فراس الشوفي – الأخبار
يكاد يكون مستحيلاً إقناع سوريا ولبنان بأن الغاز «الموعود» من مصر، هو غاز فلسطيني مسروق، أو بعضه مصري، ممزوج بغاز فلسطيني مسروق، بجزئه الأكبر.
والسبب، ليس غياب الدلائل العلميّة والدراسات والأبحاث المنشورة بالمئات، والتي تؤكّد مثلاً، تحوّل مصر في 2022 إلى أكبر مستورد للغاز الفلسطيني المسروق (حوالي 7 مليارات متر مكعب)، بنسبة تفوق الـ 25% من مجمل إنتاج الغاز في كيان الاحتلال، لتغطية الحاجة المصريّة المحليّة أوّلاً، قبل التصدير. ولا هو اتفاقيات الطاقة العلنيّة الموقّعة بين كيان الاحتلال ومصر والأردن و«السلطة الفلسطينية»، بمباركة أميركية وأوروبية، أو تلك الموقّعة مع الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي.
هذا الإنكار، هو غالباً، ترجمة لشعور العجز عن اجتراح الحلول، بعد عشر سنوات من الحرب على سوريا والتدمير الممنهج لموارد الطاقة والإنتاج، و15 عاماً من الحرب الأهلية وبعدها 40 عاماً من الفساد والدمار في قطاع الكهرباء في لبنان.
تواقيع بالجملة على طاولة وزارة الطاقة اللبنانية، آخرها أمس بحضور ممثلي سوريا ومصر. لكن لم يتغير شيء. لا يزال ينقص الاتفاقيات توقيع «دولي» كما هي حال أي اتفاقية للطاقة في منطقتنا. وفي هذه الحالة المحددة، يلزم التوقيع «الملك»: الموافقة الأميركية على استثناء مصر ولبنان من مقصلة «قيصر» وعلى إعطاء البنك الدولي إشارة منح لبنان قرضاً لشراء الغاز.
لسنوات يدور الحديث عن استجرار الغاز من مصر، بنوستالجيا مشروع «خط الغاز العربي» القديم في 2003، الذي استفاد منه لبنان لعام واحدٍ فقط في 2009، باستجرار الغاز من سوريا. وقتها منعت 14 آذار، بدعمٍ أميركي، اتفاقاً مباشراً بين بيروت ودمشق، فصارت مصر وسيطاً، تتلقّى الدفع من لبنان وتدفع بدورها لسوريا. أمّا اليوم، فتغيّر كل شيء، إلّا قرار منع ارتباط لبنان بسوريا ارتباطاً مباشراً. لكن ارتبطت إسرائيل بشبكة أنابيب خط الغاز «العربي»، ووقعت اتفاقيات سياسية وتجارية تحتّم امتزاج الغاز المسروق بالمصادر الأخرى، كما هي الحال مع اتفاقية الأردن.
وأخيراً، في شباط الماضي، اتفقت مصر مع إسرائيل على رفع كمية الاستيراد عبر الأردن، أي باستخدام خط الغاز، ذاته، باتجاه معاكس.
إذا أمكن تلخيص السياسة الأميركية تجاه لبنان وسوريا في مسألة استجرار الغاز من مصر، فإن النتيجة تكون على الشكل التالي: العرقلة والمساهمة والمشاركة في حصار لبنان وسوريا بمصادر الطاقة، ثم اقتراح حلولٍ تتضمّن إدخالاً على شبكة الأنابيب المرتبطة بإسرائيل والتي تحوي غازاً فلسطينياً، سرقه الاحتلال من حقّ الشعب الفلسطيني، كما يسرق الأرض والمياه. ومع انتزاع الموافقة السياسية من بيروت ودمشق تحت وطأة «العتمة الشاملة» أو «التعتيم الشامل» والجوع من المالكي إلى البوكمال ومن النهر الكبير إلى الناقورة، يمسك الأميركيون بورقة «قيصر» لانتزاع تنازلات سياسية إضافية، تفوق تلك التي حازوا عليها، بمجرّد غضّ النظر عن مصدر الغاز المنشود، بورقة البنك الدولي. ثم ليزيد القهر، بأن يقترض لبنان ليدفع ثمناً لغاز الفلسطينيين المسروق، بأسعار مرتفعة!
هل فعلاً سيمنّ الأميركيون على لبنان بعفوٍ وقرضٍ وفتاتٍ من أربع ساعات كهرباء؟ لا شيء مؤكّداً حتى اللحظة، أكثر من قرار الحرمان من الطاقة والضوء حتى الاستسلام والموت.
لكن، على افتراض أن الأميركيين سيعاملون لبنان كالمريض الأميركي إجمالاً، بالإسراف في وصفات مسكّنات الألم. فما هو ثمن هذه الرأفة والبنج؟ ينتظر الموفد الأميركي الصهيوني عاموس هوكشتين أن يقبل لبنان بـ«الموجود» أو«الممكن» أو«المتاح» من حقه المشروع في ثروة البحر، فيما ينتظر لبنان، بسذاجة، أن يقبل العدوّ بالتنازل عن «حقل قانا» المأمول!
… ماذا يبدو أكثر إحباطاً للقارئ: أن يصل الغاز الفلسطيني المسروق إلى دمشق أو بيروت؟ أو أن يثبت بأن الغاز فلسطيني مسروق، ولكن لن يصل؟