منذ بضعة أيام وكأنها في سباق محموم مع الوقت ويشارك فيها غالبية الأطراف سعياً لبلوغ هدف مزدوج وهو:
– “حجز” مكان متقدّم والاستئثار بدور فاعل في لعبتَي التكليف والتأليف إن سارت في مسارها الطبيعي حتى نهاياتها المنشودة.
– إعطاء انطباع فحواه أن زمام أمر تسمية الرئيس المكلف واستيلاد الحكومة العتيدة بيد جهة بعينها ويخصّ طائفة بذاتها وبالتالي يحرم على الآخرين التمادي في الظهور بمظهر اللاعب المحوري.
وبناءً على ذلك تشير المصادر نفسها الى أن عملية التكليف كانت لأيام عدة خلت شبه محسومة ولا تعترضها أية عوائق ذات شأن لناحية الرئيس المكلف وهو رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وهو الواعد نفسه والموعود من أكثر من جهة بآلية تضمن عودته الى سدّة الرئاسة الثالثة انطلاقاً من اعتبارين اثنين:
– الأول أن الرجل وُعد بفرصة ثانية لحظة ارتضى حمل الأمانة الصعبة وتنكّب لهذه المهمة الشاقة قبل إجراء الانتخابات النيابية، حتى لا تتكرّر عنده تجربة سابقة يمقتها مقتاً شديداً ويعتبر أنه “خُدع وغُرّر به” يومها وذلك عندما ترأس حكومة الانتخابات المفصلية التي جرت عام 2005 بعيد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري المدوّية.
– الثاني أن الأمر يتعدّى حدود هذا الاعتبار على بداهته الى اعتبار آخر وهو أن ثمة مهمة بالغة الحساسية نيطت ضمناً به وتعهّد هو حملها والمضيّ بها عندما بارك تكليفه قبل أكثر من عام جهات مالية عالمية وعواصم خارجية عربية وأجنبية وهي مهمة إقرار خطة التعافي الاقتصادي والمالي ومقدّماتها (إقرار الموازنة العامة) وملحقاتها أي ضمان إجراء الانتخابات النيابية.
يضاف الى ذلك بطبيعة الحال اعتبار آخر لا يقل أهمية وهو احتمال أن ترث هذه الحكومة صلاحيات الرئاسة الأولى وتسوس أمور البلاد لأن الفراغ في قصر بعبدا في نهاية ولاية الرئيس ميشال عون يكاد يكون محتوماً.
لكن التفاهم الضمني على هذا المسار ما لبث أن شهد تحوّلاً واضحاً منذ أيام عدة خلت بفعل دخول معطى مستجدّ على خط مسار التكليف والتأليف، إذ بدأت تتبدّى في محافل سياسية محاولات جدية للتحلل من موجبات هذا التوجّه والبحث عن معطيات بديلة من شأنها أن تؤدّي الى فرض أمر واقع مختلف انطلاقاً من اعتبارات وحسابات ضمنية أبرزها:
– الردّ بمفعول رجعي على ما يعتبره البعض “نكسة” مُني بها فريق بعينه إبان اختيار المطبخ التشريعي لمجلس النواب الجديد (الرئاسة ونيابة الرئاسة وأمانة السر ورؤساء اللجان النيابية).
– تقديم براهين وأدلة عملانية من شأنها أن تدحض ما أشيع عن أن الأكثرية النيابية ظهرت في مكان معاكس لما استعجل البعض وعدّه في مكان آخر مبادراً الى التباهي والشماتة بالآخرين.
– إثبات أن الساحة ليست بيد لاعب واحد يتخذها ميداناً ينخرط فيه بيسر بل إن ثمة ضرورة لتأكيد أن هناك شركاء آخرين في نيّتهم المضيّ والإقدام وليس الإحجام كما زُعم سابقاً.
وبناءً على ذلك تؤكّد تلك المصادر أنها لاحظت انطلاق ورشة اتصالات ولقاءات مكثفة بهدف الاستدراك والبدء برحلة بحث عن أمرين: الأول شخصيات (غالبيتها أسماء غير مجرّبة) تقبل حمل المهمّة واقتحام الميدان، والثاني تأمين نصاب كافٍ من الأصوات والميثاقية لضمان تسويق الاسم الذي يقع الخيار عليه ويقرر أن يكون رأس حربة في مشروع تحدٍّ.
من البديهي الإشارة الى أن ثمة ثغرة يمكن لهؤلاء الساعين النفاذ منها وتتجسّد في موقف “التيار الوطني الحر” وكتلته النيابية وكلاهما يبدي (حتى الآن) ممانعة في تسمية ميقاتي إلا في مقابل شروط والتزامات يرفض ميقاتي للآن سماعها وتبلغها كما قال في أحد مجالسه الخاصة. والمعلوم أنه إذا ظل التيّار على موقفه واستمرّ حزب “القوات اللبنانية” مع الباحثين عن خيار آخر فمعنى ذلك أن تسمية ميقاتي رئيساً مكلفاً أمر يفتقد الميثاقية لكون الكتلتين المسيحيتين الوازنتين ستحجبان عنه أصواتهما.
إذن تبدو الصورة ضبابية وأوراق اللعبة مختلطة ومبعثرة الى الآن على رغم أن الرئيس ميقاتي يتصرّف تصرّف الـ”عايز ومستغني” لإدراكه الحاجة إليه من جهة وإدراكه أن خروجه لن يمهّد الطريق لمن يخلفه.
وفي هذا الإطار يقرّ عضو “كتلة التنمية والتحرير” برئاسة الرئيس نبيه بري، الدكتور قاسم هاشم، بوجود “هذه الحالة الضبابية والرمادية التي تسيطر على مسرح التكليف والتأليف”. ويقول في اتصال مع “النهار”: “بالنسبة إلينا في كتلة التنمية والتحرير ما زلنا ننتظر موعد الاستشارات النيابية الملزمة لنكشف على منبر قصر بعبدا اسم الشخصية التي نرشّحها لتكون رئيساً مكلفاً بتأليف الحكومة العتيدة”.
ويضيف هاشم “ومن باب تحصيل الحاصل القول إن موقفنا سيكون منسّقاً مع موقف كتلة “الوفاء للمقاومة” والحلفاء الآخرين، لذا سينكون على كلمة واحدة في موضوع التسمية”. ومع ذلك يستطرد “نحن نرى أن اسم الرئيس ميقاتي هو الاسم المتقدّم على سواه من الأسماء قيد التداول بناءً على اعتبارات عدة لعل أبرزها أن ثمّة عملية تسرّب وفرار لأسماء شخصيات عدة يجري استدعاؤها أو التواصل معها لإقناعها بحمل المهمة لكنها لا تلبث أن تعتذر على حدّ علمنا أو أنها تطرح شروطاً صعبة التحقق. لذا يبدو الأمر عبارة عن تجارب ومناورات. هذه هي قناعتنا ككتلة على رغم أننا وسوانا نلمس لمس اليد حركة فوق المعتاد ومحاولات دؤوبة تشارك بها أكثر من جهة بغية فرض أمر واقع يجري عبره تسويق اسم آخر واستبعاد اسم الرئيس ميقاتي”.
ورداً على سؤال أجاب: “كلام كثير وأسماء عدّة تتقدّم الى الواجهة ثم تُرفع كمرشّحة للتكليف فالتأليف. وفي تقديرنا إن هذا السلوك يعكس أزمة خيارات وحسابات عند الآخرين والأمر يندرج في إطار إثبات الحضور ونفي الغياب أكثر ممّا ينطوي على رغبة أكيدة في البحث عن حكومة إنقاذ وخلاص”.
وخلص: “وما عدا رفضنا الواضح لأيّ تأجيل للاستشارات فإن الأولوية عندنا هي التعجيل باستيلاد الحكومة ونحن منفتحون على النقاش والتحاور لأننا نتعاطى مع هذا الموضوع من باب أنه استحقاق وطني بالغ الأهمية يتعيّن على كل الكتل والمكوّنات الممثلة في مجلس النواب المشاركة فيه ولا نراه حكراً على جهة بعينها”.